قضايا وآراء

الدروز في سوريا ودروس التاريخ والحاضر

هاني بشر
"تركيبة الشخصية السورية تاريخيا تحتاج للهوية الواضحة لتعرف شكل النظام السياسي الذي ستنضوي تحته، ومن ثم تتفاعل معه إيجابيا"- إكس
"تركيبة الشخصية السورية تاريخيا تحتاج للهوية الواضحة لتعرف شكل النظام السياسي الذي ستنضوي تحته، ومن ثم تتفاعل معه إيجابيا"- إكس
تعتبر كثير من الأقليات العرقية والدينية في الدولة العربية الحديثة حالة شائكة يشوبها كثير من التوتر من مجرد مناقشة أي أمر يتعلق بها، خاصة أثناء التحولات السياسية الكبرى، رغم أن كثيرا من هذه الأقليات اختارت الدولة الجامعة وناصرتها وقت الأزمات الكبيرة، فخلعت بذلك رداء الطائفية وارتدت الثوب الوطني الجامع، فارتقت بهذه التضحيات مرتقى رفيعا بين أبناء الدولة الواحدة. وليس أدل على ذلك من مثال أبلغ من حالة المسيحيين في الحالة الفلسطينية الذين رفضوا كافة العروض والمغريات ليكونوا خنجرا في يد الاحتلال، واختاروا مشاركة بقية إخوانهم من الشعب الفلسطيني كافة أشكال المقاومة والنضال.

اختار الدروز في سوريا خيارا مشابها مطلع القرن الحالي قبل نحو مائة سنة، حينئذ كان المزاد مفتوحا لإقامة دول مستقلة كثيرة خاصة عندما أوشكت السلطنة العثمانية على التفكك والتقسيم، فلماذا اختار الدروز حينها الخيار الوطني الجامع ورفضوا فكرة الدولة الدرزية؟ كانت الإجابة عند الزعيم الدرزي الشهير سلطان باشا الأطرش الذي قاد مقاومة مسلحة وسياسية ضد الاحتلال الفرنسي لبلاده، وحكموا عليه بالإعدام قبل أن يلجأ للأردن ويعود لاحقا. كان كل هذا قبل اندلاع الثورة السورية الكبرى التي كان الأطرش قائدها، وانتقلت من مجرد ثورة في الجبل إلى ثورة وطنية جامعة.

هناك خلفية وطنية عربية قومية إسلامية جامعة لدى الدروز في سوريا، وهناك في داخل وسوريا وخارجها من أراد أن يقفز على هذا التاريخ وهذه الحالة ليستبدل بها حالة أخرى صراعية طائفية في إطار المناكفة السياسية. وللإنصاف، فبغض النظر عن التوترات الحالية، فإن الحالة الدرزية القلقة من المستقبل تتشابه مع حالة كثير من مكونات المجتمع السوري الذي يحدوه الأمل في بناء دولة جديدة لم ترفع حتى الآن أية شعارات أو أيديولوجيات بقدر ما تحاول تضميد الجراح وترميم ما هدمته سنوات الأسد العجاف

غني عن البيان أن مواقف سلطان باشا الأطرش لم تكن منفصلة عن انتمائه العثماني، والذي حارب تحت رايته في حروب الأناضول والبلقان فاستحق بسبب ذلك لقب الباشا. كما لم ينفصل هذا الانتماء عن أمير البيان شكيب أرسلان؛ اللبناني الذي ينحدر من عائلة درزية والذي كان من أبرز دعاة الوحدة العربية والإسلامية في تلك الفترة إبان الحرب العالمية الأولى.

كل هذه المعطيات من التاريخ المعاصر تشي بوضوح بأن هناك خلفية وطنية عربية قومية إسلامية جامعة لدى الدروز في سوريا، وهناك في داخل وسوريا وخارجها من أراد أن يقفز على هذا التاريخ وهذه الحالة ليستبدل بها حالة أخرى صراعية طائفية في إطار المناكفة السياسية. وللإنصاف، فبغض النظر عن التوترات الحالية، فإن الحالة الدرزية القلقة من المستقبل تتشابه مع حالة كثير من مكونات المجتمع السوري الذي يحدوه الأمل في بناء دولة جديدة لم ترفع حتى الآن أية شعارات أو أيديولوجيات بقدر ما تحاول تضميد الجراح وترميم ما هدمته سنوات الأسد العجاف، فهي تعلي من شعار العمران والبنيان على حساب أية أُطر نظرية لشكل وملامح الدولة.

لقد اتسم الخطاب الرسمي السوري بعد انتصار الثورة بكثير من التعقل والاتزان، ولكن غاب عنه كثير من شكل وملامح وانحيازات واضحة للدولة الجديدة. وأتصور أن تركيبة الشخصية السورية تاريخيا تحتاج لمثل هذه الهوية الواضحة لتعرف شكل النظام السياسي الذي ستنضوي تحته، ومن ثم تتفاعل معه إيجابيا. فليس عيبا أن تضمن الحكومة السورية الجديدة ضمن خطابها هوية واضحة تنحاز للعروبة والإسلام والقومية، وهي مكونات لم تكن يوما حكرا على الأسد، بل هي من صميم الهوية السورية.

فلا أعتقد أن إسلام وعدل وتقوى الزعيم الأموي الخليفة عمر بن عبد العزيز، وعروبة وقومية سلطان باشا الأطرش؛ محل خلاف بين السوريين لصياغة عقد اجتماعي جديد للدولة أو الجمهورية الجديدة يضمن بوضوح حقوق الجميع بشكل واضح. وتاريخ العاصمة السورية دمشق، أو كما تسمى "شام شريف"، كحاضرة علمية وسياسية بأوقافها وعلمائها وتجارها يشي بأنها قادرة على صياغة هوية جامعة جديدة تغري كافة مكونات المجتمع السوري على الانضواء تحت لوائها. هذا هو قدر الدول المركزية الكبرى وقدر سكانها وحكامها.

x.com/HanyBeshr
التعليقات (0)

خبر عاجل