بين
التهديدات المباشرة والقرارات المفاجئة، يواصل الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب، استخدام مبدأ "عدم القدرة على التنبؤ" كسلاح سياسي واستراتيجي لإعادة
رسم خريطة العلاقات الدولية، لكن هذا النهج، الذي يعرف في أدبيات السياسة
بـ"نظرية
الرجل المجنون"، لم يعد مجرد تكتيك مؤقت، بل تحول إلى عقيدة
ترسم ملامح السياسة الأمريكية في ولايته الثانية.
في تقرير
موسع نشرته
هيئة الإذاعة البريطانية"
بي بي سي"، تشير إلى أنّ: "ترامب نجح في ترسيخ صورة "الرئيس غير القابل
للتنبؤ" لدرجة أن هذا الغموض بات هو السمة الوحيدة الثابتة في قراراته، فمن
قصف
إيران بعد أيام من الإيحاء بنيته التفاوض، إلى التشكيك في التزامات واشنطن
تجاه الناتو، يوظف ترامب ارتباكه الظاهري لإرباك الخصوم وفرض الوقائع".
وقال
البروفيسور من كلية لندن للاقتصاد، بيتر تروبويتز، في تصريح لـ بي بي سي" إنّ: "ما فعله ترامب هو زعزعة يقين الحلفاء
بشأن مصداقية الالتزامات الأمريكية... كل شيء بات مطروحًا لإعادة التفاوض"،
مضيفا أنّ: "هذا النهج يستنسخ جزئيا تكتيكات الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي روج
لنظرية "الرجل المجنون" خلال حرب فيتنام".
تجدر الإشارة إلى أنّ هذا
التوجه قد ترك أثرا مباشرا على التحالفات التقليدية، إذ أعرب وزير الدفاع البريطاني
السابق بن والاس عن خشيته من انهيار المادة الخامسة في ميثاق حلف شمال الأطلسي،
وهي الضمانة الأمنية الأساسية لدول الحلف، وقال حرفيًا: "أعتقد أن المادة
الخامسة على وشك الانهيار" وفق ما نقلته الشبكة.
اظهار أخبار متعلقة
وفيما تتعامل بعض الحكومات الأوروبية بحذر شديد تجاه تصريحات ترامب، فإن دولا أخرى
اختارت تملقه لضمان دعمه، ففي قمة الناتو الأخيرة، كشفت البي بي سي عن رسالة نصية مسربة من الأمين العام للحلف، مارك
روته، إلى ترامب جاء فيها: "شكرا لقيادتك الحاسمة في إيران.. لقد أنجزت ما لم
ينجزه أي رئيس من قبلك".
لكن خبراء
مثل أستاذة السياسة في كلية لندن الجامعية، جولي نورمان، يحذرون من أن هذا النهج
يحمل بذور ضعفه في ذاته، إذ قالت: "حين يصبح سلوك ترامب متوقعا في غموضه،
تفقد استراتيجيته عنصر المفاجأة، وقد يراهن خصومه على ذلك".
إلى ذلك، بينما يستمر
ترامب في استعراض القوة، فإن دولًا مثل إيران وروسيا تبدو أقل تأثراً بتكتيكاته،
ما يثير التساؤلات حول مدى فعالية نظرية "الرجل المجنون" في عالم تعدّدت
فيه مراكز القوة، ولم تعد واشنطن اللاعب الأوحد.