تتابعت دعوات نزع صفة
العربية عن
مصر
من رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، والسياسي المصري أسامة الغزالي حرب، وهي دعوات
ليست وليدة اليوم، وإن اختلفت الأسباب والمبررات؛ إذ تعود جذورها إلى ما قبل قرن من
الزمان، وتزامنت مع انهيار الخلافة العثمانية، وتحفّظ قيادات ثورة 1919 إزاء الفكر
القومي العربي، الذي تمثل في رفض سعد زغلول ضم قضية استقلال الشعوب العربية، مع
عرضه لقضية استقلال مصر على مؤتمر الصلح الذي أعقب الحرب العالمية الأولى، وقوله
حين سئل عن الوحدة العربية: "صفر زائد صفر يساوي صفر"، إلا أن إجابة
زعيم مصر هذه لا تعني تخليه عن
الهوية العربية، ولكنها تعني تركيزه على استقلال
مصر من الاحتلال البريطاني.
وبالمثل، يمكننا النظر إلى أقوال أحمد
لطفي السيد، وغيره من المفكرين المصريين في الربع الأول من القرن الماضي، التي
هدفت إلى إحياء الشعور بالهوية المصرية من أجل استقلال البلاد، فمصر وقتئذ كانت
محتلة عسكريا من الإنجليز، وفي الوقت نفسه تموج بحركات استيطان من قبرص واليونان
وإيطاليا وإنجلترا وفرنسا والشام، مما حدا بقادة ومفكري هذا الزمن إلى رفع شعار
"مصر للمصريين".
وحين تولى جمال عبد الناصر حكم مصر،
وتمكن بخطبه الجريئة الحماسية من كسب مشاعر وقلوب أبناء شعوب الأمة العربية، أدت
هذه الشعبية التي اكتسبها داخل الأقطار العربية إلى اقتناعه بإمكانية تحقيق وحدة
عربية، بديلا للوحدة الإسلامية التي انهارت بانهيار الخلافة العثمانية، لكون معظم
دول العالم الإسلامي -وقتئذ- كانت محتلة، وبعضها مثل تركيا تفرنج واتبع الغرب،
فكانت الوحدة العربية حلما قضى عمره في الدعوة له.
هذه الدعوات ستفشل لأن الفرعونية ليست وحدها التي أثرت في وجدان المصريين؛ فالإنسان المصري اليوم محصلة الحضارات: الفرعونية، الفارسية، الهيلينية، الرومانية، القبطية، الإسلامية، العربية، ومن كل هذه الحضارات تكونت شخصيته، بعدما انصهرت جميعها في بوتقة الحضارة العربية الإسلامية.
وبرغم فشل الحلم الناصري، إلا أن
الرئيس السادات الذي خلفه استمر في الإيمان بعروبة مصر، وإضافة صفة العربية إلى
اسمها، ولكن توقيع معاهدة "كامب ديفيد" أسفر عن مقاطعة عربية لمصر، ومع
غياب مصر عن الساحة العربية، صارت كل دولة عربية تعزز هويتها المحلية، وتبتعد عن
الهوية العربية التي جمعت شعوب المنطقة.
وابتعاد العرب وتنكرهم لمصر التي
قدمت ثرواتها وشبابها لخدمة قضايا أمتها العربية، أولد غصة في حلوق كثير ممن
عاصروا هذه الحقبة، فعادت الدعوة إلى الفرعونية كرد فعل لهذا النكران، ومن هؤلاء
أسامة الغزالي حرب، كما ظهر الشعبويون الكارهون للعرب بدوافع عنصرية مثل ساويرس،
مستغلين حالة الحنق الشعبي من نكران العرب لفضل مصر.
وفي يقيني أن هذه الدعوات ستفشل؛ لأن
الفرعونية ليست وحدها التي أثرت في وجدان المصريين؛ فالإنسان المصري اليوم محصلة
الحضارات: الفرعونية، الفارسية، الهيلينية، الرومانية، القبطية، الإسلامية، العربية، ومن كل هذه الحضارات تكونت شخصيته، بعدما انصهرت جميعها في بوتقة
الحضارة العربية الإسلامية، التي صارت سمة الإنسان المصري، وعزز بقاءها فيه أن
اللغة العربية التي يتكلمها هي لغة كتاب الله، ومن ثم فكل هذه الدعوات مآلها
الفشل، وستظل مصر عربية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.