سياسة عربية

CNN تعيد نشر مقابلة إعلامية مع بن لادن قبل سنوات من هجمات 11 سبتمبر

بن لادن قال في المقابلة إن دافعه للجهاد هو السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط - جيتي
تستعيد مقالة نشرتها شبكة "سي إن إن" لحظة مفصلية في تاريخ الأزمات والحروب المعاصرة، عبر شهادة مباشرة على أول ظهور إعلامي لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وسياقه السياسي والأمني، وعلاقة تلك المقابلة المبكرة بسلسلة الهجمات التي غيّرت مسار العالم.

وكتب بيتر بيرغن في مقاله أنه في ليلة شديدة البرودة من شهر مارس عام 1997، كان مع فريقه داخل كوخ طيني في أعالي جبال شرق أفغانستان، محاطين بمقاتلين مدججين بالسلاح من تنظيم القاعدة، حين وجّه الصحفي بيتر أرنيت سؤالا مباشرا لزعيم التنظيم أسامة بن لادن: "ما هي خططك المستقبلية؟".

ورد بن لادن قائلا: "سترونها وتسمعون عنها في وسائل الإعلام، إن شاء الله".


وأوضح بيرغن أن تلك كانت أول مقابلة تلفزيونية لبن لادن، وقد اختار هو ومرافقوه أرنيت وشبكة "سي إن إن" لإجرائها، مشيرا إلى أنه كان المنتج المسؤول عن تلك المقابلة.

وأضاف أن بن لادن نفّذ في العام التالي تهديده عبر هجمات شبه متزامنة لتنظيم القاعدة استهدفت سفارتين أميركيتين في إفريقيا، وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، ثم فجّر رجاله في عام 2000 المدمرة الأميركية "يو إس إس كول" في اليمن، ما أدى إلى مقتل 17 بحارا أميركيا، قبل أن تأتي هجمات 11 سبتمبر التي أودت بحياة ما يقرب من 3000 شخص وأطلقت ما سمي بـ"الحرب العالمية على الإرهاب".

وأشار بيرغن إلى أنه تعرّف على أرنيت، الذي توفي الأربعاء، لأول مرة عام 1993، حين كان من أشهر الصحفيين في العالم وأبرز مراسل أجنبي في ذلك الوقت.

وذكر أن قرار أرنيت الجريء بالبقاء في بغداد بعد مغادرة معظم المراسلين الغربيين، أثناء قصف الولايات المتحدة لنظام صدام حسين، أسهم في تعزيز مكانة شبكة "سي إن إن" عالميا وجعل من أرنيت شخصية دولية معروفة.

ووصف بيرغن أرنيت بأنه كان يُعرف بصوته القوي قبل حضوره، رجلا قوي البنية ذا نبرة جهورية بلكنة نيوزيلندية مميزة، مؤكدا أن وصفه بالأسطوري لا يفيه حقه، إذ كان صحفيا من طراز رفيع، حافلا بقصص تغطيته للحرب في فيتنام ونزاعات أخرى حول العالم.

وأوضح أنه كان في الثلاثين من عمره حين التقى أرنيت للمرة الأولى، ولم يكن قد زار منطقة حرب من قبل، قبل أن يجدا نفسيهما سريعا في أفغانستان وسط حرب أهلية طاحنة.


ولفت إلى أن كابول كانت مدمرة وتشبه مدينة دريسدن بعد الحرب العالمية الثانية، مع اقتتال أمراء الحرب في كل حي، وانتشار الأطفال المجندين، في حين كان قلب الدين حكمتيار، رئيس الوزراء الأفغاني آنذاك، يقصف العاصمة يوميا.

وبيّن أن أرنيت أجرى مقابلات لصالح شبكة "سي إن إن"  مع جميع الشخصيات الرئيسية في الحرب الأهلية الأفغانية، من بينهم حكمتيار، وخصمه أحمد شاه مسعود الذي اغتالته القاعدة قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر، إضافة إلى الرئيس الأفغاني برهان الدين رباني الذي قُتل على يد طالبان عام 2011.

وتابع بيرغن أن القذائف كانت تتساقط باستمرار على كابول، وسط اشتباكات متواصلة بين الميليشيات العرقية والطائفية، بينما بدا أرنيت مرتاحا لوجوده في قلب الحدث، في وقت كانت أفغانستان عام 1993 تعيش حالة من الفوضى المتواصلة.

واستحضر نصيحة قال إن أرنيت أسداها له آنذاك ولا تزال عالقة في ذهنه: "لا تفعل أي شيء للتسلية في منطقة حرب"، معتبرا إياها نصيحة حكيمة.


وأوضح أن وجودهم في أفغانستان جاء في إطار تتبع منفذي تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، وهم مجموعة من الأشخاص الذين قاتل بعضهم ضد السوفييت في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي أو دعموا تلك الجهود، وأقدموا على تفجير شاحنة محملة بالمتفجرات في الطابق السفلي من البرجين التوأمين، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص.

وأشار بيرغن إلى أنه أمضى في عام 1997 أسابيع في التفاوض مع مقربين من بن لادن يقيمون في لندن، سعيا للحصول على مقابلة معه، في ظل اعتقاد بأن له دورا في تفجير عام 1993، موضحا أنه لم يكن معروفا آنذاك أن رمزي يوسف، العقل المدبر لذلك التفجير، هو ابن شقيق خالد شيخ محمد، القائد العملياتي لهجمات 11 سبتمبر.

ولفت إلى أن مؤسسات إعلامية أخرى، من بينها "بي بي سي" وبرنامج "60 دقيقة" على شبكة CBS، سعت أيضا لإجراء مقابلة مع بن لادن، مرجحا أن سمعة أرنيت في تغطية حرب الخليج لعبت دورا حاسما في اختيار "سي إن إن".

وبعد العودة إلى قمة الجبل الأفغاني، سأل أرنيت بن لادن عن سبب إعلانه الجهاد ضد الولايات المتحدة، فأجاب بإسهاب منتقدا الدعم الأمريكي لإسرائيل وحلفائها في الشرق الأوسط، مثل السعودية.

ناقض هذا الطرح الرواية التي كررها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي اعتبرت أن الولايات المتحدة تعرضت للهجوم بسبب "حرياتها"، مؤكدا أن بن لادن قال في مقابلة مع "سي إن إن" قبل أربع سنوات من تلك الهجمات إن دافعه للجهاد هو السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

وختم بيرغن بالإشارة إلى أنه حظي بشرف لقضاء أسابيع في أفغانستان مع أرنيت عام 1993، ثم مرة أخرى بعد أربع سنوات لإنتاج أول مقابلة تلفزيونية مع بن لادن، واصفا أرنيت بأنه كان رجلا لا يعرف الخوف، ومؤكدا أنه منذ ذلك الحين لم يقم بأي عمل ترفيهي في منطقة حرب.