أكّد خبراء الطيران أنّ حوادث التصادم وحالات الطوارئ الخطيرة "نادرة للغاية"، ولفتت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أنّ: "السفر الجوي يعدّ إحدى أكثر وسائل النقل أمانا، وفقا لمجلس السلامة الوطني، لكنها اعتبرت أنه ليس خاليًا تمامًا من الأخطار التي يمكن أن تصادف الركاب خلال سفرهم، ما يستدعي أن الاستعداد لها حال حدوثها".
وقد تبدو تعليمات السلامة التي يقدمها طاقم الطائرة قبل الإقلاع للكثيرين إجراء روتيني لا يلفت الانتباه، رغم أنها قد تكون الفارق بين الحياة والموت في حالات الطوارئ، وأكدت نتائج دراسة أجراها المجلس الوطني لسلامة النقل (إن تي إس بي)، أنّ أقل من 20 بالمئة من الركاب يتابعون تعليمات السلامة التوضيحية بجدية خلال رحلاتهم، وحوالي 40 بالمئة من الركاب يظنون أن هذه التعليمات ليست ضرورية لأنهم سبق أن سافروا من قبل، ما يجعلهم يتجاهلونها.
لماذا يتجاهلون تعليمات السلامة؟
تشير الإحصائيات إلى أنّ: "نسبة الركاب الذين ينتبهون بالكامل لتعليمات السلامة المقدمة من طاقم الطائرة متواضعة نسبيا، وقد تتفاوت بناء على عوامل مثل مدى خبرة الركاب بالسفر الجوي وثقافتهم حول أهمية هذه التعليمات". فيما أظهرت دراسة من جامعة ولاية نيويورك بالتعاون مع إدارة الطيران الفدرالية (إف أي أي) أنّ: "أقل من 50 بالمئة من الركاب ينتبهون لتعليمات السلامة أثناء العرض التوضيحي، فيما يعتبر بعض الركاب التعليمات مكررة وغير ضرورية، خاصة إذا كانوا من المسافرين المخضرمين، وحوالي 30% ينظرون إلى تعليمات السلامة على البطاقات المرفقة بالمقاعد".
ويعد ربط حزام الأمان أحد أكثر وسائل الحماية فعالية أثناء الاضطرابات الجوية، ففي دراسة أجرتها إدارة الطيران الفدرالية، ظهر أن معظم الإصابات الخطيرة الناتجة عن المطبات الهوائية تحدث بسبب عدم ربط أحزمة الأمان، وبين عامي 2009 و2018، تم تسجيل 298 إصابة، معظمها بين الركاب الذين لم يلتزموا بهذا الإجراء البسيط.
من ناحية أخرى، تُعد أقنعة الأكسجين من أهم وسائل الحماية عند انخفاض ضغط المقصورة، فعند حدوث هذا النوع من الطوارئ، يمكن لنقص الأكسجين أن يؤدي إلى فقدان الوعي خلال 15-30 ثانية فقط، وتعد حادثة رحلة "خطوط هيليوس الجوية 522" عام 2005 مثالا مأساويا على ذلك، حيث أسفر عدم الاستجابة السريعة لاستخدام الأقنعة عن وفاة جميع الركاب البالغ عددهم 121 شخصا.
الإخلاء في غضون 90 ثانية
كما يعد الإخلاء السريع للطائرة في حالات الطوارئ أيضا عاملا حاسما في إنقاذ الأرواح، ووفقا لمعايير المنظمة الدولية للطيران المدني (آي سي أي أو)، يجب أن يتم الإخلاء في غضون 90 ثانية، وفي حادثة رحلة الخطوط الجوية البريطانية 2276 عام 2015، تمكن الطاقم من إجلاء 170 راكبا بأمان في أقل من 90 ثانية، مما حال دون وقوع أي وفيات، بالمقابل، في حادثة رحلة إيروفلوت 1492 عام 2019، تسبب تأخير الإخلاء بسبب حمل الركاب لحقائبهم في وفاة 41 شخصا.
حادثة في اليابان خير دليل
في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2024، اشتعلت النيران في الطائرة "إيرباص 350-أي" التابعة للخطوط الجوية اليابانية في مطار هانيدا الدولي بطوكيو أثناء اصطدامها بطائرة خفر السواحل الياباني "داش 8"، وعند مشاهدة لقطات اصطدام طائرة الخطوط الجوية اليابانية يبدو الأمر وكأنه معجزة أن أحدا خرج سالما من الحادث.
ومع ذلك، وبينما كانت المأساة كبيرة بفقدان 5 من أفراد الطاقم الستة على متن الطائرة، فقد نجا جميع الركاب الـ 379 وأفراد الطاقم على متن الطائرة الأخرى، والفضل بحسب الخبراء يعود إلى أن الإخلاء الناجح كان نتاج مزيج من معايير السلامة الحديثة الصارمة لدى شركة الخطوط الجوية اليابانية.
حالات الهبوط الاضطراري
قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ: "الآونة الأخيرة شهدت وقوع العديد من حالات الهبوط الاضطراري للرحلات الجوية لأسباب مختلفة (بعضها مجهول)، لذا من الضروري معرفة كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة، حيث يقوم كابتن الطائرة بالهبوط الاضطراري لمواجهة أزمة تمر بها الرحلة الجوية أثناء التحليق، تتعارض إما مع تقنية الطائرة أو تنطوي على حالات طوارئ طبية مفاجئة، ما يستلزم تحويل مسار الرحلة والهبوط بالطائرة في أقرب مطار".
يوجد نوعان للهبوط الاضطراري وهما:
هبوط إجباري: يحدث بسبب مشكلات فنية، حيث يكون هبوط الطائرة في أقرب وقت ممكن هو الأولوية القصوى، بغض النظر عن المكان، وذلك عند حدوث فشل في النظام الرئيس.
هبوط احترازي: ينجم عن حدوث تغييرات غير متوقعة خلال الرحلة الجوية، بما في ذلك وقوع مشكلات على الطائرة أو في حالات الطوارئ الطبية أو الأمنية.
أكثر ما ينساه المسافرون في الطائرات
وعلى الرغم من أن الاستعداد لحالة الطوارئ قد يبدو غير مجد في كثير من الحالات بحسب الصحيفة، إلا أن اتخاذ الخطوات اللازمة يمكن أن يجعل مواجهة الهبوط الاضطراري أسهل بكثير، وتتخذ شركات الطيران العديد من الخطوات لجعل الركاب يستمعون إلى إعلانات السلامة على متن الطائرة، بما في ذلك قطع صوت الأجهزة لتشغيل الإعلانات وإنشاء مقاطع فيديو معقدة لجذب انتباه المسافرين.
ما يجب فعله في حالات الهبوط الاضطراري
يمكن للمسافرين التأكّد من أن جميع أدوات السلامة متواجدة في مكانها، قبل إقلاع الطائرة، لا سيما سترة النجاة، ففي بعض الحالات، يمكن أن تكون الظروف خارج الطائرة خطيرة، مثل عدم توقف المحرك أو هبوط الطائرة في المياه، حيث يجب ارتداء السترات دون نفخها إلى حين الخروج من الطائرة.
وفيما يلي أهم ما يجب فعله في حالات الطوارئ والهبوط الاضطراري:
1- وضع حزام الأمان على الفور.
2- مواجهة مسؤوليات صف الخروج بجدية، حيث يجب الانتباه للإرشادات الخاصة بكيفية فتح باب الخروج.
3- في حالة الإخلاء، يجب ترك الحقائب الشخصية دون التفكير فيها، خاصة أن بعض حالات الهبوط الاضطراري تستغرق وقتا إضافيا، لذا فإن محاولة إخراج الحقائب تعيق العملية ويمكن أن تودي بحياة الكثير من المسافرين.
4- معرفة كيفية استخدام قناع الأكسجين، وطلب المساعدة من المضيفين عند الحاجة.
5- محاولة عدم نشر حالة الفزع على متن الطائرة، للتأكد من ضمان خروج الجميع بأمان مع تجنب الإصابات، وإعطاء الأولوية للأطفال.
حيل بسيطة للنجاة
هناك أيضا عدّة حيل بسيطة يُنصح باتباعها في الرحلات الجوية، يمكن أن تخفف عواقب الهبوط الاضطراري المحتمل،
ومنها:
1-تجنب ارتداء المنسوجات القابلة للاشتعال، مثل النايلون والبوليستر، ويفضل ارتداء ملابس بأكمام وسراويل طويلة، لحماية البشرة من الحروق والجروح المحتملة. كما يُنصح بالاحتفاظ ببطاقات الهوية الشخصية في الجيب.
2- حجز رحلة طيران مباشرة، إن أمكن ذلك، حيث كشفت دراسة أجرتها شركة "بوينغ" عام 2017، أن معظم الحوادث تحدث أثناء الإقلاع أو الهبوط.
3- حاول الجلوس في الجزء الخلفي من الطائرة، فقد وجد تحليل أجرته مجلة "تايم" عام 2015 لوفيات الرحلات الجوية، أن معدل الوفيات في مقاعد الثلث الخلفي للطائرات بلغ 32 بالمئة، بالمقارنة مع 38 بالمئة في الثلث الأمامي و39 بالمئة في الوسط.
4- الاستماع إلى موجز السلامة، حيث يمكن أن يشعرك موجز السلامة بالملل، ولكنه قد ينقذ حياتك أيضا من خلال الحصول على فكرة أفضل عما يجب فعله في حالات الطوارئ.
5- الاحتفاظ بالأجهزة الإلكترونية على مقربة منك، دون توصيلها بالشحن، وذلك لمنع تحركها في الطائرة أثناء الهبوط الاضطراري، ما قد يسبب إصابات غير متوقعة.
قواعد يجب الالتزام بها
رغم بذل شركات الطيران جهودًا لضمان التزام الركاب بإرشادات السلامة قبل الرحلة، ومع ذلك، فإن الكثير ينسون تلك القواعد بمجرد صعودهم إلى الطائرة، وبعضهم الآخر يتجاهلها، وحسبما ذكرت قناة "Euro news"، فإن هناك قواعد يجب الالتزام بها،
نستعرضها في السطور التالية:
المقعد مستقيم أثناء الإقلاع والهبوط
موظفو الخطوط الجوية عادة ما يطالبون الركاب بضرورة إبقاء مقاعدهم قائمة أثناء الإقلاع والهبوط، لأنّ هذه هي الأوقات التي من المرجح أن تتعرض فيها لحالة طوارئ دون أن يكون لديك الوقت الكافي للاستعداد.
تعتيم الأضواء قبل الإقلاع والهبوط
في حالة الهبوط الاضطراري، قد تدخل الطائرة في الظلام، وذلك للمساعدة في الرؤية الليلية في حالة أن تم إخلاء الطائرة، حيث يضمن تأقلم أفراد الطاقم والركاب مع الضوء الخافت قدرتهم على الرؤية بشكل أكثر وضوحًا وإخلاء الطائرة بسرعة.
استخدام وضعية "التقويم"
وضعية "التقويم"، يجب تنفيذها إذا أمرك طاقم الطائرة بذلك، وفي أغلب الأحيان، يستلزم هذا الوضع الانحناء للأمام مع تثبيت قدميك بقوة على الأرض، ورأسك أقرب ما يكون إلى السطح الذي من المحتمل أن يصطدم به، ويديك على جانبي رأسك.
هاتفك على وضع الطيران
هذه القاعدة تعتبر ضرورية لأنه من الممكن أن تتداخل إشارات الهاتف مع إشارات الراديو على سطح الطائرة والاتصالات الداخلية مع مراقبة الحركة الجوية، ومن الممكن أن يكون للتكنولوجيا الجديدة غير المجربة تأثير، لذا يُنصح الركاب باتباع قاعدة "وضع الطيران" لأسباب تتعلق بالسلامة.
اترك حقيبتك في حالة الإخلاء
بصرف النظر عن الحاجة الواضحة لإخلاء المكان في أسرع وقت ممكن، إلا أن هناك أسباب أخرى تمنعك من حمل حقيبتك أو متعلّقاتك الأخرى أثناء حالة الطوارئ على متن الطائرة، فقد تشغل حقيبتك اليدوية مساحة يمكن أن يستخدمها شخص آخر وقد تتشابك أو تتسبب في تعثر شخص ما أو اصطدامه بشخص ما أو ثقب الشريحة أو إتلافها بطريقة ما.
حوادث الطيران عام 2025
أظهر تحليل التقارير الذي أجرته شبكة "
سي أن أن" بالاستناد إلى بيانات المجلس الوطني لسلامة النقل أن عدد الحوادث قد انخفض خلال الربع الأول من عام 2025. حيث قاد المجلس 171 تحقيقًا في حوادث الطيران المدني بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 2025، شملت الطائرات التجارية، والعامة، والمروحيات، والطائرات الخاصة.
وخلال الفترة ذاتها من العام الماضي، كان هناك 185 تحقيقًا. وبلغ متوسط عدد التحقيقات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الأعوام 2010 إلى 2019 نحو 215 تحقيقًا، وقالت محللة شؤون النقل في الـ"سي أن أن" ماري شيافو إن تراجع الثقة بسلامة الطيران يعود إلى اللحظات المصورة التي أرعبت الجميع، من بينها حادث الاصطدام الجوي الذي وقع في كانون الثاني/ يناير بين مروحية تابعة للجيش الأمريكي وطائرة ركاب إقليمية تابعة لشركة الخطوط الجوية الأمريكية أثناء هبوطها في مطار رونالد ريغان الوطني بالعاصمة الأمريكية واشنطن، والذي التقطته كاميرات المراقبة.
ولفتت شيافو إلى أنّ: "هناك 15,214 حادثة اقتراب خطير اكتشفها المجلس بين عامي 2021 و2024، حيث اقتربت الطائرات لمسافة ميل بحري واحد من الاصطدام في مطار ريغان الوطني". وتابعت: "هذا أمر صادم، لم نكن لنعرف ذلك".