قضايا وآراء

كيف يطور فلسطينيو الخارج دورهم الوطني في ظل التحولات الفلسطينية؟

"أهمية الانخراط في العمل الدولي المستقل، من خلال تأسيس كيانات مستقلة داعمة لفلسطين خارج العباءة الفلسطينية"- الأناضول
في أعقاب معركة "طوفان الأقصى"، برزت تحوّلات استراتيجية كبرى أعادت تشكيل المشهد الفلسطيني، وفرضت على فلسطينيي الخارج تحديات واستحقاقات جديدة. ولم يعد كافيا أن يقتصر دورهم على أشكال الدعم التقليدي؛ بل باتت الحاجة ملحّة لتطوير أدائهم بما يوازي حجم النضال والتضحيات التي يقدمها الداخل، لا سيما في قطاع غزة.

هذه المتغيرات تتطلب من فلسطينيي الخارج إعادة تموضع سياسي واجتماعي، يراعي خصوصية البيئات التي يتواجدون فيها، ويستجيب للفرص والتحديات الإقليمية والدولية المتسارعة. وعليه، فإن تطوير الأداء الشعبي بات ضرورة استراتيجية لتعزيز الدور الوطني لفلسطينيي الخارج، وتوثيق الصلة مع الداخل الفلسطيني ومناصرته، وتقوية الصف الوطني، فضلا عن امتلاك أدوات فعالة للتأثير في المحافل الإقليمية والدولية دعما للقضية الفلسطينية.

لذلك من الأهمية في هذه المرحلة المصيرية التي تعيشها القضية الفلسطينية أن يكون التركيز على البُعد الشعبي لفلسطينيي الخارج، من حيث الواقع، والفرص، والتحديات، مع طرح محاور عملية لتطوير هذا الأداء بما يخدم القضية الفلسطينية في ظل هذه المتغيرات.

من الأهمية في هذه المرحلة المصيرية التي تعيشها القضية الفلسطينية أن يكون التركيز على البُعد الشعبي لفلسطينيي الخارج، من حيث الواقع، والفرص، والتحديات، مع طرح محاور عملية لتطوير هذا الأداء

إن أبرز التحديات التي تواجه فلسطينيي الخارج هي التمثيل الوطني، فقد تراجعت مكانة الشتات كمكوّن أساسي في القرار السياسي الفلسطيني، وتجمّد دور منظمة التحرير كمظلة جامعة. ولا يزال يُنظر إلى الشتات الفلسطيني على أنه ملحق داعم وليس طرفا قياديا يملك حق التأثير. هذا الواقع يتطلب المسارعة إلى سد فراغ التمثيل الوطني، رغم وجود جملة من التحديات التي تواجه هذا المسار، إلا أن سد هذا الفراغ سيمنح البعد الشعبي قوة فاعلة كبيرة.

كما أن التحدي لتهميش ورفض القيادة الفلسطينية المتنفذة للعمل في الخارج؛ يعتبر من أبرز هذه التحديات، حيث تنظر منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية إلى أي جهد في الشتات، سواء كان شعبيا أو سياسيا، كتهديد مباشر لشرعيتها، وتسعى بنشاط لتعطيله وتقويضه عبر حملات إعلامية متواصلة. هذه المدافعة على الشرعية تستهلك جزءا كبيرا من طاقة الشتات.

وبالرغم من الطاقة الجماهيرية الهائلة التي يتمتع بها الفلسطينيون في الخارج وقدرتهم الكبيرة على الحشد والتأثير، إلا أن هذا التأثير غالبا ما يكون متقطعا، موسميا أو مقيدا، مما يستوجب استثمار هذه الطاقة الشعبية المنتشرة بإمكانياتها الكبيرة واستمرارية الحراك الشعبي.

كما أن أحد هذه التحديات هو سعي الاحتلال، بدعم من الإدارة الأمريكية، إلى تفكيك المرجعية الوطنية الموحدة، مثل فرض إدارة دولية على قطاع غزة، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا لحق تقرير المصير ويهمش الإرادة السياسية الفلسطينية.
وبالرغم من ارتفاع الصوت الشعبي العربي والإسلامي خارج الإطار الرسمي في رفض الإبادة الإسرائيلية، وبالرغم من ارتفاع الصوت الشعبي العربي والإسلامي خارج الإطار الرسمي في رفض الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، لكنه لا ينعكس دائما واقعا ميدانيا ملموسا. وهذا يضع أمامنا تحديا في إيجاد آليات فعالة لتحويل هذا المخزون التضامني الكامن إلى قوة مستدامة وفاعلة وتحفيز دائم لهذه المكنونات.

وعلى الرغم من ارتفاع مستوى التضامن العالمي الشعبي والرسمي مع فلسطين خلال سنتين من حرب الإبادة الإسرائيلية، وتحوّل الدعم إلى تفاعل مباشر وتبنيه لغة المساءلة القانونية؛ فإن منسوب التجريم ضد الناشطين المتضامين مع فلسطين ارتفع أيضا، مما قد يحدّ من حماسة المشاركة ويقوّض البيئة الدولية الحاضنة لحراك عالمي مستدام، ويحرم القضية الفلسطينية من أحد أهم روافع العمل مستقبلا، وهذا تحدٍّ إضافي للفلسطينيين في الخارج.

خطة عمل واستراتيجية قائمة على توحيد الجهود لإطلاق وثيقة وطنية جامعة تُعبّر عن تطلعات فلسطينيي الخارج، وتمهّد الطريق نحو تجديد شامل للتمثيل الشعبي ومنها للتمثيل السياسي، وتشكّل خطوة تأسيسية على طريق إعادة بناء المرجعية الوطنية الفلسطينية الجامعة، ومن ثم التحول من النخبوية إلى التفاعل الجماهيري

بالتالي، يحتاج الفلسطينيون في الخارج إلى البناء على المتغيرات الكبيرة التي شهدها العالم بسبب الإبادة والجرائم التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة على مدار عامين، وأمام التحديات السابقة تولد مجموعة من الفرص التي لا بد من استثمارها في تطوير أدوات عمل فلسطينيي الخارج.

هذا التطوير يستند إلى خطة عمل واستراتيجية قائمة على توحيد الجهود لإطلاق وثيقة وطنية جامعة تُعبّر عن تطلعات فلسطينيي الخارج، وتمهّد الطريق نحو تجديد شامل للتمثيل الشعبي ومنها للتمثيل السياسي، وتشكّل خطوة تأسيسية على طريق إعادة بناء المرجعية الوطنية الفلسطينية الجامعة، ومن ثم التحول من النخبوية إلى التفاعل الجماهيري؛ من خلال وضع خطط عملية لاختراق الاتحادات والنقابات المهنية والطلابية والعمالية، بهدف توسيع العمل الشعبي للمؤسسات الفاعلة في الخارج.

كما نؤكد على أهمية الانخراط في العمل الدولي المستقل، من خلال تأسيس كيانات مستقلة داعمة لفلسطين خارج العباءة الفلسطينية، لحمايتها من التضييق القانوني، وتمارس المناصرة العالمية بما يحميها قانونيا، ويُسهم في إنهاء استثناء فلسطين من الحقوق الأساسية.

كما تستند هذه الاستراتيجية إلى تعزيز العلاقة المستدامة مع الداخل الفلسطيني، شعبيا وفصائليا ومؤسساتيا، بما يُعزز وحدة النضال الفلسطيني ويمنع محاولات الفصل بين الداخل والخارج.

ولحماية العاملين لأجل القضية الفلسطينية؛ فإنه من الأهمية تأسيس منظومة دعم قانوني وإعلامي للناشطين الفلسطينيين والمناصرين المهددين بالملاحقة في الغرب، لحمايتهم من التجريم، وضمان استمرار حراكهم ضمن بيئة آمنة وفعالة.

إن تطوير الأداء الشعبي لفلسطينيي الخارج لم يعد ترفا أو نشاطا هامشيا، بل أصبح ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات المتسارعة التي تمر بها القضية الفلسطينية، لا سيما بعد التحولات العميقة التي أعقبت "طوفان الأقصى" والعدوان على غزة. هذه المتغيرات وضعت الشتات أمام مسؤولية وطنية وتاريخية لا تحتمل التأجيل.