في كرة القدم الحديثة،
لم تعد الموهبة وحدها كافية للهيمنة القارية، فالإمكانيات المادية أصبحت من أهم العوامل
التي تبنى عليها الكيانات الرياضية إذا وجهت بالطريقة الصحيحة.
هذا الموسم، أعاد نادي
بيراميدز المصري وباريس سان جرمان الفرنسي توجيه البوصلة في الاستثمار الذكي ليحققا
البطولات القارية لأول مرة في تاريخهما، بعد سنوات من الصرف الكبير وضم نجوم لم يقدموا
النتائج المرجوة.
وسطر نادي بيراميدز
اسمه بحروف من ذهب في سجلات البطولات القارية بعد الفوز مؤخرًا بلقب السوبر الإفريقي
على حساب نهضة بركان المغربي، وذلك بعد تتويجه بلقب دوري أبطال إفريقيا عقب فوزه على
ماميلودي صنداونز الجنوب إفريقي 2-1 في إياب الدور النهائي، ليحصد اللقب القاري الأول
في تاريخه.
بهذا التتويج، أصبح
بيراميدز رابع فريق مصري يفوز بالبطولة بعد الأهلي والزمالك والإسماعيلي، مؤكدا مكانة
مصر على الساحة القارية، ليختتم موسمه الذهبي بعد أن جمع بين دوري أبطال إفريقيا وكأس
السوبر وكأس مصر وكأس الإنتركونتيننتال، بعد اكتساح أهلي جدة على أرضه بملعب الجوهرة
المشعة بنتيجة 3-1، في تحول واضح للتخطيط المالي والإداري للفريق، رغم حداثة عهده بالمنافسات
القارية.
على الجهة الأخرى من
أوروبا، حقق باريس سان جرمان الفرنسي لقب دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه بعد
فوزه الكاسح 5-0 على إنتر ميلان الإيطالي في النهائي بميونخ.
سجل ديزريه دوي هدفين
وقدم تمريرة حاسمة، فيما افتتح أشرف حكيمي التسجيل، وأضاف دوي الهدف الثاني، ثم سجل
الهدف الثالث من جديد، والرابع جاء من خفيتشا كفاراتسخيليا، والخامس اختتمه سيني مايولو،
ليكمل بذلك الثلاثية هذا الموسم بعد الفوز بالدوري الفرنسي والكأس المحلية.
نجاح باريس سان جرمان
جاء بعد سنوات من ضخ استثمارات كبيرة من قبل مجموعة قطر الرياضية، شملت ضم نجوم عالميين،
تطوير البنية التحتية، وإعادة هيكلة الجهاز الفني والإداري أكثر من مرة، إلا أن المرة
الأخيرة أثبتت أن المال الموجه بشكل مدروس يمكن أن ينتج فرقا قادرة على المنافسة على
أعلى المستويات، بعد أن تخلى النادي عن سياسة البذخ التي لم تمنحه النتائج المطلوبة
في السنوات السابقة.
بيراميدز تحت قيادة
تركي آل الشيخ
بدأت رحلة نادي بيراميدز
بعد استحواذ رجل الأعمال السعودي ورئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ على النادي وتغير
اسمه بعد أن كان "الأسيوطي" ممثلا عن صعيد مصر وذلك قبل عدة سنوات، محاولًا
إيجاد مكان للفريق بين الكبار.
وشهد النادي استثمارات
ضخمة في اللاعبين والإدارة والفريق الفني، حيث تم التعاقد مع نجوم محليين وقاريين،
وتطوير البنية التحتية لمراكز التدريب والملاعب.
على الرغم من المبالغ
المالية التي وجهها آل الشيخ، فشل النادي في البداية في التتويج بأي بطولة محلية أو
قارية، ومع الكثير من الإحباط والضغوط الجماهيرية، خاصة من جماهير الأهلي المصري التي
اعتبرت أن الاستثمار جاء "نكاية" بالقلعة الحمراء، قرر رئيس هيئة الترفيه
بيع حصته وعدم الاستمرار في الاستثمار الرياضي في مصر.
مع الإدارة الجديدة
بقيادة رجل الأعمال الإماراتي سالم الشمسي، تغيرت استراتيجية الفريق وتم توجيه الصرف
والاستثمار بشكل مختلف، ليتمكن بيراميدز من تغيير الخريطة الكروية في مصر بسرعة، ويصبح
منافسا على البطولات المحلية والقارية، وصولا إلى تتويجه بلقب دوري أبطال إفريقيا لأول
مرة في موسم 2025، قبل أن يضيف كأس السوبر الإفريقي ويضع بصمته على الساحة الكروية
القارية.
باريس سان جرمان..
مطاردة الحلم الأوروبي
أما باريس سان جرمان
الفرنسي، فكانت رحلته نحو دوري أبطال أوروبا طويلة ومليئة بالتحديات، فمنذ استحواذ
مجموعة قطر الرياضية على النادي، ضخ الفريق استثمارات هائلة في ضم نجوم عالميين أمثال
ميسي وراموس ونيمار، وإعادة هيكلة الجهاز الفني والإداري، بهدف الفوز باللقب الأوروبي
الذي ظل بعيد المنال لعقود.
على الرغم من النجاحات
المحلية المتكررة في الدوري والكأس، بقي دوري أبطال أوروبا تحديا صعبا، حيث تعثر الفريق
في النهائي عدة مرات أمام أندية أوروبية قوية، ومع ذلك، أظهرت إدارة سان جرمان صبرًا
واستراتيجية واضحة، ليشهد موسم 2025 التتويج التاريخي باللقب القاري لأول مرة، ويكمل
الفريق الثلاثية، مثبتًا أن التخطيط طويل الأمد والاستثمار المدروس قادران على تحويل
الطموحات إلى حقيقة على المستوى الأوروبي.
بيراميدز.. ألقاب بلا
جماهير
رغم النجاحات الكبيرة،
يواجه بيراميدز تحديا جماهيريا حقيقيا، إذ يفتقر النادي إلى قاعدة جماهيرية عريضة مقارنة
بالفرق الشعبية في مصر، وهو ما قد يؤثر على استمرارية النجاح على المدى الطويل، في
المقابل، يتمتع باريس سان جرمان بقاعدة جماهيرية كبيرة وبنية تحتية متطورة، ما يمنحه
أفضلية للحفاظ على مستواه القاري.
توظيف الإنفاق المالي
أكد الناقد الرياضي
والحكم الدولي السابق ناصر صادق أن الاستثمار المالي الكبير في كرة القدم ليس مشكلة
طالما تم توظيفه بشكل صحيح، وقال صادق: "أنا ضد دفع مبالغ ضخمة على لاعبين هنا
في مصر والدول العربية بدون مردود، لكن إذا كانت الأموال موجهة بشكل جيد وتوظفت للاعبين
الذين يستحقون، فهذا أمر طبيعي، لأن المال يتحول إلى باب البطولات".
وأضاف في تصريحات
خاصة لـ "
عربي21" أن الكثير من الأندية العربية صرفت ملايين على لاعبين دون
أي عائد حقيقي، مشيرًا إلى أن بيراميدز يختلف لأنه يسعى لبناء فريق متكامل وليس فقط
كما فعل في البداية من جلب أسماء كبيرة للعرض الإعلامي.
وأوضح الحكم
السابق أن بيراميدز نجح في أن يكون المنافس الأول على الدوري المصري، وأن الفريق كان
قريبًا من الفوز بالمركز الأول الموسم الماضي لولا بعض الأخطاء وهزائم وتعادلات في
نهاية الموسم.
وأشار صادق إلى أن
الإنفاق الكبير ليس سفهاً إذا تم توظيفه بشكل صحيح، كما يحدث في مانشستر سيتي وريال
مدريد وليفربول وباريس سان جرمان، فرق أنفقت كثيرًا وحققت بطولات، وفرق صرفت كثيرًا
ولم تحقق أي شيء. وأكد أن بيراميدز رغم صغر قاعدته الجماهيرية، استطاع الاعتماد على
جودة اللاعبين والمدرب الكرواتي كرونوسلاف يورتشيتش، الذي فهم طبيعة الدوري المصري
والبطولات الأفريقية ونجح في إدارة الفريق بشكل جيد، مؤكدًا أن الإدارة الصحيحة والاستثمار
المدروس هما مفتاح النجاح، بينما الفشل غالبًا يكون نتيجة سوء اختيار اللاعبين أو التوجه
نحو صفقات مضاربية بلا قيمة على أرض الملعب.
وأوضح صادق أن أسعار
اللاعبين في مصر ارتفعت مؤخرًا بسبب الصفقات الضخمة لبيراميدز وأندية أخرى، لكنه شدد
على أن المال وحده لا يكفي، بل يحتاج إلى تخطيط واستراتيجية واضحة لتحقيق النتائج،
فكلما استمر بهذا التخطيط سيستمر في الفوز بالبطولات.