مقالات مختارة

عـن جـائـزة نـوبـل

الأناضول
مرة أخرى، يظهر النقاش حول جائزة نوبل وبُعدها السياسي، خاصة بعد منح المعارِضة الفنزويلية ماريا متشادو الجائزة وهي التي صدرت عنها مواقف داعمة للإبادة في غزة في تناقض صريح مع أهداف الجائزة، كما كانت شبه المفارقة مثلاً الكشف عن أن الفائز بالآداب هذا العام الكاتب الهنغاري لازلو كراسناهوركاي كانت جذوره يهودية. لم يغب يوماً البعد والخيارات السياسية يوماً عن الجائزة التي شكل منحها دائماً انعكاساً لموقف سياسي واضح وصارخ. ومرة أخرى، كل هذا في تناقض لجوهر الجائزة وللأهداف المعلنة وراءها.

فيما يتعلق بجائزة السلام فإن العربي لا يستحق الجائزة إلا إذا كان قد عمل في حقل السلام أو أنجز اتفاقاً بالتعاون مع شخصية إسرائيلية وليس لمجرد مواقفه. فالمواقف ليست مهمة في الحالة العربية. فمثلاً، لا يمكن أن تكون سياسيا عربيا محبا للسلام وتسعى لتحقيقه إذا لم ينتج عن هذا اتفاق سلام منجز مع إسرائيل حتى تتقاسم الجائزة مع رئيس وزراء إسرائيل.

الرئيس المصري أنور السادات فاز بالجائزة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن بعد إنجاز اتفاق كامب ديفيد الذي وضع حداً للحرب بين البلدين، كذلك الرئيس الشهيد ياسر عرفات فاز بها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين بعد إنجاز اتفاق أوسلو رغم أن الاتفاق لم ينجز للفلسطينيين سلاماً ولا أمناً. بكلمة أخرى، حتى لو كان الرئيس السادات يريد السلام والرئيس عرفات يريد السلام ولم تكن هناك شخصية إسرائيلية مقابلة لهما تريد السلام وتنجزه بالاتفاق معهما فإنهما لم يكونا ليمنحا الجائزة.

الأساس هو الطرف الإسرائيلي. بمعنى، لم يكن الرئيسان المصري والفلسطيني ليحصلا عليها في أي حال دون وجود اتفاق سلام مع إسرائيل. فلو كان هناك مسؤول عربي يحب السلام في منطقة أخرى في العالم العربي، أو في أحد النزاعات المحلية فإنه لم يحصل على الجائزة لأن أي سلام في المنطقة لا يكون للتخفيف من الصراع الذي نتج تاريخاً عن الوجود الإسرائيلي في المنطقة فلن يكون سلاماً بأي معنى.

أيضاً، فيما يتعلق بجائزة نوبل للآدب فإن الأمر أكثر حيرة عربياً. فطوال اكثر من مائة عام حصل عليها كاتب عربي واحد فقط هو الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ. وروايات محفوظ التي شكلت ذاكرة القاهرة وقدمت المدينة العربية في قالب روائي ممتع أيضاً شكلت إضافة لفن الرواية العالمي. كان فوز محفوظ بالطبع مستحقاً لكن أيضاً الأدب العربي يستحق أكثر من التفاتة واحدة من الجائزة الدولية خاصة أنه أدب يقرؤه نصف مليار من سكان الكوكب وهو ما يشكل قرابة عشر سكان المعمورة ناهيك عن وجود مئات ملايين القراء المحتملين الآخرين من المسلمين الذين يتحدثون ويقرؤون العربية في آسيا وأفريقيا.

والغريب مثلاً أن الشعر العربي الذي يعد بل هو أقدم شعر يمكن للبشر أن يقرؤوه بصيغته التي كتب بها لم يلقَ أي التفاتة من الجائزة التي يبدو همها أبعد من الجانب الأدبي. الشعر العربي المكتوب من القرن الخامس الميلاد أي قبل قرابة 1600 سنة هو الشعر الوحيد في العالم الذي يمكن للناس قراءته بلغته التي كتب بها.

يمكن لسكان اليونان الحاليين أن يقرؤوا الأدب اليوناني ولكن مترجماً لليونانية المعاصرة، حتى أن الإنكليز المعاصرين لا يقرؤون كاتبهم القومي «تشوسر» من القرن الرابع عشر ولا حتى شكسبير إلا مترجماً للإنكليزية المعاصرة، كذلك فإن طالباً في الثانوية في روما لا يستطيع أن يقرأ دانتي برومانية دانتي بل يكون مرفقاً بمرادف للكلمات بالإيطالية الحديثة. فقط يمكن لطالب ثانوي في غزة أو بغداد أو القاهرة أن يقرأ امرأ القيس يقول، «مكر مفر مقبل مدبر معاً» ويفهمه تماماً. طبعاً، هناك بعض القصائد التي قد يحتاج المرء فيها إلى الاستعانة بالقاموس ولكن ليس لأن اللغة لم تعد موجودة بل لثرائها.

هذا الشعر بكل تاريخه واستمراريته لم يلقَ أي اهتمام من نوبل. ثار نقاش مثلاً طوال العامين الأخيرين حول عدم منحها لأدونيس ولكن النقاش الحقيقي كان يجب أن يظل لماذا لم يتم منح الجائزة لمحمود درويش وهو أرفع من قال الشعر العربي في القرن العشرين، وهذا لا ينتقص من شعراء عرب كبار في القرن العشرين مثل أحمد شوقي والجواهري وآخرين. ذات نهار في لندن، سألني أدونيس وذلك خلال مهرجان الشعر الدولي وكنا برفقة الراحل أمجد ناصر: هل تظن أن محمود درويش سيقبل أن يتم منحه نوبل مناصفة مع شاعر إسرائيلي؟ والإجابة كانت من أدونيس نفسه حين سألته أنا عن رأيه إذ قال: إن محمود لن يقبل.
منحها للجائزة ليس إلا للمساس بحكومة فنزويلا المناهضة للسياسات الأميركية والغربية في العالم

أيضاً، الرواية العربية التي قطعت شوطاً كبيراً تجاوزت خلاله الكثير من الروايات في العالم تظل واقفة مكانها دون أدنى اهتمام. تخيلوا اليابان فازت ثلاث مرات بنوبل عبر ياسوناري كاواباتا (1968)، وكينزابورو أوي (1994)، وكازو إيشيغورو (2017) وإن كان الأخير بريطاني الجنسية. وتخيلوا أيضاً أن كاتباً إسرائيلياً مغموراً عالمياً اسمه عجنون فاز بالجائزة العام 1966 من اجل احتفاء نوبل بالأدب العبري. طبعاً فوز السياسي البريطاني تشرشل العام 1953 بجائزة نوبل للآداب كان صاعقة أيضاً خاصة طريقة تبرير منحه الجائزة لكتاباته التاريخية وغير ذلك، فيما في حقيقة الأمر كان المنح احتفاء بدوره في الحرب العالمية الثانية، فتشرشل ككاتب متواضع وبسيط.

وبالعودة للفائزين فيها هذا العام، فإن المعارِضة الفنزويلية أعلنت جهاراً دعمها لحرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل بحق الفلسطينيين، ودعمت نتنياهو علناً فيما يقوم به.

ومنحها للجائزة ليس إلا للمساس بحكومة فنزويلا المناهضة للسياسات الأميركية والغربية في العالم. أمام الكاتب الهنغاري فإن الشيء الأكثر شهرة بعد منحه للجائزة هو كيف قام والده بتغيير اسم العائلة اليهودي وإخفاء هويتها اليهودية للتهرب من اضطهاد الشيوعيين بعد الحرب العالمية الثانية، وان الطفل الذي سيصبح كاتباً كبيراً لم يعرف أنه يهودي إلا وهو في الحادية عشرة من عمره، في استعادة لمظلومية اليهودية في أوروبا في وقت باتت أوروبا تصحو من احتلال عقلها من قبل الصهيونية. هل الأمر صدفة؟! بالطبع لا.

الأيام الفلسطينية