يتواصل
الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لليوم الثامن عشر، في ظل استمرار الخلافات السياسية بين الكونغرس والإدارة الأمريكية حول الموازنة العامة وتمويل البرامج الفيدرالية.
ووفقًا للقانون الجديد الخاص بـ"الإغلاق الحكومي"، سيسمح بتمويل الحكومة حتى 17 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، من دون أن يشمل ذلك مساعدات جديدة لأوكرانيا.
وقد أُقر القانون في مجلس الشيوخ بأغلبية 88 صوتا مقابل رفض تسعة أعضاء، وأصبح ساريًا بعد أن وقّعه الرئيس جو بايدن قبل دقائق فقط من الموعد النهائي لبدء الإغلاق.
طبيعة الإغلاق الحكومي
يُقصد بالإغلاق الحكومي فشل الكونغرس في إقرار التمويل السنوي للسنة المالية التي تبدأ في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، ما يؤدي إلى توقف بعض الخدمات الحكومية ومنح عدد كبير من الموظفين الفيدراليين إجازات بدون أجر.
ولا يعني الإغلاق توقف عمل جميع المؤسسات الفيدرالية، إذ يقتصر على الهيئات غير الضرورية، بينما تستمر الخدمات الأساسية مثل الأمن العام وإنفاذ القانون. وخلال هذه الفترة، التي تُعرف أيضًا باسم "الجمود المالي"، تُغلق المتاحف والحدائق وحدائق الحيوان الوطنية لكونها غير ضرورية في الموازنة الحكومية.
ويؤثر تجميد الإنفاق الحكومي بشكل خاص في الفترات الاقتصادية الصعبة، حيث تواجه الشركات صعوبة في الحصول على التمويل اللازم، ما يدفعها إلى خفض النفقات. كما تخسر الحكومة خلال الأزمات جزءًا من إيراداتها وتتعرض لضغوط لتقليل الضرائب.
وحذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني من أن استمرار الإغلاق سيؤثر سلبًا على تصنيف الولايات المتحدة الائتماني، بعد نحو شهر من قيام وكالة فيتش بخفض تصنيفها بسبب أزمة سقف الديون التي حُلت في اللحظات الأخيرة.
ويعتبر السبب المباشر للإغلاق هو فشل الكونغرس في تمرير التشريعات التمويلية اللازمة للسنة المالية، نتيجة خلافات سياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين حول مستويات الإنفاق، والمساعدات الأجنبية، ودعم الرعاية الصحية، الأمر الذي أجبر الحكومة على التوقف عن الإنفاق على ما يسمى "الهيئات غير الضرورية".
التبعات الاقتصادية والإدارية
سيبقى الموظفون العسكريون، البالغ عددهم نحو مليوني شخص، في مناصبهم، بينما سيتم منح نحو نصف الموظفين المدنيين في البنتاغون – وعددهم 800 ألف – إجازات مؤقتة. ورغم ذلك، سيستمر تمويل العقود المبرمة قبل الإغلاق، كما يمكن لوزارة الدفاع تقديم طلبات جديدة تتعلق بـالأمن القومي، لكنها لن تمول عقودًا جديدة أو تمديدات.
ووفقا لخطة الطوارئ لوزارة العدل الأمريكية لعام 2021، سيواصل موظفو مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وإدارة مكافحة المخدرات ووكالات إنفاذ القانون الفيدرالية عملهم، إضافة إلى موظفي السجون، إلا أن المساعدات الموجهة لأقسام الشرطة المحلية والمنح الفيدرالية قد تتأخر.
كما ستستمر وزارة الأمن الداخلي في تشغيل حرس الحدود ووكلاء الهجرة والجمارك والخدمة السرية وخفر السواحل، بينما سيُمنح إجازة لمعظم العاملين في لجنة التجارة الفيدرالية ونصف موظفي مكافحة الاحتكار.
وفي الجانب القضائي، تمتلك المحاكم الفيدرالية تمويلاً كافيًا لمواصلة عملها حتى 13 تشرين الأول/ أكتوبر، ثم ستُقلّص أنشطتها، في حين ستبقى المحكمة العليا مفتوحة. أما أعضاء الكونغرس الأمريكي، فسيواصلون تقاضي رواتبهم رغم توقف صرف رواتب معظم الموظفين الفيدراليين الآخرين.
وفي قطاع النقل، يبقى عمل فاحصي أمن المطارات ومراقبي الحركة الجوية ضروريًا، غير أن تغيب بعض الموظفين قد يؤدي إلى تعطيل الرحلات الجوية كما حدث في إغلاق عام 2019. ويتوقف كذلك تدريب المراقبين الجدد، بينما قد تتأخر مشاريع البنية التحتية الكبرى بسبب توقف المراجعات البيئية والتصاريح.
أما وزارة الخارجية الأمريكية، فستبقي السفارات والقنصليات مفتوحة بموجب خطة الإغلاق المعتمدة لعام 2022، مع تقليص السفر الرسمي والخطب والفعاليات غير الضرورية.
ذكرت صحيفة "ذا هيل" أن الإغلاق الذي تم تفاديه مؤخرًا كان سيكون الإغلاق رقم 22 خلال الخمسين عامًا الماضية، وغالبًا ما كانت هذه الإغلاقات نتيجة خلافات حول الموازنة الفيدرالية.
وشهدت فترة الرئاسة السابقة لدونالد
ترامب ثلاث حالات إغلاق، أطولها استمرت 35 يومًا من كانون الأول/ ديسمبر 2018 حتى كانون الثاني/ يناير 2019، وهي أطول فترة إغلاق في تاريخ الولايات المتحدة، وجاءت بسبب إصرار ترامب على تمويل جدار المكسيك الحدودي، وهو ما رفضه الديمقراطيون.
كما شهد عام 2018 إغلاقين آخرين قصيرين، أولهما استمر عدة ساعات بسبب اعتراض السيناتور الجمهوري راند بول على اتفاقية الميزانية، والثاني استمر ثلاثة أيام نتيجة رفض الديمقراطيين التصويت على الإنفاق قبل ضمان حماية الأطفال المهاجرين بموجب برنامج DACA.
أما في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2013، فقد حدث إغلاق استمر 17 يومًا بعد أن حاول الجمهوريون وقف تمويل برنامج الرعاية الصحية "أوباما كير".
وفي عهد بيل كلينتون، تكرر الإغلاق مرتين؛ الأول عام 1995 واستمر خمسة أيام بعد أن استخدم كلينتون حق النقض ضد قرار من الكونغرس الجمهوري، والثاني عام 1996 واستمر 21 يومًا بسبب خلاف حول ما إذا كان سيتم استخدام بيانات مكتب الميزانية بالكونغرس (CBO) أو مكتب الإدارة والميزانية في تقييم خطة البيت الأبيض المالية.
قرارات جديدة في ظل الإغلاق
قال راسل فوت، مدير مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، أمس الجمعة، إن إدارة ترامب قررت تجميد مشروعات بنية تحتية بقيمة 11 مليار دولار في الولايات الديمقراطية بسبب استمرار الإغلاق الحكومي.
وأوضح فوت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي سيوقف العمل مؤقتًا في مشروعات "ذات أولوية منخفضة" في مدن مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وبوسطن وبالتيمور، مشيرًا إلى أن هذه المشاريع قد تُلغى لاحقًا بشكل كامل.
وتشمل المشروعات المجمّدة 600 مليون دولار لتجديد جسرين اتحاديين متقادمين فوق قناة كيب كود في ولاية ماساتشوستس، يُستخدمان من قبل ملايين المسافرين سنويًا، وهو ما يجعل الإغلاق الحكومي الحالي من أكثر الأزمات تأثيرًا على الاقتصاد الأمريكي في السنوات الأخيرة.