قضايا وآراء

إنشاء مركز الإعلام الرقمي.. مهمة وطنية في زمن الفضاء المفتوح

"الإعلام الرقمي لم يعد خيارا ثانويا، بل هو الواجهة الأولى للدولة أمام العالم"
في زمنٍ أصبح فيه الخبر ينتقل أسرع من الضوء، والصورة تصنع الرأي العام قبل أن يتكلم أحد، لم يعد الإعلام التقليدي كافيا لحماية صورة الدولة أو التعبير عن صوتها الحقيقي. العالم اليوم يعيش داخل فضاء رقمي مفتوح، لا تحكمه جغرافيا ولا تقيّده حدود، ومن يملك الكلمة الرقمية يملك التأثير، وربما القرار أيضا.

من هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء مركز إعلام رقمي وطني، يعمل على إدارة الصورة الذهنية للدولة في هذا الفضاء، ويكون منارة للتواصل الذكي والمسؤول بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المحلي والعالمي.

الإعلام الرقمي.. ساحة النفوذ الجديدة

لم يعد الإعلام مجرد وسيلة نقل للأخبار، بل أصبح أداة نفوذ سياسي وثقافي واقتصادي. المعارك اليوم لا تُخاض بالسلاح فقط، بل تُخاض أيضا في ميادين الرأي والمحتوى والمعلومة.الخبر الواحد قادر على رفع دولة أو إسقاط أخرى، والصورة الواحدة قد تغيّر موقفا دوليا بأكمله.

تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء مركز إعلام رقمي وطني، يعمل على إدارة الصورة الذهنية للدولة في هذا الفضاء، ويكون منارة للتواصل الذكي والمسؤول بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المحلي والعالمي

لهذا السبب، فإن أي مؤسسة أو دولة لا تمتلك منظومة إعلام رقمي فعّالة، تُترك صورتها فريسة للتأويل، وربما للتشويه. إن مركز الإعلام الرقمي ليس ترفا إداريا، بل ضرورة سيادية تمس الأمن الإعلامي والوعي الجمعي على حد سواء.

الكوادر الوطنية.. الأساس الذي لا يُستورد

أحد أهم ركائز أي مركز إعلام رقمي ناجح هو الإنسان، لا التقنية.يمكنك شراء الأجهزة والبرمجيات، لكن لا يمكنك شراء الانتماء.لهذا يجب أن تكون مهمة بناء المركز وإدارته خالصـة لأبناء الوطن، أولئك الذين يعرفون تفاصيل لغته، ويفهمون نبض جمهوره، ويحمِلون في داخلهم قناعة أن الإعلام ليس وظيفة فقط، بل رسالة ومسؤولية.

نحن بحاجة إلى كوادر إعلامية وطنية مدرّبة على أحدث أدوات وتقنيات الإعلام الرقمي، قادرة على إنتاج خطاب وطني حديث، يتحدث بلغة العالم دون أن يفقد هويته، كوادر تعرف كيف تروي قصة بلدها للعالم، بأسلوب محترف، وبحقائق موثوقة، وبصوت صادق.

المركز.. أكثر من مؤسسة إعلامية

تصوروا مركزا يعمل كـ"غرفة عمليات رقمية وطنية" تعمل على مدار الساعة، يراقب ما يُكتب ويُنشر عن الدولة في الإعلام العالمي، يحلل التوجهات، يرد على الشائعات، ويوجه الخطاب الرقمي نحو سردية وطنية موحدة.

ليس الغرض من هذا المركز أن يكون آلة دعائية، بل أن يكون جسر تواصل حضاري بين الدولة ومواطنيها، وبينها وبين العالم. مركز يجمع بين التحليل، والتقنية، والإبداع، ليعيد تقديم هوية الوطن الرقمية بصورة حضارية، شفافة، وحديثة.

الإعلام كقوة ناعمة

في عالم اليوم، لم تعد القوة الصلبة وحدها كافية، فالدول التي تُحسن استخدام الإعلام، وتبني حضورا رقميا قويا، تحقق تأثيرا يتجاوز حدودها.

إننا بحاجة إلى أن نستثمر في القوة الناعمة الرقمية، فهي السلاح الأذكى والأكثر استدامة في معركة الوعي والهوية. الاستثمار في الإعلام الرقمي هو استثمار في صورة الدولة، وفي ثقة مواطنيها، وفي قدرتها على التأثير بدل التبرير.

أبناء الوطن أولا
نحن اليوم أمام فرصة حقيقية لبناء مشروع وطني جامع، يعيد صياغة العلاقة بين الإعلام والدولة والمجتمع، ويجعل من الكلمة أداة بناء لا هدم، ومن الصورة جسرا للتواصل لا سلاحا للخصومة

يجب أن تكون الأولوية المطلقة في بناء مركز الإعلام الرقمي لتدريب وتمكين الكفاءات السورية الشابة. هناك طاقات هائلة من الإعلاميين والمبرمجين والمبدعين السوريين داخل البلاد وخارجها، كل ما تحتاجه هو إطار وطني منظم يحتضنها ويوجهها نحو مشروع يخدم الوطن لا الأفراد.

لقد أثبتت التجارب أن الإعلام حين يُدار بعقول صادقة ومخلصة، يتحول إلى درع يحمي الدولة لا عبء عليها. ولذلك، فإن مهمة بناء مركز الإعلام الرقمي يجب أن تُدار بأيدٍ سورية خالصة، نية وتنفيذا وإدارة.

كلمة أخيرة

إن الإعلام الرقمي لم يعد خيارا ثانويا، بل هو الواجهة الأولى للدولة أمام العالم. إنشاء مركز إعلام رقمي وطني هو الخطوة الأولى نحو استعادة زمام المبادرة في الفضاء الرقمي، وبناء صورة تليق بتاريخ هذا البلد ومكانته.

نحن اليوم أمام فرصة حقيقية لبناء مشروع وطني جامع، يعيد صياغة العلاقة بين الإعلام والدولة والمجتمع، ويجعل من الكلمة أداة بناء لا هدم، ومن الصورة جسرا للتواصل لا سلاحا للخصومة.

الإعلام الحديث لا ينتظر أحدا، ومن لا يصنع روايته بنفسه، سيعيش داخل رواية الآخرين. ولذلك، فإن مركز الإعلام الرقمي ليس مشروعا إعلاميا فحسب، بل هو مشروع وطني بامتياز.