نشر موقع "
ريسبونسيبل ستيتكرافت" تقريرًا
يوضح أن كيفية تحول
الاحتلال الإسرائيلي إلى المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في
الشرق الأوسط، وهو ما بدأت بعض الدول الغربية تدركه بعد تصاعد جرائمه في غزة
وعزلته المتزايدة في الأمم المتحدة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن إسرائيل تمثل المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مشيرًا
إلى أن الغضب الدولي من سلوكها الدموي في قطاع غزة بلغ مستويات غير مسبوقة في
الأسابيع الأخيرة.
وذكر الموقع أن عددًا من الدول الغربية الكبرى، التي
كانت تمتنع سابقًا عن الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، استغلت افتتاح الدورة الحالية
للجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ هذه الخطوة. وكانت المظاهرات الشعبية المؤيدة
للفلسطينيين في الغرب لافتة في حجمها ووضوحها، فيما أظهرت استطلاعات الرأي تراجعًا
حادًا في دعم الرأي العام الأمريكي لإسرائيل.
وأشار الموقع إلى أن هذا الغضب الدولي يأتي ردًا على
تصعيد غير مسبوق في وحشية الهجمات الإسرائيلية ضد سكان غزة؛ حيث أدى الهجوم
العسكري على مدينة غزة إلى تحويل ما تبقى منها إلى أنقاض، وأجبر السكان على
الاختيار بين الموت أو النزوح إلى مناطق أخرى غير آمنة داخل القطاع. ونتيجة
للهجمات المسلحة وسياسة التجويع، ارتفع عدد الضحايا إلى ما يُرجّح أنه أضعاف الرقم
الرسمي المعلن البالغ نحو 65 ألف شهيد.
وأوضح الموقع أن الاعتراف الدبلوماسي بفلسطين من قبل
حكومات غربية لم ينجح في دفع إسرائيل إلى تغيير سلوكها، بل قوبل بانتقادات بعض
الفلسطينيين الذين يرون أن هذه الخطوة لا تخفف من المعاناة اليومية. فاللغة
الوحيدة التي تفهمها إسرائيل هي لغة القوة والإكراه، وليس المواقف الدبلوماسية أو
الاحتجاجات الشعبية.
وأفاد الموقع بأن الرد الإسرائيلي اتسم بالتحدي
والتهديد بارتكاب المزيد من الانتهاكات؛ حيث دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي
المتطرف إيتمار بن غفير إلى جعل ضم الضفة الغربية الرد الرئيسي على الاعتراف
الغربي بفلسطين.
وأضاف الموقع أن غالبية الإسرائيليين، وليس فقط
الحكومة أو المتطرفين فيها، يرون أن الضغط الدولي مجرد دليل آخر على التحيز ضدهم،
ويؤيدون استخدام القوة لحماية أنفسهم. وتُظهر استطلاعات الرأي أن معظم
الإسرائيليين يعتقدون أنه "لا يوجد أبرياء" في غزة، ويؤيدون طرد سكانها.
وبالتالي، فإن أي نداء أخلاقي لن يجد صدى لدى حكومة تستمد شرعيتها من هذا الرأي
العام، ولن تغير إسرائيل سياساتها إلا إذا واجهت تكاليف وعواقب ملموسة.
وخلص الموقع إلى أن التفكير داخل الأنظمة العربية
بلغ نقطة تحول بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر في أيلول/ سبتمبر، في محاولة فاشلة
لاغتيال قيادات من حماس المشاركين في المفاوضات المتعلقة بغزة، وهو ما شكّل صدمة
لتلك الأنظمة.
وذكر الموقع أن هذا الهجوم جاء ضمن سلسلة من
الاعتداءات الإسرائيلية على دول أخرى في المنطقة، منها لبنان وسوريا واليمن
وإيران، إلى جانب المجازر في فلسطين. ورغم أن هذه الدول كانت أهدافًا للهجمات
الإسرائيلية منذ سنوات، لكن ما زاد من وقع الصدمة هو تزامن بعض هذه الهجمات خلال
الشهر الماضي.
وقال الموقع إن الهجوم على قطر كشف للحكومات العربية
أن إسرائيل لا تزعزع استقرار المنطقة فحسب، بل قد تستهدف أي دولة منها. ولم تحمِ
العلاقات الأمنية بين قطر والولايات المتحدة، التي تحتفظ بوجود عسكري كبير في
قاعدة العديد، الدولة الخليجية من العدوان الإسرائيلي. ورغم علامات الإرهاق التي
تبديها بعض الحكومات العربية تجاه القضية الفلسطينية، فإنها تبدي قلقًا بالغًا من
احتمال تعرض أراضيها لهجمات مماثلة.
وأضاف الموقع أن قلق مصر، التي وقّعت أول اتفاق سلام
عربي مع إسرائيل، بلغ حدًا دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى وصف إسرائيل
بـ"العدو" خلال قمة عربية طارئة عقب الهجوم على قطر. ومثل قطر، لعبت مصر
دور الوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار، ما يجعلها عرضة لاستهداف إسرائيلي لقيادات
حماس، حتى المشاركين في جهود السلام. كما تخشى مصر من تداعيات التطهير العرقي
الإسرائيلي في غزة على أمنها القومي، فيما تخشى الأردن من أن تؤدي السياسات
الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى دفع الفلسطينيين شرقًا، ما يهدد استقرارها
الداخلي الهش.
ولفت الموقع إلى أن هذه التطورات أوقفت، مؤقتًا على
الأقل، مسار اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، والتي شملت البحرين
والمغرب والإمارات خلال ولاية الرئيس ترامب الأولى. وقد تشهد بعض الدول الموقعة
تراجعًا في التعاون، إذ حذّرت الإمارات من أن ضم الضفة الغربية سيتجاوز "الخط
الأحمر".
وأوضح الموقع أن هذه التطورات تُسهم في تفنيد الفكرة
السائدة في الولايات المتحدة بأن تعزيز العلاقات مع إسرائيل، عبر ما يُعرف
بـ"اتفاقات إبراهيم"، يمثل تقدمًا نحو السلام. بل على العكس، فإن هذه
الاتفاقات تُستخدم كبديل للسلام الحقيقي مع الفلسطينيين، وتمنح إسرائيل علاقات
كاملة مع جيرانها الإقليميين بينما تواصل احتلالها وقمعها. كما تُوظف هذه الاتفاقات
في بنائ تحالف ضد إيران، ما يزيد من حدة التوتر في الخليج.
ومن الآثار المترتبة على ذلك بالنسبة للولايات
المتحدة أنها يجب أن تتخلى عن هوسها، الذي ميّز إدارتي ترامب وبايدن، بالسعي إلى
مزيد من اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والحكومات العربية، إذ لا تُسهم هذه
الاتفاقات في تعزيز السلام أو الأمن في الشرق الأوسط، ولا تخدم المصالح الأمريكية
الأخرى.
وتابع الموقع أن هناك تداعيات أخرى تنبع من تراجع
قيمة التعاون الأمني بين العرب والولايات المتحدة، وقد بدأ هذا التراجع منذ عام
2019 حين لم ترد واشنطن على الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية، والذي جاء
ردًا على سياسة "الضغط الأقصى" التي تبنتها إدارة ترامب. وقد زاد الهجوم
الإسرائيلي على قطر، التي كانت تعتمد ضمنيًا على الحماية الأمريكية، من شكوك العرب
في جدوى هذا التعاون، ما قد يدفع واشنطن إلى الاستعداد لتقليص وجودها العسكري في
المنطقة.
ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تتراجع احتمالات
توقيع اتفاق أمني جديد بين الولايات المتحدة والدول العربية، كما سعت إدارة بايدن
مع السعودية، إذ يقلل من خطر تورطها في صراعات لا تخصها. ولكن حادثة قطر تُظهر أن
حتى الضمانات الضمنية تنطوي على مخاطر. ومع استعداد إسرائيل لتكرار مثل هذه
الهجمات في أي مكان بالمنطقة، فقد تجد الولايات المتحدة، بحكم ارتباطها الوثيق
بإسرائيل، نفسها مجددًا في موقف حرج.
واختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أن الولايات
المتحدة تحتاج إلى تجاوز خطابها التقليدي الذي يصوّر إيران كمصدر رئيسي لعدم
الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن تعيد تقييم علاقتها مع الدولة التي أشعلت حروبًا
أكثر، وهاجمت دولًا أكثر، وتسببت في مقتل مدنيين أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة.