دخلت
العلاقات الفرنسية ـ
المالية مرحلة
جديدة من
التوتر الحاد، بعد أن أعلنت باريس، اليوم الجمعة، تعليق تعاونها العسكري
والأمني مع باماكو في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك عقب توقيف السلطات المالية موظفاً
في السفارة الفرنسية واتهامه بالتنسيق مع أطراف أجنبية في "مؤامرة انقلابية".
وزارة الخارجية الفرنسية سارعت إلى رفض
الاتهامات ووصفتها بأنها "عديمة الأساس" وتنتهك الأعراف الدولية، معتبرة
أن ما جرى يمثل "تصعيداً خطيراً وغير مبرر". وردّت باريس بإبعاد عدد من
الدبلوماسيين الماليين من أراضيها، تطبيقاً لمبدأ "المعاملة بالمثل".
خلفية التوتر
العلاقات بين البلدين تشهد انحداراً
متواصلاً منذ الانقلابين العسكريين في مالي عامي 2020 و2021، بقيادة الكولونيل
أسيـمي غويتا. منذ ذلك الوقت، دخلت باماكو وباريس في مسار قطيعة تدريجية، بلغ
ذروته مع انسحاب القوات الفرنسية من الأراضي المالية بعد إنهاء "عملية
باركهان" في منطقة الساحل.
وكان التدخل الفرنسي قد بدأ عام 2013 عبر
"عملية سيرفال"، رداً على تمدد الجماعات المسلحة في شمال مالي وتهديدها
العاصمة باماكو. لاحقاً، توسعت العملية إلى إطار إقليمي أوسع تحت اسم
"باركهان" بمشاركة آلاف الجنود الفرنسيين، وبدعم من الاتحاد الأوروبي
والأمم المتحدة، بهدف مواجهة تنظيمات مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة.
غير أن استمرار انعدام الاستقرار الأمني،
وارتفاع الانتقادات الشعبية ضد الوجود الفرنسي، إلى جانب الانقلابات المتكررة، قاد
إلى أزمة ثقة متفاقمة. واعتبر المجلس العسكري في باماكو أن باريس فشلت في تحقيق
الأمن، بينما رأت
فرنسا أن شركاءها الجدد في مالي، ولا سيما روسيا عبر مجموعة
"فاغنر"، يعمّقون الفوضى بدل معالجتها.
المسار الحالي للأزمة
مالي طالبت مراراً بإعادة النظر في
الاتفاقيات الدفاعية الموقّعة مع باريس، مؤكدة أن "السيادة الوطنية"
تقتضي التخلص من أي ترتيبات تُبقيها تحت النفوذ الفرنسي. في المقابل، شددت باريس
على أن أي تعاون عسكري أو أمني مستقبلي سيكون مشروطاً بالعودة إلى الحكم المدني،
وتقديم ضمانات سياسية من السلطة الانتقالية.
الخطوة الأخيرة بتوقيف موظف السفارة
الفرنسية، وما تبعها من قرارات متبادلة بطرد دبلوماسيين وتعليق التعاون العسكري،
تعكس وصول العلاقات إلى مستوى غير مسبوق من القطيعة، وهو ما يثير تساؤلات حول
مستقبل الشراكة بين الجانبين.
تداعيات إقليمية ودولية
الأزمة الراهنة قد تدفع مالي أكثر نحو تعميق
تعاونها العسكري مع روسيا، خاصة مع توسع نفوذ موسكو في منطقة الساحل عقب تراجع
الدور الفرنسي. كما يثير غياب التعاون الفرنسي ـ المالي مخاوف من فراغ أمني قد
تستفيد منه الجماعات المسلحة النشطة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وبينما تحاول باريس إعادة تموضع
استراتيجيتها في غرب أفريقيا، تبدو باماكو ماضية في مسار جديد يقطع مع إرث ما بعد
الاستعمار، مستندة إلى خطاب السيادة الوطنية والانفتاح على شركاء بدائل. لكن
الثمن، قد يكون ارتفاع كلفة المواجهة الأمنية الداخلية، وتعقيد التوازنات
الإقليمية في واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة.