سياسة دولية

هل يغيّر هجوم موسكو على مبنى الحكومة الأوكرانية مسار الحرب؟

ضربة روسيا لكييف حوّلت الحرب من الجبهات إلى قلب الدولة- جيتي
شنّت روسيا، في 7 أيلول/سبتمبر 2025، أعنف هجوم جوي منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وأكدت السلطات الأوكرانية أن أكثر من 800 طائرة مسيّرة و13 صاروخا أُطلقت على مناطق مختلفة، بينها العاصمة كييف التي شهدت استهداف مبنى مجلس الوزراء لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وأسفر الهجوم عن مقتل أربعة مدنيين بينهم أم ورضيعها، فيما أصيب العشرات، واندلعت حرائق في قلب العاصمة.

ولا يقتصر الحدث على كونه ضربة عسكرية واسعة النطاق، بل يمثل نقطة تحوّل في طبيعة الحرب، إذ إن استهداف مبنى حكومي في قلب كييف للمرة الأولى يعكس انتقال الصراع من ساحات القتال إلى مؤسسات الدولة مباشرة، ومن هنا برزت تساؤلات حول أهداف موسكو، وردود الفعل الغربية المنتظرة، والخيارات التي قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة.

دلالات الاستهداف 
وبحسب "فايننشال تايمز" فإن استهداف مبنى حكومي بهذا الحجم يمثل تصعيدا ذا دلالات سياسية بقدر ما هو عسكري، وتشير تقارير للغارديان  إلى أن موسكو تسعى إلى توجيه رسالة رمزية مفادها أنها قادرة على شل المؤسسات السياسية في أوكرانيا، فضلا عن اختبار جاهزية الدفاعات الجوية الأوكرانية.

التداعيات الإنسانية والسياسية
وأعاد سقوط الضحايا المدنيين ملف استهداف البنية التحتية المدنية إلى الواجهة، فقد وصف الرئيس فولوديمير زيلينسكي الهجوم بأنه "جريمة متعمدة تؤخر أي فرص دبلوماسية"، فيما أكدت رئيسة الوزراء يوليا سفيردينكو أن ما جرى يثبت حاجة كييف إلى مزيد من أنظمة الدفاع الجوي.

ردود الفعل الدولية
على جانب آخر، لمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الانتقال نحو "المرحلة الثانية" من العقوبات ضد روسيا، مع تركيز متوقع على قطاع الطاقة، فيما ذكرت صحيفة نيويورك بوست أن الإدارة الأمريكية تدرس رفع الرسوم الجمركية على واردات النفط الروسية إلى مستويات قد تصل إلى 50% بالنسبة لدول مثل الهند.

وفي الاتحاد الأوروبي، بدأت مناقشات لإقرار الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات على موسكو، وتشمل قطاعات الطاقة والشركات المرتبطة بالصناعات الدفاعية، وأكد دبلوماسيون أوروبيون بعد زيارة موقع مبنى الوزراء أن الهجوم تم بصاروخ "إسكندر" محمّل بذخائر عنقودية، في خرق جديد للقانون الدولي.

الخلفية العسكرية والتصعيد المستمر
وتصاعد وتيرة الهجمات الروسية لم يكن مفاجئا، بحسب تقارير لمراكز دراسات غربية، منها منصة "الحرب بين الصخور" التي أوضحت أن موسكو أطلقت أكثر من 4200 طائرة مسيّرة خلال آب/أغسطس وحده، ما يجعل كييف في مواجهة ضغط استنزافي متواصل.

ويرى محللون لصحيفة "التايمز البريطانية" أن روسيا تعتمد على كثافة الطائرات المسيّرة زهيدة التكلفة لإجبار أوكرانيا على استخدام صواريخ باهظة الثمن لاعتراضها، وهو ما يرهق ترسانتها الدفاعية.

انعكاسات الهجوم
ولفتت فايننشال تايمز إلى أن "الضربة تحمل رسالة رمزية بقدر ما هي عسكرية، لإظهار قدرة روسيا على شل المؤسسات السياسية في كييف".

وأوضح خبير في منصة "الحرب بين الصخور" الأمريكية، أن "الهجوم لن يمنح روسيا تفوقا فوريا، لكنه يفرض على الغرب تسريع تسليم أنظمة دفاع جوي وصواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا".

في ذات الوقت، قال مسؤول أمريكي لرويترز إن "الولايات المتحدة تنسق مع شركائها الأوروبيين لاتخاذ إجراءات اقتصادية إضافية، قد تشمل فرض رسوم على واردات النفط الروسي".

الانعكاسات الداخلية في أوكرانيا
وبحسب "واشنطن بوست"، فقد أشار محللون إلى أن الضربة عززت وحدة الداخل الأوكراني رغم خسائرها، إذ وُصفت بأنها دليل على تصميم موسكو على استهداف الدولة وليس الجبهة فقط. الصور القادمة من كييف لمبنى حكومي يحترق استُخدمت في الإعلام الروسي للدلالة على هشاشة الدولة الأوكرانية، لكنها في المقابل دفعت الأوكرانيين لمزيد من الالتفاف حول القيادة.

السيناريوهات المحتملة
وأثار الهجوم الروسي على مبنى مجلس الوزراء في كييف تساؤلات عديدة حول المسار الذي قد تتخذه الحرب في المرحلة المقبلة. ومع أن الضربة وُصفت بأنها الأعنف منذ بداية الغزو، فإنها لم تُفسَّر على أنها خطوة نهائية بقدر ما هي مؤشر على تصعيد متواصل.

مواصلة استهداف المراكز الحساسة
وذكر محللون لصحيفة فايننشال تايمز أن "موسكو قد تواصل استهداف مؤسسات سيادية لزيادة الضغط على القيادة الأوكرانية"، موضحين أن استهداف مبنى مجلس الوزراء قد يكون بداية لمرحلة جديدة من الحرب يُوجَّه فيها التركيز نحو الرموز السياسية والإدارية في كييف، وليس فقط البنية التحتية العسكرية أو الطاقية.

وأشاروا إلى أن هذا النمط من الضربات يهدف إلى تقويض ثقة المواطنين في قدرة دولتهم على حماية المؤسسات السيادية، وإظهار أن الحرب لم تعد محصورة في الجبهات الشرقية بل وصلت إلى قلب العاصمة.

رد غربي بتسليح متقدم
وعززت طبيعة الضربة الروسية، التي استهدفت مبنى سيادياً في قلب العاصمة، قناعة العواصم الغربية بأن أوكرانيا بحاجة إلى مظلة دفاعية أوسع وأكثر تطوراً لحماية مراكزها السياسية والإدارية، وليس فقط مواقعها العسكرية.

ويدفع هذا التحول قد الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى إعادة ترتيب أولويات الدعم العسكري، بحيث يصبح تعزيز الدفاع الجوي في كييف والمدن الكبرى هدفاً أساسياً خلال الفترة المقبلة.

تصعيد اقتصادي ودبلوماسي
دبلوماسي أوروبي أبلغ نيويورك بوست أن "الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات قد تكون الأشد إيلاماً لموسكو، وإذا شملت النفط والغاز فستؤثر بشكل مباشر على تمويل الحرب".

هجوم 7 أيلول/سبتمبر 2025 لم يكن مجرد عملية عسكرية إضافية، بل محطة فارقة في الحرب، فهو من جهة يكشف قدرة موسكو على ضرب رموز سيادية في قلب العاصمة الأوكرانية، ومن جهة أخرى يدفع الغرب إلى إعادة النظر في مستوى ونوعية دعمه لكييف.

وتتراوح السيناريوهات المقبلة بين تصعيد عسكري مفتوح، وزيادة غير مسبوقة في الدعم الغربي، وعقوبات اقتصادية مشددة، فيما تبقى احتمالات التفاوض بعيدة مع تمسك كل طرف بموقفه، حيث دخلت الحرب مرحلة أكثر خطورة، حيث لم يعد الاستهداف مقتصرا على الجبهات بل طال مؤسسات الدولة نفسها.