أثار إعلان الرئيس
الأمريكي دونالد
ترامب عزمه تقييد التصويت عبر البريد وحصره في فئات محدودة جدلاً
واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية بالولايات المتحدة، خاصة وأن القرار يأتي
في ظل سعي ترامب المستمر وتصريحاته التي طالما تحدثت فيها عن تعديل النظام الانتخابي
بشكل يعزز حظوظه وحظوظ حزبه الجمهوري.
ويزداد الجدل حول
تصريحاته التي تأتي بالتزامن مع محاولات ترامب المتكررة للترويج لفكرة حصوله على ولاية
ثالثة لحكم أمريكا، رغم ما يفرضه الدستور من قيود صارمة تمنع أي رئيس من تولي
المنصب لأكثر من فترتين.
أعلن ترامب
عزمه اصدار أمر تنفيذا للحد من هذا النوع من التصويت وجعله متاحا فقط للعسكريين في الخدمة خارج البلاد،
أو للناخبين الذين يعانون أمراضا شديدة، وذلك عبر أمر تنفيذي سيلزم كل ناخب بإبراز
بطاقة هوية عند الإدلاء بصوته.
الحد من التصويت عبر
البريد.. خطوة مثيرة للجدل
ويرى الرئيس الأمريكي
أن التصويت عبر البريد، وكذلك التصويت الإلكتروني، يتيح فرصا للتزوير على نطاق واسع،
رغم أن جميع الولايات الأمريكية تعتمد إجراءات صارمة للتحقق من صحة الأصوات.
وتسمح بعض الولايات
للناخبين بطلب بطاقات اقتراع عبر البريد، وإرسالها مرة أخرى عبر البريد أو وضعها في
صناديق مخصصة، بينما يمكن لشخص آخر إعادة بطاقة الاقتراع نيابة عن الناخب في حالات
محددة، وهو ما أثار اعتراض الجمهوريين الذين يعتبرونه فرصة للتلاعب بالنتائج لصالح
الديمقراطيين.
وقال ترامب إن
"الهوية يجب أن تكون جزءا من كل عملية انتخاب، وسأصدر أمرا تنفيذيا لهذا الغرض،
لن يكون هناك تصويت عبر البريد إلا للمرضى العسكريين"، مؤكداً أن هذه الإجراءات
تهدف إلى ضمان نزاهة الانتخابات وحماية الديمقراطية، على حد قوله.
التصويت الإلكتروني
مقابل الورقي
ويتيح النظام الانتخابي
الأمريكي التصويت عبر الإنترنت أو باستخدام أجهزة إلكترونية في مراكز الاقتراع، فيما
يعتبر المسؤولون الانتخابيون أن هذه الطرق تساعد على تسريع فرز الأصوات وزيادة دقة
النتائج، بالإضافة إلى تقليل التكلفة والجهد على الناخبين، ومع ذلك، يرى الجمهوريون
أن هذه الطرق تسهل التزوير، خصوصاً من قبل غير المواطنين، ويمثل تهديداً لنتائج الانتخابات.
التأثير المحتمل على
الانتخابات النصفية 2026
وتستعد الولايات المتحدة
للانتخابات النصفية في تشرين الثاني / نوفمبر 2026، حيث يسعى الديمقراطيون لاستعادة
السيطرة على الكونغرس، في حين يحاول ترامب تقليص فرصهم عبر فرض قيود على التصويت ورفع
متطلبات إثبات الهوية، إضافة إلى ضغوط على الولايات لإعادة رسم دوائرها الانتخابية
ونشر قوات الحرس الوطني، بما يضمن فوز مرشحين جمهوريين.
الحد من مشاركة
السود والأقليات
وفي تعليق على هذه
الخطوة، قال المختص في الشأن الأمريكي خالد الترعاني، إن الجمهوريين على مدار
التاريخ يسعون للحد من مشاركة الأقليات، بما في ذلك السود واللاتينيين، في الانتخابات
الأمريكية، كجزء من جهودهم لتعزيز فرص الفوز في الولايات التي تشهد منافسة قوية.
وأضاف الترعاني في تصريحات خاصة لـ "
عربي21" أن
أي قرار للحد من التصويت عبر البريد سيؤثر على نسبة المشاركة، وخاصة بين الناخبين السود،
مما قد يقلل من خسارة الجمهوريين في بعض الولايات الحاسمة والمتأرجحة ويعزز فرصهم في
الحفاظ على الأغلبية في الكونغرس.
وأوضح أن هذا يشمل
أيضا إعادة رسم الدوائر الانتخابية لضمان السيطرة على مقاعد حاسمة، مشيرا إلى مثال
ولاية تكساس، حيث تم تعديل بعض الدوائر التي كان فيها منافسون أقوياء يمثلون عقبة أمام
الجمهوريين ومرشحون مزعجون لإدارة ترامب.
وأشار الترعاني إلى
أن هذه الإجراءات تشكل جزءاً من "منظومة متكاملة وتكيتك للحفاظ على الأغلبية"،
مضيفاً أن الديمقراطيين يتبعون استراتيجيات مماثلة أثناء فترات حكمهم، لكن بطريقة معاكسة
لتعزيز نفوذهم في الكونغرس والمجالس المحلية فهذا الأمر ليس حكرا على الديمقراطيين.
هل ينجح القرار في
تولي ترامب لولاية ثالثة؟
وفي سياق متصل، شدد
الترعاني على أن حلم ترامب بالحصول على ولاية ثالثة مقبولا كحلم له ولكنه يعد حلم مستحيل
دستوريا، نظراً للبند 22 الذي في الدستور الأمريكي الذي يمنع أي شخص من تولي الرئاسة
لأكثر من فترتين، ولا يمكن تعديله إلا بموافقة ثلثي المجلس، وهو إجراء معقد للغاية.
وأوضح الترعاني أن
استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت دعم نحو 40 بالمئة من الأمريكيين لفكرة ولاية ثالثة،
لا تعكس تصويتا رسميا، بل مجرد مؤشر للرأي العام، وهو غير كاف لتنفيذ أي تعديل دستوري،
كما أنه رقم ليس كبيرا نظرا لنسبة مؤيدي ترامب التي فاز بها في الانتخابات
الرئاسية بـ 50 بالمئة.
التاريخ السياسي واتهامات
"سرقة الانتخابات"
ومنذ خسارته انتخابات
2020، يواصل ترامب الترويج لفكرة أن الانتخابات سرقت منه بسبب "نظام انتخابي فاسد"،
ويصف التصويت عبر البريد بأنه أداة أساسية ساهمت في خسارته لصالح جو بايدن، ويؤكد ترامب
في كل مناسبة على عزمه تصحيح ما يعتبره اختلالاً في النظام الانتخابي، محاولاً وضع
قيود على التصويت الإلكتروني واستخدام بطاقات الاقتراع الورقية فقط، مع فرز يدوي للأصوات.
ردود فعل منظمات حقوقية
ومراكز بحثية
وبحسب تقرير لمركز
برينان للعدالة صدر في آب / أغسطس، فإن إدارة ترامب تعمل على تقويض نزاهة الانتخابات
من خلال تدخل السلطة التنفيذية في العملية الانتخابية بشكل غير مسبوق، بما يشمل محاولة
الحصول على لوائح الناخبين ووثائق انتخابية من الولايات، بالإضافة إلى ترهيب المسؤولين
الانتخابيين. وذكرت كاتبة التقرير جاسلين سينغ أن هذه الإجراءات تهدد دور المسؤولين
في مكافحة التمييز العرقي الانتخابي، وقد تؤدي إلى تقليص مشاركة الأقليات في التصويت.
ويشير التقرير إلى
أن هذه السياسات بدأت منذ اليوم الأول لعودة ترامب، بما في ذلك محاولاته لاستعادة السيطرة
على آلات التصويت الإلكترونية خلال انتخابات 2020، والتدخل في الإدارة الفيدرالية لضمان
جمع وثائق انتخابية مهمة، وهو ما يعكس استراتيجية شاملة لتقليص مشاركة بعض فئات الناخبين
وضمان نتائج انتخابات أكثر ملاءمة لأهداف الحزب الجمهوري.