كشفت صحيفة "
وول ستريت جورنال" الأمريكية، عن بدء
مصر في
تدريب مئات من الفلسطينيين، أغلبهم من عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، تمهيدًا لإنشاء قوة أمنية يصل قوامها إلى نحو عشرة آلاف عنصر، لتولّي مهمة إدارة قطاع
غزة في مرحلة ما بعد الحرب.
وقالت الصحيفة، في تقرير موسّع نشرته الأربعاء، إنّ: "متدربين فلسطينيين بدأوا بالفعل تلقّي تدريبات أمنية في الأكاديميات العسكرية المصرية، على أن يتوسع البرنامج لاحقًا ليشمل آلاف العناصر، معظمهم من أجهزة أمن السلطة بالضفة الغربية، إضافة إلى بعض المنتسبين من حركة "فتح" في غزة".
وأوضحت أنّ: "الخطة تنصّ على إرسال قوة أولية قوامها خمسة آلاف عنصر إلى مصر فور إعلان وقف إطلاق النار، ليخضعوا لدورة تدريبية تستمر ستة أشهر، قبل الدفع بهم إلى غزة لإدارة الملف الأمني هناك".
دعم عربي وتمويل دولي
بحسب تصريحات نقلتها الصحيفة عن كبير مستشاري رئيس
السلطة الفلسطينية محمود عباس، محمود الهباش، فإنّ: "التمويل اللازم لتدريب هذه القوة الأمنية سيأتي من المجتمع الدولي، في إطار خطة أوسع لإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية ومنحها دورًا رئيسيًا في إدارة القطاع بعد الحرب"، مردفا: "من دون السلطة، سيكون المشهد بين خيارين لا ثالث لهما: إما
حماس أو الفوضى".
وأشار التقرير إلى أنّ: "عدة دول عربية أبدت استعدادها لدعم هذا التوجه، إذ ستساهم مصر بالنصيب الأكبر من هذه القوة الأمنية، إلى جانب أعداد أقل من الأردن وبعض دول الخليج، بينما تواصل الإمارات الضغط من أجل إدخال إصلاحات جوهرية على السلطة الفلسطينية قبل منحها أي تفويض لإدارة غزة".
إلى ذلك، لفتت "وول ستريت جورنال" إلى أنّ: "هذه الخطط تأتي بعد أن اتخذت جامعة الدول العربية، في تموز/ يوليو الماضي، موقفًا غير مسبوق حين دعت بشكل علني حماس إلى تسليم سلاحها وإنهاء حكمها للقطاع، ما عكس تحولا ملحوظًا في الموقف العربي الرسمي من الحركة".
عقبة إسرائيلية
رغم الحراك العربي والدولي، تؤكد الصحيفة أنّ: "العقبة الأبرز أمام هذا المشروع تكمن في الموقف الإسرائيلي الرافض بشكل قاطع لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. فقد أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مرارًا أن السلطة "شريك في الإرهاب" ولا تختلف كثيرًا عن حماس، رغم استمرار التنسيق الأمني معها في الضفة الغربية".
ونقلت الصحيفة عن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، أمير أفيفي، قوله إنّ: "الإسرائيليين لن يقبلوا بوجود قوات تابعة للسلطة في غزة"، مضيفًا أنّ: "التصور الإسرائيلي هو أن تتولى جهات محلية غير مرتبطة لا بالسلطة ولا بحماس إدارة الشؤون اليومية في القطاع، على أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية العليا".
وأشارت الصحيفة إلى أنّ: "رفض تل أبيب لهذا السيناريو يضعها في مواجهة مباشرة مع الدول العربية التي تصر على دور السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، بما في ذلك مصر والسعودية والإمارات".
أزمة شرعية داخلية
إلى جانب المعارضة الإسرائيلية، تواجه الخطة تحديًا آخر يتمثل في أزمة الشرعية التي تعانيها السلطة الفلسطينية نفسها. فبحسب استطلاع رأي أجراه مركز البحوث الفلسطيني بقيادة خليل الشقاقي في أيار/ مايو الماضي، فإنّ: "81 بالمئة من الفلسطينيين يطالبون الرئيس محمود عباس بالاستقالة، في ظل اتهامات واسعة بالفساد والتنسيق الأمني مع الاحتلال".
في المقابل، رفضت حركة حماس خطة مماثلة عُرضت عليها الأسبوع الماضي من مصر وقطر، تقوم على إنشاء قوة أمنية دولية أغلب عناصرها من العرب، بما في ذلك قوات من السلطة الفلسطينية. وأكدت الحركة تمسكها بطرح آخر تضمن وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار مدته 60 يومًا، مقابل الإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين، في مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين.
لكن الاحتلال الإسرائيلي، بحسب المتحدث باسم الخارجية القطرية، لم ترد بجدية على مقترح الحركة، فيما قال: "الكرة الآن في ملعب إسرائيل التي تبدو غير راغبة في التوصل لاتفاق".
وترى "وول ستريت جورنال" أنّ: "تعثر المفاوضات يعكس عمق الأزمة، فإسرائيل تصر على صفقة شاملة تُنهي الوجود العسكري والسياسي لحماس في غزة وتضمن تحرير جميع الأسرى، دفعة واحدة، بينما ترفض الحركة التخلي عن السيطرة الكاملة وتتمسك بموقعها كلاعب رئيسي في أي تسوية مستقبلية". ويذكر أن حماس عرضت إطلاق سراح جميع الأسرى مقابل وقف الحرب وإنهاء الاحتلال وفتح المعابر٬ وهو ما رفضه الاحتلال.
حسابات واشنطن
بينما يتشكل هذا المشهد الذي يوصف بـ"المعقّد"، تشير الصحيفة إلى أنّ: "العامل الحاسم يبقى الموقف الأمريكي، إذ يرى محللون أن واشنطن هي الطرف الوحيد القادر على الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للقبول بعودة السلطة إلى غزة". ونقلت عن الباحث حسين إيبش من معهد دول الخليج في واشنطن قوله: "إذا لم يفرض الأمريكيون الأمر على الإسرائيليين، فما الجدوى من كل هذه الخطط؟".
كما تؤكد الصحيفة أنّ: "الإدارة الأمريكية تجد نفسها أمام معادلة صعبة: فمن جهة، لا ترغب في انهيار كامل لحركة حماس خوفًا من الفراغ الأمني، ومن جهة أخرى، تريد تمكين السلطة الفلسطينية كي تشكل بديلاً مقبولًا، وهو ما يتطلب إصلاحات عميقة وضمانات قوية".
ورغم هذه التحركات السياسية والدبلوماسية، يبقى الواقع الإنساني في غزة مأساويًا. إذ نقلت الصحيفة عن وزارة الصحة في غزة أن أكثر من 62 ألف فلسطيني استشهدوا منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. كما دُمّرت مساحات واسعة من البنية التحتية في القطاع، فيما يعاني السكان من مستويات غير مسبوقة من الجوع وسوء التغذية.