ملفات وتقارير

الفاشر رمز للتخاذل الدولي تجاه السودان.. "مقبرة لـ300 ألف شخص محاصرين"

اشتداد الحرب على الفاشر وتأزم أوضاع المدنيين المحاصرين فاقم الأوضاع سوءًا- جيتي
"يعيش السودان على إيقاع حرب باتت توصف بـ"المنسية" حيث لم يعد المجتمع الدولي يوليها اهتمامه، وبات بات منشغلا بأزمات مناطق أكثر سخونة وفق أجندات تفرضها خرائط جيوسياسية بعينها" هكذا تصف عدّة تقارير إعلامية متفرٍّقة، الوضع، مبرزين: "جرائم حرب وانتهاكات قد لا يُصدق البعض بأن مثلها يحدث اليوم في القرن الحادي والعشرين".

ومع دخول النزاع المسلح في السودان، عامه الثالث، منذ اندلاعه في نيسان/ أبريل 2023، بين قوات الجيش والدعم السريع، قالت الأمم المتحدة: "الأزمة الإنسانية في السودان وصلت إلى أسوأ مستوياتها في التاريخ".

وأوضحت: "حيث يعيش أكثر من ثمانية ملايين شخص على شفا المجاعة، بينما يعاني 25 مليونا آخرين من انعدام حاد للأمن الغذائي، فضلا تشريد نحو 13 مليون شخص، معظمهم يعيشون في العراء وتنهش بهم أمراض الكوليرا وفق ما أكدته منظمة أطباء بلا حدود".


الفاشر المحاصرة.. "مقبرة للأحياء"
ما زال برنامج الأغذية العالمي، وهو منظمة أممية يناشد منذ أشهر من أجل توفير ممرّات آمنه لإدخال المساعدات الإغاثية، ولكن دون استجابة، مؤكدا أنّ: "العائلات في الفاشر المحاصرة من قبل قوات الدعم السريع، منذ نحو عام كامل، باتت تأكل علف الماشية للبقاء على قيد الحياة".


وفي السياق نفسه، وصفت مديرة عمليات مكتب تنسيق الشئون الإنسانية في الأمم المتحدة، إديم وسورنو، أوضاع الفاشر بالمروعة، مضيفة:" يُقتل المدنيون سواء في الفاشر أو كردفان أثناء محاولتهم الفرار إلى المخيمات، بحثًا عن الأمان".

إلى ذلك، يعيش ما يناهز 300 ألف شخص في مدينة الفاشر، عزلة خانقة، جرّاء الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع منذ حزيران/ يونيو 2024، وسط قصف يومي ونقص كبير في الخدمات وآلاف العائلات التي تتضور جوعًا، معلنة عن وفاة 63 شخصا خلال شهر آب/ أغسطس الجاري، بسبب سوء التغذية؛ ناهيك عن تهديدهم بوباء الكوليرا، وسط انهيار كامل في القطاع الصحي.

عدم تجريم "الدعم السريع" يُثير غضب الخرطوم
في مفارقة غريبة كما يصفها مسؤولون سودانيون، أثارت استغراب الحكومة في الخرطوم، أصدرت المجموعة الدولية "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" التي تضم السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة وسويسرا والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، بيانًا، دعت فيه إلى: "فتح معبر "أدري" الحيوي، إضافة إلى تسهيل الحركة عبر خطوط التماس المؤدية إلى إقليم دارفور ومنطقة كردفان، ووقف مؤقت للقتال بهدف تسهيل إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة".

من جهتها، ردّت وزارة الخارجية السودانية على هذه الدعوات، بلهجة وصفت بـ"الصارمة"، مؤكّدة أنها تفتقر إلى: الدقة ولا تعكس الواقع الميداني، جرّاء تجاهلها انتهاكات قوات الدعم السريع، بما في ذلك استهداف القوافل الإنسانية، وفرض الحصار على مدينة الفاشر، وتنفيذ هجمات ممنهجة على البنية التحتية الحيوية.


بيان المجموعة الدولية، جاء عقب هجوم قد استهدف قافلة شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي، قرب مدينة مليط التي تعاني المجاعة، أثناء توجهها إلى قرية الصيّاح شمال إقليم دارفور في السودان، الأربعاء الماضي، والذي أسفر عن احتراق 3 شاحنات من بين 16 كانت تحمل مواد غذائية منقذة للحياة، وفق ما أكده غيفت واتاناساثورن، المتحدث باسم البرنامج الأممي.


هل نسي العالم مأساة المدنيين في الفاشر؟!
رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، وجّه نداءًا للأمين العام للأمم المتحدة وناشد مجلس الأمن والجمعية العامة، بفك حصار الفاشر وفتح الممرات الإنسانية لإيصال المساعدات للسكان ومنع استخدام سلاح التجويع ضد المواطنين، قائلا:" سيذكر التاريخ ما إذا كانت الأمم المتحدة قد اختارت الصمت أم التضامن وهل سمحت لمدينة بأكملها أن تفنى أم وقفت بثبات لحماية الأبرياء".

وأضاف، بأنه: "في الوقت الذي يتهدد الجوع بموت مئات الآلاف بصورة متعمدة ومقصودة في مدينة الفاشر، تُصدر "مجموعة التحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" بيانا بعيدا عن الحقيقة"، في إشارة إلى وضع أطراف النزاع ضمن كفة واحدة.


لماذا طال أمد الحرب في السودان؟!
السفير السوداني لدى المملكة المتحدة، بابكر الصديق الأمين، حذّر من خطورة توصيف الصراع في السودان على أنه مجرد تنافس داخلي على السلطة أو حرب أهلية، مؤكداً في الوقت نفسه أنه في جوهره حرب مفروضة من الخارج تهدف إلى النيل من سيادة البلاد واستقرارها.


وأشار السفير في مقابلة متلفزة، إلى أنّ: "الدعم الخارجي للجماعات المسلحة كان له الدور الأكبر في إطالة أمد الحرب، واصفًا الإمارات بأنها "الراعي الإقليمي" لقوات الدعم السريع "الجنجويد"، وأضاف أنّ: "التدفق المستمر للمرتزقة والأسلحة المتطورة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، غيّر طبيعة المعركة ومنع الوصول إلى تسوية مبكرة".

وبشأن إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية، وصف السفير هذه الخطوة بأنها "محاولة يائسة بعد خسائر ميدانية كبيرة"، لافتاً إلى أن هذه القوات التي كانت تسيطر سابقاً على مناطق واسعة من الخرطوم ووسط السودان، باتت اليوم محصورة في أجزاء من دارفور وجيوب متفرقة بكردفان.
https://x.com/SudaneseEcho/status/1959228759908798739

الراعي الإقليمي لقوات الدعم السريع
رغم نفي الإمارات المستمر لوجود تدخلات من طرفها بالحرب في السودان، إلا أن عدّة تقارير صدرت عن منظمات دولية ومراكز بحوث، تبرز أنّ: "أبو ظبي تراهن على دعم قوات حميدتي لحماية مصالحها في السودان والاستفادة من موقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر ونهر النيل".

وبحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، ومقال آخر نشرته صحيفة "الكورييه انترناشيونال"، فإنّ: "سبب التدخل ودعم قوات التدخل السريع، يعود لحماية استثماراتها الكبيرة في هذا البلد، والتي رفض الجيش السوداني إعطاء الضمانات التي تطلبها الإمارات بعد الانقلاب".

واعتبر أنّ: "بعض بنود الاتفاق يتضمن غبنا للسودان، ودون ذلك كله، فقد سبق وأصدرت منظمة العفو الدولية، في أيار/ مايو، تقريرًا، يكشف عن تورط الإمارات في تزويد قوات الدعم السريع في السودان بأسلحة صينية متطورة، تشمل قنابل موجهة ومدافع ميدانية، فيما يُعتبر انتهاكًا محتملاً لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور منذ 2004".

كردفان خط دفاع رئيس عن دارفور
رغم الدعوات الدولية لوقف القتال، إلا أن مدينة الفاشر ما زالت ساحة للحرب، حيث تعرضت أمس السبت، إلى هجمات عنيفة في محاور عدة بين الجيش وحلفائه من القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة ضد قوات الدعم السريع التي ترى في كردفان خط دفاع رئيس عن دارفور، لذا تسعى إلى توسيع نفوذها عبر السيطرة على مفاصل الإقليم، ما يجعل المعارك الجارية ذات أهمية استراتيجية للطرفين في سياق الصراع الممتد منذ 2023.

وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت مساحات سيطرة "قوات الدعم السريع" تتناقص بشكل متسارع في مختلف ولايات السودان لصالح الجيش، الذي وسّع نطاق عملياته، ففي الولايات الـ16 الأخرى بالسودان، لم يعد "الدعم السريع" يسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان، وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى أربع من ولايات إقليم دارفور الخمس.

ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، بحسب الأمم المتحدة ، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.