في ظل استبعاد نحو 600 مرشح للانتخابات البرلمانية في
العراق، برزت تساؤلات عما إذا كانت المسألة تحمل أبعادا سياسية أم أنها مسألة قانونية تطبَّق على الجميع، خصوصا أن "الإطار التنسيقي" الشيعي الحاكم هو أكثر المتضررين من قوائم الاستبعاد.
وجاءت قوائم الاستبعاد بسبب الانتماء السابق إلى حزب البعث المحظور في العراق، فضلا عن قيود جنائية أخرى، طالت نوابا ووزراء ومحافظين حاليين وسابقين، وهو ما أثار علامات استفهام كبيرة عن كيفية مشاركتهم السابقة في
الانتخابات وتوليهم مناصب عليا في الدولة.
ضغوطات متعددة
وتعليقا على ذلك، قال محافظ البصرة السابق وأحد المستبعدين، القاضي وائل عبد اللطيف لـ"عربي21" إنه "بسبب حديثي المتكرر بأن خور عبد الله ليس كويتيا، ومطالبتي بضرورة بقائه عراقيا، جرى استبعادي من السباق الانتخابي، لأنه لا يوجد سبب آخر يجعلهم يستبعدوني".
وأكد عبد اللطيف، وهو أيضا وزير دولة سابق، أن "هناك ضغوطات داخلية وخارجية على هذه المؤسسات لإبعادي وغيري من الترشيح للانتخابات البرلمانية، خصوصا بسبب انتقادنا للأطراف التي تتعاطف مع الكويت في ملف خور عبد الله".
وفيما يخص ملف هيئة المساءلة والعدالة، أوضح عبد اللطيف: "سعينا إلى إنهائها بعدما كنا جزءا من تأسيسها بعد عام 2003، وكانت باسم (اجتثاث البعث) قبل تغييرها إلى اسمها الحالي، وذلك من أجل فتح صفحة بيضاء مع كل أبناء الشعب العراقي، لكن لم نوفَّق في ذلك وبقيت تعمل".
وشدد عبد اللطيف على أن "هذه الهيئة أصبحت أداة للابتزاز السياسي، ويجب إنهاؤها كونها مضى عليها وقت طويل منذ عام 2003 إلى عام 2025، وهذا ما تطالب به شخصيات سياسية، منهم رئيس الوزراء الأسبق والقيادي البارز في الإطار التنسيقي، حيدر العبادي".
ولفت عبد اللطيف إلى أن "أسماء المرشحين للانتخابات كانت سابقا تذهب إلى أربع جهات، هي: وزارة التربية، وهيئة المساءلة والعدالة، والأدلة الجنائية، وهيئة النزاهة، لكن اليوم يجري تمريرها على 13 جهة، ولا نعرف من هي، ومن أسسها، وما صلاحياتها".
وحذّر الوزير السابق من أن "استمرار الظلم بهذه الطريقة لا يمكن قبوله، ولابد من تحسين العلاقة بين أبناء الشعب العراقي بعيدًا عن الطائفية والتمييز، لأن البلد لن يمضي بالشكل الصحيح".
وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، قد أكد خلال مقابلة تلفزيونية وجود استغلال لملف "المساءلة والعدالة" المعروف بـ"اجتثاث البعث" من أجل الإقصاء السياسي وكذلك الفساد المالي، مشددا على ضرورة إنهاء هذا الملف كونه يمثل "عدالة انتقالية" لفترة زمنية محددة.
وأوضح العبادي أن "هناك فسادا في ملف المساءلة والعدالة، فهناك شخصيات بعثية تمر دون أي اجتثاث عبر الأموال، وهناك شخصيات غير بعثية تُشمل بإجراءات اجتثاث البعث من أجل ابتزازها لغرض دفع الأموال لرفع أسمائها من إجراءات الاجتثاث، كما أن هناك استغلالا سياسيا لهذا الملف من أجل ضرب بعض الخصوم".
دوافع سياسية
من جهتها، قالت المستشارة في مركز "المورد" للدراسات والإعلام السياسي، نوال الموسوي، في حديث لـ"عربي21" إن "بعض المستبعدين كان لديهم استثناءات في السابق جعلتهم يشغلون مناصب تنفيذية سواء نوابًا أو محافظين، لكن ما الذي استجد اليوم حتى تُرفع عنهم؟".
وأردفت الباحثة العراقية أنه "لابد من وجود أسباب ودوافع سياسية وراء عمليات الاستبعاد الحالية، وذلك لتقليص المساحة التنافسية بين الأحزاب، وخصوصًا التقليدية منها، وبالتالي لا يمكن أن نفصل مسألة الاستبعاد عن قضية التنافس السياسي غير المشروعة".
وأكدت الموسوي أن "
استبعاد المرشحين يجري عبر تسخير النفوذ السياسي داخل مؤسسات الدولة، مثل هيئة النزاهة وهيئة المساءلة والعدالة ودوائر التربية لتزوير بعض الشهادات، وبالتالي ثمة عملية تشاركية كان يتم استخدامها للتغاضي عنهم في السنوات السابقة، واليوم تُتخذ ذريعة لإبعاد بعض الشخصيات وليس كلهم".
وبيّنت الباحثة أن "من جرى استبعادهم في الوقت الحالي شخصيات معروفة ولها ثقلها في الميدان السياسي، ولها مشاركة في خمس دورات انتخابية، لذلك استبعادها في هذا التوقيت تحديدًا يؤكد أن الموضوع لا يخلو من جنبة سياسية تنافس بطريقة غير مشروعة".
وأكدت الموسوي أن "هناك استغلالا للنفوذ السياسي في هذه المؤسسات الحكومية، لأن كل أفرادها ومدرائها جاءوا عن طريق المحاصصة السياسية، وبالتالي لا يمكن ضمان نزاهة الإجراءات الحالية، وخصوصا في هيئة المساءلة والعدالة التي تتبع شكلًا ومضمونًا إلى سلطة (ائتلاف دولة القانون) وزعيمه نوري المالكي".
ونوّهت الباحثة إلى أن "المطالبة بحل هيئة المساءلة والعدالة كان ضمن بنود الاتفاق السياسي الذي أدى إلى تشكيل الحكومة الحالية، رغم أنه لم يكن باتفاق غالبية القوى، لكن جرى تثبيت هذه النقطة ضمن الورقة السياسية الموقَّعة بين جميع القوى المشاركة بالحكومة".
وتابعت: "كثير من القوى السياسية السنية عانت من إجراءات غير منصفة بسبب هيئة المساءلة والعدالة، رغم أن الأخيرة استنفدت وقتها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية خلال مرور عقدين من الزمن على تشكّل النظام السياسي بعد عام 2003".
وأشارت إلى أن "استخدام هيئة المساءلة والعدالة في هذا التوقيت ينم عن وجود سلاح يجري تبويبه بطريقة قانونية، لكن بالنتيجة هو أمر غير شرعي، رغم أنه لا تزال هناك إجراءات قانونية وقضائية تتخذ بحق كل المتورطين بمخالفات في زمن النظام السابق (عهد صدام حسين)، وهذه لا أحد يعترض عليها".
وأعلن رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات في العراق، عماد جميل، الجمعة، عن استبعاد 581 مرشحا حتى الآن، مؤكدا أن هذه الأعداد قابلة للزيادة، وأن العدد النهائي سيُعلن بعد اكتمال الردود من الجهات الأمنية والقانونية.