في الوقت الذي تتعاظم عزلة إسرائيل دوليا من أستراليا وصولا إلى البرازيل، مرورا بدول أوروبية عديدة، تصر بعض الأنظمة العربية المطبعة أن تنقذ إسرائيل من عزلتها وتخرجها من أزماتها الاقتصادية بتوقيع اتفاقيات ضخمة. من حقنا أن نوجه السهام لكل من يؤذي القضية الفلسطينية.
إن حجة دعم القضية الفلسطينية، من خلال بيان بارد مقارنة مع توقيع عقود اقتصادية بمئات الملايين والمليارات لا يستويان. اتركوا القضية الفلسطينية للشرفاء في هذه الأمة ولا تطعنوها في القلب والخاصرة، ثم تتحدثون عن تأييد حل الدولتين، أكبر كذبة سوقها الغرب الاستعماري لتدمير القضية الفلسطينية، وانطلت على بعض قيادات الفلسطينيين الذين صدقوا هذه الكذبة، وراحوا يبشرون بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وأعلنوا عن قيامها في مهرجان خطابي، ثم بدأوا بالبحث عنها ولم يجدوها بعد 37 سنة. لقد جاء إقرار حكومة الفاشيين الصهاينة بإقامة أربع مستوطنات في منطقة (E-1 ) قرب بلدة زعيّم شرقي القدس، آخر مسمار في نعش «الدولة الفلسطينية المستقلة».
العالم الغربي بدأ يكتشف أن مخطط إسرائيل ليس الرد على حماس، تحت حجة حق الدفاع عن النفس، بل يهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني
العالم الغربي بدأ يكتشف أن مخطط إسرائيل ليس الرد على حماس، تحت حجة «حق الدفاع عن النفس»، بل يهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من وطنه باستخدام أكثر الوسائل همجية وعنفا ودموية، خاصة سلاح التجويع حتى الموت، وقتل الباحثين عن الطعام في ما سمي «مؤسسة
غزة الإنسانية» التي أصبحت شرَكا لقتل الفلسطينيين. مناظر الأطفال الأشباح بسبب الجوع تركت بصمتها على أصحاب الضمائر أفرادا وجماعات. ولذلك بدأنا نسمع بعض الأصوات التي تخرج عن نص الرواية الإسرائيلية الكاذبة.
مواقف غربية
– ثلاثون دولة تلتقي في بوغوتا يومي 13 و14 يوليو تحت ما يسمى «مجموعة لاهاي» لتقرر اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل، من بينها جنوب افريقيا وماليزيا وإيرلندا وإسبانيا والبرتغال والبرازيل وتركيا. ( من الدول العربية شاركت أربع دول فقط هي العراق ولبنان وقطر وعُمان).
– تدهورت العلاقات بين أستراليا وإسرائيل بشكل كبير منذ أن أعلنت كانبيرا، في الأسبوع الماضي، نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
وكانت استراليا قد ألغت الإثنين الماضي، تأشيرة سيمحا روثمان النائب اليميني المتطرّف المنتمي إلى حزب “الصهيونية الدينية”، المشارك في الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو، مشيرة إلى أنّها اتّخذت هذا القرار خشية أن تُثير تصريحاته انقسامات في المجتمع الأسترالي، إذا ما زار أراضيها. وفي اليوم التالي، ردّت إسرائيل بإلغاء تأشيرات دبلوماسيين أستراليين معتمدين لدى السلطة الفلسطينية.
– أثار قرار فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية ردود فعل غاضبة من إسرائيل. قال نتنياهو في رسالة لماكرون: «دعوتكم للاعتراف بدولة فلسطينية تسكب الوقود على نار معاداة السامية هذه. هذه ليست دبلوماسية، بل استرضاء. إنها تكافئ إرهاب حماس، وتزيد من إصرار حماس على عدم إطلاق سراح الرهائن، وتشجع أولئك الذين يهددون اليهود الفرنسيين، وتغذي الكراهية التي تجوب شوارعكم الآن، ضد اليهود». استنكرت الرئاسة الفرنسية تصريحات نتنياهو، واعتبرت في بيان، أن الربط بين قرار فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، وتأجيج أعمال العنف المعادي للسامية «بني على مغالطات، ودنيء ولن يمر دون رد».
– ألمانيا أوقفت شحن الأسلحة التي يستخدمها الكيان في حرب الإبادة في غزة. وصندوق الثروة السيادي النرويجي يبيع حصصه في 11 شركة إسرائيلية. بسبب حرب الإبادة على غزة. والبرازيل تتخذ خطوات عقابية عديدة ضد إسرائيل، وآخرها منع طائرة نتنياهو المرور فوق الأجواء البرازيلية أثناء زيارته المقبلة للأرجنتين. واسبانيا تمنع رسو السفن الإسرائيلية في موانئها، وتعلن هي وأيرلندا ومالطا والنرويج اعترافها بدولة فلسطين المستقلة، نكاية في إسرائيل وحرب الإبادة في غزة. وكولمبيا تقطع علاقاتها مع إسرائيل وتوقف تصدير الفحم إلى الكيان. حتى بريطانيا أوقفت مفاوضات التجارة الحرة بأثر فوري.
المواقف العربية وإنقاذ الكيان من العزلة
في الوقت الذي تتفاقم عزلة الكيان وتتقدم دول عديدة لفرض عقوبات على الكيان تقوم بعض أنظمة
التطبيع بمد يد الإنقاذ للكيان لإخراجه من عزلته وشد أزره اقتصاديا وفتح مجالات واسعة تجاريا وعسكريا وأمنيا.
– أعلنت مصر يوم 7 أغسطس عن توقيع صفقة شراء غاز من إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار، تستمر حتى سنة 2040. وهي الأكبر في تاريخ الكيان كما أعلن وزير الطاقة إيلي كوهين.
– وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني يجري مباحثات، الثلاثاء، في باريس مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر. وهذا ليس الاجتماع الأول بل سبقته عدة لقاءات مباشرة، أو غير مباشرة. ويبدو أن النظام السوري الجديد والهش يعلق وجوده على التطبيع مع الكيان الصهيوني.
– المغرب الذي وقع أربع اتفاقيات تعاون تجاري مع إسرائيل عام 2021 عاد ليوسع اتفاقياته التجارية مع إسرائيل، ويعلن قبل أيام أنه سيقتني طائرات مسيّرة إسرائيلية من نوع «هاروب» و»هاربي»، بقيمة 120 مليون دولار، وفق ما أفادت عدة مصادر مغربية وعربية من بينها «هسبريس» و»يا بلادي». كما عقدت شركة «بلو بيرد إيرو سيستمز» الإسرائيلية، شراكة مع الرباط تشمل إنشاء مصنع لإنتاج نماذج مختلفة من الطائرات المسيّرة. ونشر موقع «ميدل إيست آي» تقريرا أعدته كارولين دوبي من مدينة طنجة المغربية، قالت فيه إن الشحنات العسكرية المتجهة إلى إسرائيل تمر عبر الموانئ المغربية. علما أن الاحتجاجات الشعبية المعارضة للحرب على غزة مستمرة في المغرب. وقالت الصحافية إن المغرب أصبح موقعا حيويا على طريق شحن البضائع العسكرية إلى إسرائيل، خاصة عبر ميرسك. ويشمل ذلك مكونات طائرات إف-35، التي تشارك في الهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
– بالنسبة للإمارات قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان) إن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، قام مؤخرا بزيارة سرية إلى الإمارات لبحث الحرب في غزة. ويُعدّ ديرمر من المقربين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحسب تقرير «كان»، فقد رافق ديرمر إلى الإمارات وفد رفيع المستوى التقى مسؤولين إماراتيين، وبحث معهم إلى جانب ملف غزة قضايا أمنية ودبلوماسية. كما أن التقارير تتحدث عن عودة طاقم السفارة الإسرائيلية إلى أبو ظبي بعد التوتر الذي أثاره يوسي شيلي سفير إسرائيل لدى دولة الإمارات، بعد أن تورط في تصرف وُصف بـ»غير اللائق»، خلال زيارة خاصة إلى حانة في دبي، ما تسبب بحالة من الغضب الشديد في أبوظبي.
– كشف موقع «ميدل إيست آي» عن لقاء أحد أقارب رئيس الوزراء الليبي مع مسؤولين إسرائيليين لمناقشة كيفية المساعدة في الإفراج عن 30 مليار دولار من أصول ليبيا المجمدة في الولايات المتحدة، مقابل تهجير الفلسطينيين من غزة إلى ليبيا. وفي تقرير أعده فيصل عيدروس، جاء فيه أن مستشار الأمن القومي الليبي إبراهيم الدبيبة، وهو قريب لرئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، يقود المحادثات. وأفاد مصدر ليبي بأن «محادثات عملية» قد جرت بالفعل، لكن التفاصيل كانت غامضة، وأضاف المصدر: «لم تناقش بعد الآليات والتنفيذ».
هذا غيض من فيض التطورات التطبيعية مع العالم العربي، التي تأتي في ظل إعلان نتنياهو أنه آخر الأنبياء المكلفين بمهمة توراتية في إقامة «إسرائيل الكبرى». إنها الغطرسة الصهيونية الحديثة المنتشية بانتصاراتها بضمان الحليف الأمريكي، وشلل العالم العربي وتررد أوروبا وانقسام الوضع الفلسطيني. فهل سنشهد هيمنة نتنياهو على العالم العربي في مرحلة ما بعد حرب الإبادة؟
القدس العربي