في تطور دبلوماسي مفاجئ، أعلنت الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب شرق البلاد، الثلاثاء، عن إلغاء زيارة لوفد أوروبي رفيع المستوى يضم وزراء داخلية كل من إيطاليا واليونان ومالطا، إلى جانب مفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة، بعد وصولهم إلى مطار بنينا بمدينة
بنغازي شرقي البلاد، وطلبت منهم مغادرة الأراضي الليبية فورا، معتبرة أنهم "أشخاص غير مرغوب بهم".
وفي بيان رسمي أصدرته حكومة أسامة حماد، عبرت عن رفضها لما وصفته بـ"تجاوز صارخ للأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية"، دون أن توضح طبيعة هذا التجاوز بشكل مفصل، مكتفية بالقول إن الوفد ارتكب "تصرفات لا تحترم السيادة الوطنية الليبية"، بالإضافة إلى "مخالفة القوانين الليبية المعمول بها بشأن دخول وتنقل وإقامة الدبلوماسيين الأجانب".
وشدد البيان على أن أعضاء الوفد الأوروبي "لم يتبعوا الإجراءات المنظمة لدخول وتنقل البعثات الدولية"، والمحددة في تعميم رسمي صادر عن الحكومة، وهو ما اعتُبر خرقا للسيادة وإخلالا بقواعد التعامل الدبلوماسي.
ودعت الحكومة جميع الدبلوماسيين والبعثات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، إلى "احترام السيادة الليبية والالتزام الكامل بالتشريعات الوطنية والمواثيق والأعراف الدولية"، مؤكدة على ضرورة الالتزام بمبدأ "المعاملة بالمثل" في العلاقات الثنائية، وفقًا للاتفاقيات الدولية المعمول بها.
ويأتي هذا التوتر في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي تعيشه
ليبيا منذ سنوات، حيث تتوزع السلطة بين حكومتين متنافستين: الأولى في الشرق يرأسها أسامة حماد، وتتخذ من بنغازي مقرًا لها، والأخرى في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها العاصمة طرابلس، وهي الحكومة المعترف بها دوليًا.
وفي مؤشر على التباين في المواقف بين الحكومتين، عقد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في وقت سابق من اليوم ذاته اجتماعًا في طرابلس مع الوفد الأوروبي نفسه، ناقش فيه قضايا تتعلق بالهجرة غير النظامية، وهي أحد أبرز الملفات التي تشكل محور اهتمام أوروبي متزايد في العلاقة مع ليبيا.
وقال الدبيبة خلال الاجتماع إن حكومته "تقترب من الانتهاء من حملة موسعة لمكافحة الهجرة غير النظامية"، مشددًا على التزامه بالتعاون مع الشركاء الأوروبيين في هذا الملف الحساس.
وتُعد ليبيا، بحكم موقعها الجغرافي، نقطة عبور رئيسية لآلاف المهاجرين غير النظاميين، الذين يسعون للوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، فارين من الحروب والنزاعات والفقر في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ومنطقة الشرق الأوسط.
ويأتي هذا التصعيد الدبلوماسي في وقت تسعى فيه بعثة الأمم المتحدة إلى كسر الجمود السياسي الذي تشهده البلاد منذ سنوات، من خلال الدفع باتجاه تنظيم انتخابات عامة وتوحيد المؤسسات، وسط تعقيدات أمنية وسياسية متشابكة، وتنافس بين الحكومتين على الشرعية والتمثيل الخارجي.
ويُتوقع أن يُلقي هذا الحادث بظلاله على مسار التعاون الأوروبي مع السلطات الليبية، في ظل عدم وضوح موقف الاتحاد الأوروبي إزاء الانقسام الداخلي، واحتمال توتر العلاقات مع حكومة بنغازي، التي تمثل الطرف العسكري والسياسي الأقرب إلى مجلس النواب والقيادة العامة للجيش بقيادة خليفة
حفتر.