تم اختراع السيارة الكهربائية في أوائل القرن التاسع عشر، من قبل مكتشفين عدة، من بينهم البريطاني روبرت أندرسون (1830) وذلك لإحلالها بدلاً من العربات التي كانت تجرُّها الأحصنة. ولكن لم يزدهر هذا النوع الاكتشافي من السيارات إلا بعد التحسينات العديدة التي أُدخلت عليها لتحويلها من «عربة كهربائية» إلى «سيارة كهربائية» من قبل مهندسين هولنديين، وفرنسيين، وألمان، وأميركيين.
وبالفعل، لم تبلُغ السيارة الكهربائية مرحلة الازدهار، إلا بعد عقود عدة، في بداية القرن العشرين، وخلال فترة قصيرة جداً، بعد إدخال تحسينات ومزايا مهمة عليها، مثل: المدة الزمنية لضرورة إعادة شحن البطاريات، وتحسين سرعة المركبة بتخفيف حملها من ثقل الأدوات الرئيسية بها.
ومع «ازدهار» السيارة الكهربائية في بداية القرن العشرين، بدأت في الوقت نفسه منافسة قوية مع سيارة «فورد- تي» ذات ماكينة الاحتراق الداخلي للوقود التي اخترعها هنري فورد، والتي بدأ إنتاجها على أساس «الإنتاج الجماعي» الضخم العدد في أوائل القرن العشرين، مما جعلها مرغوبة أكثر للمستهلكين، نظراً لانخفاض تكلفة إنتاجها، ومن ثم منافسة سعرها للسيارة الكهربائية.
ولكن خلال هذه الفترة أيضاً، عمل فورد في ديترويت على إنتاج «فورد- تي» السيارة ذات ماكينة الاحتراق الداخلي للوقود، من خلال التصنيع الجماعي الذي أدى إلى تخفيض نفقات تصنيعها، ومن ثم تكلفتها، مما أدى إلى تفوقها.
وبرغم التنافس السعري لصالح سيارة «فورد- تي»، استطاعت السيارة الكهربائية الحفاظ على عدد قليل لنفسها في الأسواق الأميركية (نحو 900) في بداية القرن العشرين.
وشكَّل السبب الرئيسي في استمرار السيارة الكهربائية في الأسواق -ولو على مستوى منخفض جداً- هدوء صوتها، ونظافتها من الانبعاثات الكربونية. ولكن اشتدت حملة عالمية مع نهاية القرن العشرين ضد الانبعاثات الكربونية، وتدعو للعودة إلى استعمال السيارة الكهربائية.
استطاع هنري فورد مع زميله العالم الكهربائي توماس أديسون اختراع سيارة كهربائية في 1914. ولكن نظراً لتشييد فورد سيارته «فورد- تي» بالطريقة الجماعية الضخمة، ومن ثم بسعر منافس، استطاعت سيارة «فورد- تي» الهيمنة على الأسواق العالمية. ولكن نظراً لازدياد الاحتجاجات العالمية ضد التلوث الهيدروكربوني الناتج عن حرق البنزين أو الديزل في السيارات في أواخر القرن العشرين، عادت فكرة استعمال السيارة الكهربائية ثانية في نهاية القرن العشرين، لأجل تخفيض الانبعاثات الهيدروكربونية.
تمت صناعة أول سيارة كهربائية في المرحلة الجديدة (الربع الأخير من القرن العشرين) سيارة «بريس» لشركة «تويوتا» اليابانية في 1996. وتتنافس معها ومع غيرها من
السيارات الكهربائية الحديثة حالياً، شركة «تسلا». ولكن حصتها في أسواق السيارات العالمية لا تزال منخفضة جداً.
وأصدر «ذي سينتر أون غلوبال إنرجي» دراسة بحثية تمهيدية حول الآثار المترتبة لأسواق السيارة الكهربائية على مصانع السيارات الأميركية وقرارات السياسيين ذات العلاقة في المرحلة الحاضرة بأهمية المنافسة هذه، وتأثيرها على مصانع الأسواق الأميركية. تشكل أهم خلاصات الدراسة:
- تستمر أسواق السيارة الكهربائية في التوسع عالمياً، رغم السياسات المناهضة لذلك في
الولايات المتحدة.
- تحتل السيارة ذات البطارية الكهربائية المنزلة الأولى في المبيعات العالمية من نوعها من السيارات، وبالذات تشهد السيارة الهجينة الكهربائية منها الممكن شحنها بالكهرباء من خلال آلة مخصصة لذلك ملتصقة بالحائط، زيادات عالية للمبيعات مؤخراً، بالذات في
الصين؛ إذ إن التكنولوجيا الهجينة تساعد في ازدياد نفوذ الصين عالمياً من خلال هذه التكنولوجيا للسيارة الكهربائية.
- تمر صناعة السيارات العالمية بتحول تاريخي؛ إذ تشهد مختلف أنواع السيارات الكهربائية مبيعات ملحوظة تدريجياً في الأسواق العالمية. على سبيل المثال: تحتل بعض أنواع السيارة الكهربائية مركزاً ريادياً في سوق السيارات الصينية الضخمة.
- إن الانتقال العالمي لصالح السيارات الكهربائية يطرح أسئلة حرجة لصانعي السيارات والسياسيين في الولايات المتحدة. وهي: هل يتوجب الدفاع عن السيارة الكهربائية؟ وهل يتوجب غض النظر عنها؟ وهل يتوجب الدفاع عنها استراتيجياً؟ وما الجواب النهائي؟
الصين حققت التحول الأكبر والأهم في قطاع السيارات الكهربائية
- إن ما يساعد في الإقبال على السيارة الكهربائية عالمياً، أن بعض الولايات الأميركية -كاليفورنيا مثلاً- غيرت قوانينها مؤخراً، لتنص على استعمال السيارة الكهربائية أو الهجينة في بعض الطرق داخل المدن الكبرى، كما هي الحال في بعض كبريات المدن الأوروبية.
وتشير الدراسة المنوه عنها أعلاه كذلك إلى أن الصين حققت التحول الأكبر والأهم في قطاع السيارات الكهربائية. فقد أنتجت الصين في عام 2024 نحو 60 في المائة من السيارات الكهربائية التي قد تم إنتاجها عالمياً. وقد استطاعت شركة «بي واي دي» الصينية إنتاج عدد من السيارات الكهربائية الأكثر في العالم بالصين عام 2024؛ إذ إن «بي واي دي» وحدها استطاعت أن تنتج أعداداً أكثر من سيارة «تسلا».
ومن الجدير بالذكر أن ريادة الصين في إنتاج البطاريات الكهربائية –من خلال تكرير المواد الأرضية النادرة إلى تصنيع الخلايا- تعني قدرة الصناعة الصينية على الولوج في هذه الصناعة بإنتاج المواد الأساسية بكميات ضخمة وبتكلفة أقل.
ونظراً لحجم وأهمية ما تطرحه تكنولوجيا السيارات الكهربائية من تحول في عالم السيارات المستقبلي، فإن عملية التحول إلى السيارة الكهربائية ستعطي دعماً قوياً لصناعة السيارات الأميركية؛ إذ إن الانخراط في هذا القطاع الصناعي الجديد بتقنياته الحديثة سيعني أن الولايات المتحدة ستلعب دوراً مستقبلياً مهماً في التكنولوجيا الجديدة، وتقلص مخاطر استمرار الاعتماد على البطارية التقليدية ووسائل تصنيعها.
وتضيف الدراسة أن
أوروبا هي المركز الرئيسي الثاني لأسواق وتصنيع كهربة السيارات، مع الإشارة إلى التعاون القائم بين الأقطار الأوروبية في هذه المجالات واستمرار الاعتماد على الصين.
فالدول الإسكندنافية على سبيل المثال (النرويج والسويد والدنمارك) تحتل المركز الأول في كهربة تصنيع السيارات أوروبياً، كما تحتل هذه المجموعة الإسكندنافية الحصة الأكبر من السوق الأوروبية لهذا القطاع، بينما أقطار أوروبا الجنوبية (قبرص، واليونان، وإيطاليا) ومعظم دول وسط وشرق أوروبا، متأخرة في هذا المجال عن مجموعة الدول الإسكندنافية.
وهناك صورة مختلفة في الولايات المتحدة. فالسيارة الكهربائية شكَّلت نحو 10 في المائة من مبيعات السيارات في عام 2024. والعامل المؤثر في الولايات المتحدة لا يزال انخفاض ثمن البنزين نسبياً بمقارنته بسعر الكهرباء.
الشرق الأوسط