صحافة دولية

الصين تتحكم بمفاتيح الصحة العالمية.. من المواد الخام إلى الدواء النهائي

تعتمد الولايات المتحدة ودول أخرى اعتمادا كبيرا على الصين في تصنيع المكونات الأساسية للأدوية- الأناضول
تعتمد الولايات المتحدة ودول أخرى اعتمادا كبيرا على الصين في تصنيع المكونات الأساسية للأدوية- الأناضول
شارك الخبر
نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرًا تناول سيطرة الصين على صناعة الأدوية العالمية، حيث تتحكم في إنتاج المواد الخام والمكونات الفعالة المستخدمة في نحو 700 دواء حيوي، ما يجعل الولايات المتحدة والدول الأخرى تعتمد عليها بشكل كبير، وهو ما يشكل خطرًا استراتيجيًا وجيوسياسيًا، خصوصًا في حال توتر العلاقات أو حدوث أزمات صحية عالمية.

وأوضح الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن الولايات المتحدة والصين قد تكونان أوقفتا مؤقتًا نزاعهما التجاري، لكن بكين ما زالت تملك أوراق ضغط أخرى إذا تدهورت العلاقات مجددًا. ومن أبرز مواطن الضعف التي أغفلتها واشنطن، سيطرة منافستها الإستراتيجية على المواد الخام اللازمة لإنتاج مجموعة واسعة من الأدوية.

وأفاد الموقع أن تقرير اللجنة الأمريكية لمراجعة الأمن والعلاقات الاقتصادية مع الصين، الصادر الأسبوع الماضي، شدد على ضرورة معالجة ملف الإمدادات الدوائية. واقترح التقرير أن يعدل الكونغرس فورًا قانون 2020 لتوسيع صلاحيات إدارة الغذاء والدواء، بحيث تُلزم شركات الأدوية بالكشف عن حجم ومصدر المواد الأساسية المستخدمة في تصنيع العقاقير الحديثة، مع تشجيع الاعتماد على مصادر غير صينية.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تثير فيها اللجنة القضية، لكن سرعة تراجع واشنطن بعد أن فرضت بكين الشهر الماضي قيودًا على تصدير معادن نادرة، أظهرت أن هذا الخطر لا يمكن تجاهله بعد الآن.

اظهار أخبار متعلقة


وتعتمد الولايات المتحدة ودول أخرى اعتمادًا كبيرًا على الصين في تصنيع المكونات الأساسية للأدوية. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، بنت بكين صناعة ضخمة ومنخفضة التكلفة جعلتها لاعبًا محوريًا في سلاسل توريد العقاقير عالميًا، حيث تنتج مواد أولية تُعرف بـ "المواد الأساسية" التي تُستخدم لاحقًا في تصنيع "المواد الدوائية الفعالة".

وقال الموقع إن البيانات الدقيقة حول حجم اعتماد الولايات المتحدة على الصين يصعب الحصول عليها، إذ لا تكشف شركات الأدوية الكبرى عن مدى هذا الارتباط. وتستند أفضل التقديرات إلى مؤسسة "الفارماكوبيا الأمريكية"، وهي جهة غير ربحية تحدد معايير جودة الأدوية.

وعند مراجعة ملفات الأدوية الرئيسية التي تقدمها الشركات لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، تبين أن الصين لم تكن ضمن المشهد عام 1980، لكنها بعد عشرين عامًا أصبحت تقدم 5 بالمئة من الملفات، مقابل 19 بالمئة للهند. وبحلول العام الماضي، تجاوزت الصين الهند لتستحوذ على 45 بالمئة من إجمالي الملفات. ويعقّد الصورة أن الهند، أكبر منتج للأدوية الجنسية، تعتمد بدورها على الصين في المواد الأساسية، وهو ما لا يظهر في بيانات الإدارة الأمريكية.

وكشفت المنظمة غير الربحية عن اتجاه أساسي مفاده أن نصف المكونات الفعالة المستخدمة في الولايات المتحدة تأتي من مصدر واحد. فالصين هي المورد الحصري لما لا يقل عن مادة كيميائية تدخل في نحو 700 دواء أساسي. على سبيل المثال، يبدو أن المضاد الحيوي "أموكسيسيلين" يُنتج من مصادر متنوعة في إسبانيا وسنغافورة، لكن مواده الأربع الأساسية تأتي تقريباً بالكامل من الصين.

وقال الموقع إن أزمة نقص الإمدادات الطبية خلال الجائحة أثبتت خطورة الاعتماد على مصدر واحد، خصوصاً إذا كان منافساً استراتيجياً. ورغم أن بكين لم تهدد يوماً بوقف صادراتها الطبية أثناء تصاعد الحرب التجارية، إلا أن المخاطر لا تقتصر على السياسة، إذ يمكن لأي وباء عالمي جديد أن يعطل سلاسل التوريد.

ونقل الموقع عن ليلاند ميلر، عضو اللجنة الأمنية الأمريكية، تصريحها بأن بكين تسيطر على "جزء مخيف" من المكونات الدوائية الفعالة، مضيفًا أن الهدف النهائي هو بناء سلسلة توريد بديلة مع الهند وحلفاء آخرين لتقليل الاعتماد على الصين في مجالات محددة.

اظهار أخبار متعلقة


وذكر الموقع إلى أن هذه المهمة صعبة بسبب انخفاض هوامش الربح في صناعة المواد الأولية للأدوية. فقد بدأت الصين منذ الثمانينيات تحرير إنتاجها مع التركيز على خفض التكاليف للسكان المحليين. ونقلت وسائل إعلام رسمية عن أحد التنفيذيين قوله إن تكاليف الشركات الأمريكية سترتفع بنسبة 50% إذا حاولت إعادة بناء سلسلة توريد المواد الخام بنفسها.

وأفاد الموقع أن واشنطن ستضطر إلى خوض هذه التجربة، ولو بشكل محدود، بالنسبة للأدوية الأكثر أهمية. وهناك بالفعل نموذج مشابه في اتفاق وزارة الدفاع مع شركة "إم بي ماتيريالز" المنتجة للمعادن النادرة في كاليفورنيا، والذي يضمن سعرًا أدنى لعشر سنوات، مع تعويض الشركة إذا انخفضت الأسعار السوقية.

واختتم الموقع بالإشارة إلى أن السيناريو في قطاع الأدوية سيكون مشابهاً، إذ تسيطر الصين على منافذ حيوية في قطاعات عدة، لكن الولايات المتحدة ستسعى إلى فك الارتباط في المجالات التي تعتبرها واشنطن أولوية للأمن القومي.
التعليقات (0)