المرأة والأسرة

بعد تعديل قانون الاغتصاب.. هل ستتوقف ثقافة التحرش الجنسي في فرنسا؟

أظهرت دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي أنّ حوالي 22 بالمئة من النساء في الاتحاد تعرّضن للعنف الجسدي - ( cco)
أظهرت دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي أنّ حوالي 22 بالمئة من النساء في الاتحاد تعرّضن للعنف الجسدي - ( cco)
في فرنسا، البلد الذي لطالما زعم بأن قوانينه هي الأكثر تحضراً وحماية لحقوق الإنسان في العالم، إلا أن نواب برلمانه استغرقوا خمس سنوات للتوافق والتوصل إلى تعريف "جريمة الاغتصاب"، بعد جدل واسع فجرته قضية اعتراف دومينيك بيليكو عام 2001، بتخدير زوجته مراراً واستدراج رجال عبر الإنترنت لاغتصابها وهي فاقدة الوعي، بينما ادّعى المتهمون أنهم شاركوا في "لعبة جنسية"، دون علمهم بأنهم يمارسون الاغتصاب لكون الضحية لم تقاوم، وهو ما أثار انتقادات واسعة حول غموض مفهوم الموافقة في القانون الفرنسي الذي كان يشترط إثبات العنف أو الإكراه لإدانة الجناة.


"قانون الاغتصاب".. مجلس الشيوخ يضيف بند الموافقة
في الـ29 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وافق مجلس الشيوخ الفرنسي على تعديل قانون جريمة الاغتصاب، ليصبح أي فعل جنسي يتم دون رضا واضح ومتبادل من الطرفين جريمة اغتصاب، في خطوة تهدف إلى تحديث التشريع الفرنسي وجعله أكثر انسجامًا مع القوانين الأوروبية.

وبموجب النص الجديد، تعرف الموافقة بأنها إرادية، وواعية، ويمكن سحبها في أي وقت، كما ينص القانون على أن الصمت أو عدم المقاومة لا يعتبران موافقة، وينتظر أن يدخل القانون المعدل حيز التنفيذ بعد توقيع الرئيس إيمانويل ماكرون، في وقت تتعالى فيه الدعوات لمراجعة شاملة لثقافة مؤسسات الدولة الفرنسية، بما فيها الأجهزة الأمنية والقضائية، بعد تكرار فضائح تتعلق بالتحرش والاعتداء الجنسي من داخلها.

اغتصاب بعد يوم من تشريع القانون
بعد يوم واحد فقط من تعديل قانون الاغتصاب الفرنسي لتضمينه مسألة الموافقة الصريحة، أعلن الادعاء العام الفرنسي، توقيف شرطيين بتهمة اغتصاب امرأة كانت موقوفة داخل محكمة في ضاحية بوبيني شمال العاصمة باريس، وقال المدعي العام إريك ماتايس إن المرأة، البالغة من العمر 26 عاما، اتهمت الشرطيين باغتصابها ليل الثلاثاء حتى صباح الأربعاء الماضيين٬ داخل مبنى المحكمة، موضحًا أن المشتبه بهما يبلغان 23 و35 عاما ولم يمض وقت طويل على انضمامهما إلى جهاز الشرطة.

منظمة هيومن رايتس ووتش، علقت على اعتراف فرنسا بأن الاغتصاب يتعلق في الأساس بغياب الموافقة وليس بوجود القوة أو الترهيب، مشددة على ضرورة مواصلة السلطات جهودها نحو القضاء التام على ثقافة الاغتصاب والعنف الجنسي، لتوفير الحماية الكافية لحقوق أعداد باتت لا تُحصى من الأفراد، وخاصة النساء والفتيات، الذين يواجهون خطر العنف الجنسي في البلاد كل عام.


وسائل النقل العام.. بيئة خصبة للتحرش
في أحدث تقرير بشأن ظاهرة التحرش، كشف المرصد الوطني الفرنسي للعنف ضد المرأة في آذار/مارس الماضي، عن أرقام مقلقة بشأن انتشار العنف الجنسي في وسائل النقل العام، حيث أظهر أن سبعا من كل عشر نساء في منطقة إيل دو فرانس تعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي أثناء استخدامهن لهذه الوسائل.


وبحسب التقرير، سجلت الشرطة الفرنسية 3374 حالة عنف جنسي في وسائل النقل العام خلال عام 2024، بزيادة قدرها 6 بالمئة عن العام السابق، كما أظهر التقرير، أن 75 بالمئة من الضحايا كانت أعمارهن تقل عن 30 عاما. كما كانت منطقة إيل دو فرانس، التي تضم العاصمة باريس، الأكثر تأثرا بهذه الظاهرة، حيث تم تسجيل 44 بالمئة من إجمالي الحوادث على مستوى البلاد.

انخفاض نسب الإبلاغ
وعلى الرغم من ارتفاع عدد الحوادث، فإن نسبة الإبلاغ عنها لا تزال منخفضة بشكل كبير، وأشار التقرير إلى أن 7 بالمئة فقط من الضحايا تقدمن ببلاغات رسمية للشرطة، وذلك بسبب مخاوف من عدم أخذ شكاويهن على محمل الجد أو عدم قدرة السلطات على التصرف بشكل فعال. كما أبلغت أكثر من ثلث الضحايا عن شعورهن بالخجل، في حين عبرت 70 بالمئة عن شعورهن بالغضب، وطالبت 60 بالمئة بتغييرات مجتمعية لمواجهة هذه الظاهرة.

وأوضحت مانون مارغريت، الباحثة في التخطيط الحضري بجامعة جوستاف إيفل، أن بعض خصائص وسائل النقل العام، مثل الازدحام وعدم القدرة على الهروب، تجعلها بيئة خصبة لبعض أشكال العنف الجنسي، مثل التحرش اللفظي أو اللمس غير المرغوب فيه. وأضافت أن هذه الحوادث غالبا ما يتم التقليل من شأنها، على الرغم من تأثيرها النفسي العميق على الضحايا.

ثلاث حالات اغتصاب كل ساعة
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أدرج فرنسا ضمن الدول الأعلى في عدد من حالات اغتصاب النساء المبلغ عنها في أوروبا، بواقع 20,694 و9029 حالة على التوالي في عام 2019، وهو ما أكده مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات)، وفي تقرير لوزارة الداخلية، كشف عن تفاقم مشكلة العنف الجنسي هناك، إذ زاد عدد حالات الاغتصاب المسجلة بمقدار الثلث خلال عام 2018 وبلغت متوسط حالات الاغتصاب اليومية نحو 67 حالة، وهو ما يمثل ثلاث حالات اغتصاب كل ساعة.

أيًا كان شكله - اعتداءً، تحرشًا، اغتصابًا، عنفًا منزليًا، أو قتلًا للنساء، فإن العنف ضد المرأة أصبح ظاهرة واسعة الانتشار، وفي عام 1993 اعتمدت الأمم المتحدة إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، الذي يُعرّف بأنه "أي فعل عنيف قائم على نوع الجنس، يترتب عليه، أو يُحتمل أن يترتب عليه، أذىً أو معاناةً جسديًا أو جنسيًا أو نفسيًا للمرأة، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال، أو الإكراه، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث في الحياة العامة أو الخاصة".


لماذا يصعب قياس العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي؟
تقول صحيفة لوموند، إن البيانات الرئيسية المتاحة حول العنف ضد المرأة تُستمد من نوعين من التقارير السنوية الصادرة عن دائرة الإحصاء الوزارية للأمن الداخلي، الأول هو تقرير إحصائي بعنوان "انعدام الأمن والجريمة"، يستند إلى الشكاوى المُسجلة سنويًا في فرنسا من قِبل الشرطة والدرك الوطني (ولكنه لا يأخذ في الاعتبار أفعالًا أخرى، مثل الشكاوى المُسجلة دون توجيه اتهامات).

مع ذلك، هذا ليس تقييمًا شاملًا، إذ لا يُقدم جميع الضحايا شكاوى بشكل منهجي، أو أحيانًا بعد فوات الأوان، ففي عام 2023، ارتفع عدد شكاوى العنف الجنسي بشكل حاد، إلا أن نصف الضحايا قدّموا الشكاوى بعد أكثر من ستة أشهر من الحادثة، و١٧ بالمئة بعد أكثر من خمس سنوات (مقارنةً بـ 9 بالمئة في عام 2016.

 270 ألف امرأة كن ضحايا للعنف الجنسي
لفهم الوضع الراهن بشكل أفضل، أصدرت الحكومة الفرنسية تقريرًا سنويًا ثانيًا بعنوان "التجارب الشخصية وتداعياتها فيما يتعلق بالأمن"، يستطلع التقرير آراء عينة تمثيلية من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و74 عامًا في فرنسا حول الجرائم والانتهاكات التي تعرضوا لها خلال حياتهم.
العنف الجنسي يتزايد.

وبحسب آخر مسح أجراه مكتب الإحصاءات ونشر في نهاية عام 2023، تقول 270 ألف امرأة إنهن كن ضحايا للعنف الجنسي الجسدي (الاغتصاب ومحاولة الاغتصاب والاعتداء الجنسي)، في حين تقول 1.14 مليون امرأة إنهن تعرضن للعنف الجنسي غير الجسدي (التحرش الجنسي والتعرض غير اللائق) في عام 2022.

أما من لم يقدموا شكاوى، فقد شعروا بأن "الشكوى كانت ستكون بلا جدوى، وبالتالي، فإن البيانات التي تجمعها جهات إنفاذ القانون أقل منطقيًا من نتائج المسوحات التصريحية، لكنها لا تزال تُظهر زيادة سنوية، في عام 2023، سُجِّلت 114.100 شكوى رسمية تتعلق بالعنف الجنسي.

في سياق القدرة على التحدث بصراحة، وهو ما أصبح أسهل منذ عام 2017 بفضل حركة MeToo 0حركة مدنية للتعريف بخطورة ظاهرة التحرش) ، كان عدد ضحايا العنف الجنسي المسجلين في عام 2023 من قبل الشرطة والدرك أعلى بنسبة 7 بالمئة مقارنة بعام 2022، وهو ما يشمل أيضًا عدد الحوادث القديمة التي تم تسجيلها.

النساء القاصرات هن الضحايا الرئيسيات
من بين 114,100 ضحية عنف جنسي سجّلتها جهات إنفاذ القانون عام 2023، كان 65,300 منهم قاصرين، وكانت النسبة الأكبر منهم من الشابات، ومع ذلك، فإنّ الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و19 عامًا معرضون بنفس القدر لخطر التعرض للعنف الجنسي.

في المتوسط، تُقتل امرأة كل ثلاثة أيام على يد شريكها أو شريكها السابق، ووفقًا لتقرير عام 2023 الصادر عن البعثة الوزارية لحماية المرأة (MIPROF)، وترى بعض الجماعات النسوية أن هذه الأرقام مُقلَّلة من قيمتها الحقيقية. وقد أحصت مجموعة #NousToutes ما لا يقل عن 122 جريمة قتل للنساء في عام 2024.
 
منهج جديد للتربية "الجنسية"
بدءا من الموسم الدراسي (2025-2026) ستبدأ فرنسا تدريس منهج جديد فيما يرتبط بالحياة الجنسية والعلاقات في المؤسسات التعليمية، وقد بدأ هذا المنهج في إثارة الجدل مبكرا، وهو ما بدا واضحا في تصريحات رئيسة اتحاد الأسرة لودوفين دي لاروشير لقناة "سي نيوز" الإخبارية.

بحسب دي لاروشير، تقوم فكرة البرنامج على محاربة ما تعتبره "الصور النمطية" للجنسين واحترام الآخرين وترك الناشئة أن يكونوا كما يريدون تلقائيا، ومن دون توجيههم بخلفيات أيديولوجية مسبقة، ويبدأ تطبيق البرنامج منذ مرحلة رياض الأطفال عند سن الثالثة، وتعود لاروشير فتقول إن الأمر الإيجابي في البرنامج هو تعليم الأطفال المشاعر والعواطف، وهو ما ليس سائدا في منهج التربية الجنسية الحالي، مع التحذير من الإباحية ومخاطر شبكات التواصل الاجتماعي.

اظهار أخبار متعلقة


ومع ذلك ينطوي البرنامج الجديد على محاذير من شأنها أن تهدد النسيج المجتمعي الفرنسي لأنه يمنح سلطة أكبر للمؤسسات التعليمية على حساب الأسرة بمعزل عن انتماءاتها الثقافية، وينطلق البرنامج مثلا من فرضية الوقاية من "العائلات السيئة" دون تحديد لهذه الفئة من العائلات أو ما إذا كان القصد من ذلك العائلات المعارضة للعلاقات خارج الأطر التقليدية المتعارف عليها.

وحتى الآن لا تشير الدراسات -أو أنها تتغاضى- عن الأثر المتوقع لهذا البرنامج على النسيج الاجتماعي المتنوع ثقافيا في فرنسا، ولا سيما فيما يرتبط بالأقليات المهاجرة المنتمية إلى الجاليات المسلمة أو أيضا الكاثوليكية المحافظة، ولكن المتخصصة بالاقتصاد ومؤلفة كتاب "ثمن الرجولية" جينيفرا برساني، تشدد في إفادة لها لقناة فرانس 24 أن "المؤسسة التعليمية ليس لديها الحل لكل المشاكل" مشيرة إلى دور الأسرة والدين والتلفزيون في التربية الجنسية.
التعليقات (0)

خبر عاجل