أثارت السرقة الأخيرة لمتحف اللوفر، مخاوف جهات
مصرية، من سرقة آثارها، المنهوبة والمسروقة منذ عقود والموجودة في المتاحف الفرنسية،
وتكررت سرقات "اللوفر"، بشكل مثير وفي أزمات كان بينها سرق لوحة "الموناليزا" عام 1911، وبعد استعادتها تحطيم أحد الزوار لجزء منها عام 1956، ثم سرقة لوحة "طريق سيفر"، عام 1998.
ومؤخرا تكررت محاولات سرقة آثار من متاحف فرنسية، ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، اقتحم لصوص متحف "أدريان دوبوش" في ليموج (جنوب غرب)، وسرقوا أعمالا خزفية بـ"11 مليون دولار".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، سُرقت 7 قطع من متحف "كونياك جاي" بباريس، ليداهم في الشهر نفسه لصوص متحف "هييرون" في بورغندي، (وسط شرق
فرنسا)، لسرقة أعمال فنية تعود للقرن الماضي.
وهي الوقائع التي سبقها في آب/ أغسطس 2023، سرقة 2000 قطعة أثرية من "المتحف البريطاني"، وسرقة أكبر مجموعات الكنوز الملكية في أوروبا، من "الخزنة الخضراء" بمتحف "غرونيس غيفولبه"، بقلعة درسدن، بألمانيا، تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.
وسط تلك الموجة من السرقات الناجحة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، تثار المخاوف من تعرض الآثار المصرية للنهب بمتاحف أوروبا وأمريكا، أو أن يطالها إهمال أو تدمير، كما وقع لعدد كبير من القطع المصرية النادرة في "المتحف الوطني" بالبرازيل.
وتعرض ذلك المتحف لحريق هائل في 2 سبتمبر/ أيلول 2018، ودمر حوالي 20 مليون قطعة أثرية بينها أحفوريات وأقدم رفات بشرية مكتشفة في الأمريكتين، ونحو 700 قطعة أثار مصرية.
خبراء آثار مصريين، أكدوا أن حادث "اللوفر" الأخير فرصة ثمينة لمصر للمطالبة بحقها في استعادة الآثار المصرية من
باريس، التي يربو عددها عن 55 ألف قطعة أثرية -وفق بعض المصادر- أو على الأقل المشاركة في حمايتها وتأمينها استنادا إلى المعاهدات الدولية لحماية التراث الإنساني، وعلى رأسها اتفاقية "اليونسكو" عام 1970، لمكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار.
وتأتي تلك المطالبات باستعادة الآثار المصرية المنهوبة والمسروقة والمهربة للخارج في الوقت الذي تقوم فيه مصر مطلع الشهر المقبل بافتتاح المتحف "المصري الكبير"، بحضور قادة العالم، كأكبر متحف بالعالم مُخصص لحضارة واحدة، بمساحة 491 ألف متر مربع وبتكلفة مليار دولار، لعرض 100 ألف أثر.
تمنحنا حجة قوية.. ولكن
"عربي21"، تحدثت إلى عالم المصريات وزير السياحة المصري الأسبق زاهي حواس، لسؤاله: كيف تستفيد مصر من أزمة سرقة متحف "اللوفر" في استعادة آثارها؟، ليجيب بقوله إن "الأمر ليس بهذه السهولة، بأن نطلب فتستجيب الدول"، داعيا لـ"التركيز على استرداد 3 قطع هامة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا".
وأضاف: "هناك وثائق وضعناها بحملة توقيع عبر الإنترنت نالت اهتمام نصف مليون شخص تطالب باستعادة (زودياك السماء) أو (القبة السماوية) من متحف اللوفر"، موضحا أنه "الآن وبعد حدوث هذه السرقة سيصبح لنا حجة كبيرة في المطالبة بها".
و"القبة السماوية"، عبارة عن نقوش بارزة توضح الأبراج الفلكية والنجوم، نُقشت على سقف "معبد دندرة" بقنا (جنوب الصعيد)، على حجرين سمك كل منهما 90 سم، قُسمت 36 مجموعة تضم 36 برجا نجميا، اكتشفها الجنرال الفرنسي "ديزيه" أثناء الحملة الفرنسية على صعيد مصر (1798- 1801)، وتم نشرها ونقلها لباريس بعهد محمد علي، عام 1820.
ويلفت حواس، أيضا، إلى أن "هناك أيضا، مطالبة باستعادة تمثال الملكة نفرتيتي (القرن 14 ق.م والأسرة 18)، من متحف (برلين) بألمانيا، عبر وثيقة وحملة توقيع عبر الإنترنت أيضا لاسترداده".
ويرى أنه "علينا الآن أن نركز أن المتحف البريطاني الذي يحوي (حجر رشيد)، تمت سرقة 2000 قطعة أثرية منه العام الماضي"، ملمحا إلى أهمية حجر رشيد "مفتاح فك رموز الكتابة الهيروغليفية"، والذي اكتُشف عام 1799.
وأضاف الوزير السابق: "وهذا هو متحف (اللوفر) -به 200 ألف قطعة- سرق منه في وضح النهار 8 قطع أثرية من أندر القطع الخاصة بالعصر الإمبراطوري الفرنسي، وأهم القطع المصرية به (القبة السماوية)"، مؤكدا أن "هذا يمنحنا حجة قوية جدا".
القانون الدولي وسارقي الآثار
وفي إجابته على سؤال "عربي21": "هل تأتي قوانين الآثار لصالح مصر، وهل العالم يدعم
القاهرة بهذة المطالبة، وخاصة منظمة (اليونسكو) التي فاز برئاستها المصري خالد العناني، الشهر الجاري، قال حواس: "لا توجد قوانين تدعمني إطلاقا واليونسكو تقف إلى جوار سارقي آثارنا".
وأوضح أن "القوانين التي أقرتها المنظمة تضمن حقوق (حرامية آثار مصر) حيث تقول إن ما تم تهريبه من آثار للخارج قبل عام 1970، ليس من حقك استرداده"، معتبرا أنه "قرار مجحف جدا"، مبينا أن "كل القوانين ضدنا ولا يوجد قانون دولي يعطينا الحق في استرداد آثارنا من الخارج".
وقال الوزير السابق للآثار عام (2011): "عندما توليت منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار أنشأت إدارة الآثار عام 2002، وما تم استرداده عبرها تم بـ(الذراع) وليس بالقانون"، في إشارة إلى استخدام ضغوط كبيرة لاستعادة بعض الآثار التي ثبتت سرقتها.
ماذا عن المقابل المالي؟
وعن إمكانية مطالبة مصر بالحصول على مقابل مالي من عرض آثارها بالمتاحف العالمية، أكد حواس، أنه "لا توجد قوانين تقول بهذا؛ وطالما خرجت تلك الآثار قبل عام 1970، لن يلتفتوا إلى مطالبنا ولن يردوا عليها".
وشدد على ضرورة أن "يكون لديك قانون دولي يقول بعودة الآثار المسروقة والمهربة للخارج إلى بلدها الأصلي وهي هنا مصر؛ بعدها يمكن المطالبة بتعويضات مالية، والكل يقول هذا الكلام الإنشائي الذي لن يرق للتنفيذ".
فرصة ثمينة
وفي تعليقه على واقعة سرقة متحف "اللوفر"، قال الأكاديمي المصري والخبير الأثري الدكتور حسين، دقيل، إنه "يمكن أن يكون فرصة ثمينة لمصر للمطالبة بحقها على الأقل في المشاركة في تأمين القطع المصرية المعروضة بجناح الآثار المصرية باللوفر".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "إبان حريق المتحف الوطني بالبرازيل عام 2018، الذي أتى على 700 قطعة مصرية فريدة؛ طالبنا، باستغلال الحدث للمطالبة بحق تأمين آثارنا، لكن شيئا لم يتحقق، ولو أن الخطوة اتُّخذت حينها، لكانت بداية حقيقية بمسار استعادة آثارنا".
وحول كيفية استفادة مصر من واقعة "اللوفر"، أكد أنه "عبر المواثيق الدولية، ومنها لليونسكو عام 1970، وما تلاها، نستطيع الاستفادة من بعض بنودها؛ لكن لا يمكن الجزم بأن هناك مواد بها ستعطينا حقنا باسترداد آثارنا البالغة نحو 950 ألف قطعة من 42 متحف عالمي".
كيف خرجت من مصر؟
وأوضح أن "(اللوفر) وحده يقال أن به 55 ألف قطعة معروضة في الجناح المصري، الأهم هناك، والتي وصلت جميعها للخارج ليس في السنوات العشر الأخيرة فقط بل تمت أغلبها بطريق غير شرعية ممتدة لأكثر من قرنين مضيا".
وبين أن "الآثار المذكورة والمسجلة في اللوفر خرج أكثرها قبل عام 1970، حيث كان (القانون 117 لعام 1983)، أول تجريم مصري لتجارة الآثار، التي كانت متاحة قبل ذلك، وخرجت لتلك المتاحف كتجارة علنية ولدي أغلبها أوراق رسمية، ولمعالجة هذه النقطة طرق كثيرة".
وأشار إلى "ما تم إهدائه من آثار لملوك وحكام أوروبا منذ عهد محمد علي باشا -لتمكين حكمه- وخاصة بريطانيا وفرنسا، والتي استمرت في عصور ما تلاه من حكام، حتى وصلت بعهد أنور السادات وما بعده إلى إسرائيل نفسها وتعرض بمتحف (القدس)".
ولفت أيضا إلى "إهداءات جمال عبد الناصر، ومنها 5 معابد للدول التي ساعدت في إنقاذ (آثار النوبة) أثناء بناء السد العالي، وهي: معبد (دندور) لأمريكا المعروض بمتحف (المتروبوليتان) بنيويورك، ومعابد (ديبود) لأسبانيا، و(طافا) لهولندا، و(الليسيه) لإيطاليا، و(بوابة كلابشة) لألمانيا".
وتحدث أيضا عن دور "البعثات الأجنبية التي تعمل في مصر منذ 200 عاما في سرقة آثار مصر"، مؤكدا أنها "الأسوأ بهذا الأمر، وتصل الآن لنحو 250 بعثة أخرجت منذ الحملة الفرنسية وحتى عام 1983، آلاف القطع الأثرية النادرة رسميا".
وبين أن "قانونها يقول: إن ما تتحصل عليه من اكتشافات لآثار تتقاسمه الدولة صاحبة البعثة مع مصر"، مؤكدا أنها "حتى العام 1983 أخرجت نحو 350 ألف قطعة أثرية، موجودة الآن في متاحف بلدان ومدن وجامعات غربية".
إرادة حقيقية وإدارة رشيدة
دقيل، خلص للقول، إنه "من الممكن استغلال حادث سرقة (اللوفر) وما قبله، وحريق متحف البرازيل، بالحديث مع (اليونسكو)، للمطالبة بآثار مصر"، متوقعا أن "تلك الدول لن تعطينا آثارنا بهذه السهولة".
وأنهى حديثه مقترحا، أن "نبدأ بطلب المشاركة في حماية القاعات المصرية بشكل رسمي، ثم المطالبة بالحصول على جزء من دخل عرض تلك الآثار، ثم المطالبة باستعادة القطع المتكررة والمتشابهة"، مؤكدا أنه "أمر ينجح إذا وجد إرادة حقيقية وإدارة رشيدة".
مليون قطعة في 42 متحفا
وتُقدر تقارير وجود نحو مليون قطعة أثرية مصرية بـ42 متحفا عالميا، بينها "لوفر" باريس وبه نحو 55 ألف قطعة، و"المتحف المصري" ببرلين ويضم 80 ألفا، ومتحف "تاريخ الفن"، بالعاصمة النمساوية فيينا وبه أكثر من 12 أثر مصري.
وفي إيطاليا، "المتحف المصري" في (تورينو) ويضم 32.500 قطعة مصرية، و"المتحف الأثري الوطني" في فلورنسا وبه أكثر من 14 ألف أثر نادر من أزمنة تاريخية متعددة.
وبالمملكة المتحدة، "متحف بتري" في لندن وبه حوالي 80 ألف أثر مصري، و40 ألف قطعة بـ"المتحف الأشمولي" بأكسفورد، و"متحف العالم"، بليفربول وبه أكثر من 16 قطعة، ومتحف "مانشستر"، وبه عدد مماثل لمتحف ليفربول.
وفي أمريكا، يضم متحف "تحف الفنون الجميلة" في بوسطن 45 ألف قطعة مصرية، وعدد مماثل بمتحف "كيسلي لعلم الآثار" بمدينة "آن أربر" بميشيغان، ونحو 42 ألف أثر مصري بمتحف "جامعة بنسلفانيا"، و"المعهد الشرقي" بـ(جامعة شيكاغو) وبه 30 ألف قطعة، و"متحف المتروبوليتان للفنون" بنيويورك 26 ألف أثر مصري.
وإلى جانب متحف "أونتاريو الملكي" في تورنتو بكندا والذي يضم 25 قطعة مصرية، تشير التقديرات إلى أن مئات المتاحف الصغيرة والمتوسطة حول العالم تضم أقساما للآثار المصرية، ولذا لا يوجد عدد واضح لآثار مصر المعروضة بمتاحف العالم، والتي قد يكون هناك عدد يوازيها لدى محبي اقتناء الآثار وجامعي التحف، وصلت إليهم عبر التهريب.
وهناك 13 مسلة مصرية أثرية تقف بميادين روما وحدها، بينها مسلة "روما"، ومسلة "الفاتيكان"، بساحة القديس بطرس، ومسلة "لاتيران بساحة "سان جيوفاني" بروما، إلى جانب مسلة "الكونكورد" بباريس منذ عام 1833، ومسلة "كليوباترا" في وستمينستر بلندن عام 1878.
وتشير بيانات رسمية مصري مصدرها وزارة وزارة الآثار المصرية أن عدد القطع الأثرية المسروقة والتي اختفت من مخازن ومتاحف الآثار بلغ حوالي 32.638 قطعة أثرية تقريبا، قيمتها السوقية لا تُقدر بثمن ويتم تداولها بالسوق السوداء و المزادات العلنية بأوروبا
وبينما بيع رأس بنية اللون من حجر الكوارتزيت للملك "توت عنخ آمون" في مزاد علني بلندن بـ6 ملايين دولار لم تفلح مطالبات مصرية باسترداده، تُقدر حجم تجارة مافيا الآثار المصرية بعشرات المليارات من الدولارات سنويا، وأضعاف تلك المبالغ بسوق تجارة الآثار المصرية في العالم.