قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية، إن التفاصيل الغامضة للخطة الأمريكية بشأن إنهاء الحرب في غزة والمكونة من 20 بندا، سمحت بتفسيرات متناقضة من ترامب ونتنياهو، فيما تساءلت إن كان ذلك كفيلا بإنهاء الصراع، وأوضحت أن كِلا الطرفين حاول إظهار تأييده للخطة وفق تفسيره الخاص، مما يعكس أن الغموض المقصود منح اللاعبين هامشا واسعا للتأويل والمناورة السياسية، وهو ما قد يعوق إمكانية التطبيق العملي على الأرض.
اظهار أخبار متعلقة
لربما يبدوا ذلك أكثر وضوحا، عقب نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي "نروث سوشيال" خط الانسحاب الأولي لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، في إطار المرحلة الأولى لتنفيذ عملية تبادل الأسرى والمحتجزين، والتي تتيح للجيش الإسرائيلي من خلالها السيطرة على محور فيلادلفيا-رفح وتطويق مدينة غزة، بحسب صحيفة
يديعوت أحرونوت العبرية، والتي أكدت أنها تُشبه خطة الانسحاب الأولي المرسوم باللون الأصفر على الخريطة التي نُشرت الأسبوع الماضي، ضمن خطة الرئيس المكونة من عشرين نقطة، رغم أن الخريطة الجديدة أكثر تفصيلاً، وتظهر بوضوح أن رفح لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية، فضلا عن محور فيلادلفيا أيضًا، كما وأدرجت الخريطة بيت حانون ضمن المنطقة التي ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية.
ترامب يهدد حماس ويشيد بـ"إسرائيل"
ترامب الذي يسعى للحصول على جائزة نوبل بأي ثمن، واعطاء انطباع بأن أمريكا ما زالت تمسك بزمام الأمور، أصدر ترامب بيانًا جديدًا حذّر فيه حماس وطالبها بتجنب المماطلة، فيما أشاد بإسرائيل لامتثالها لمطلبه بوقف الهجمات على غزة - وهو في الواقع وقف إطلاق نار أحادي الجانب من جانبها - وأضاف: "على حماس التحرك بسرعة - وإلا ستُفشل كل مساعيها، لن أتسامح مع أي تأخير".

أما نتناهو الذي تفاجأ مرتين من احتفاء ترامب برد "حماس" على مقترح وقف إطلاق النار بحسب شبكة "
سي أن أن"، خصوصا أن رد الحركة لم يتضمن القبول ببقاء الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وهو ما دفعه لعقد اجتماعات طارئة لبحث الرد، إضافة إلى أن الخطة أطاحت أساسا "بقائمة أمنيات" حكومة نتنياهو وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، ورغم هذا ولتفادي الحرج، أصدر نتنياهو بيانًا مسجلًا قال فيه إن: "إسرائيل على وشك تحقيق (إنجاز عظيم) ستتمكن من خلاله من إعادة جميع الأسرى الثمانية والأربعين في غزة بعد عامين كاملين من الأسر ، مع بقاء الجيش الإسرائيلي متغلغلًا في عمق القطاع وفي المناطق التي يسيطر عليها".
وقال نتنياهو: "نتيجة للضغط العسكري المكثف الذي مارسناه، والضغط السياسي، اضطرت حماس للموافقة على الخطة التي طرحناها". وأضاف: "في المرحلة الأولى، ستفرج حماس عن جميع أسرانا، وسيتم إعادة نشر قوات جيش الإسرائيلي بحيث يسيطر على جميع المناطق التي يسيطر عليها في عمق القطاع".
وأضاف نتنياهو الذي يحاول أن يعيش ما يعتقده نشوة النصر، أن المحادثات تهدف إلى "التوصل للتفاصيل الفنية لإطلاق سراح الرهائن، قائلا: "إسرائيل والولايات المتحدة حريصتان على اختتام المفاوضات في غضون أيام قليلة، وترك الباب مفتوحًا أمام احتمال تجدد القتال".
حماس تركت مساحة للتفاوض
من جهتها، ركزت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية على رد حماس الذي لم يتضمن القبول ببقاء الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وبينت الصحيفة أن حماس ترفض معظم شروط الخطة لكنها تركت مساحة للتفاوض حتى لا تُتهم بالرفض المطلق.
بدورها لفتت صحيفة واشنطن بوست إلى أن الخطة المعدلة تضمنت عناصر من مبادرات عربية سابقة لكنها صيغت دون التشاور مع الفلسطينيين، وذكرت الصحيفة أن مسؤولين عرب أبدوا امتعاضهم من إدخال تعديلات في اللحظة الأخيرة خلال محادثات ترامب مع نتنياهو في واشنطن، قبل الإعلان عنها مباشرة عقب زيارة الأخير للبيت الأبيض، واعتبروا أن ذلك أضعف فرص قبولها عربيا رغم الترحيب المبدئي.
ترامب يحاول إنقاذ "إسرائيل" من العزلة
يحاول الرئيس الأميركي إنهاء الحرب في قطاع غزة بسرعة، ونقل عنه موقع أكسيوس تأكيده "اقتراب إبرام اتفاق سلام"، وفق وصفه، وأضاف ترامب للموقع الأميركي أن نتنياهو ليس لديه خيار آخر سوى أن يوافق على ما طرحه، قائلا إن فريقه حذره من تحفظات رئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن حين كلمه عبر الهاتف وافق على الخطة في النهاية، كما صرح ترامب لموقع أكسيوس أن الحرب في غزة عزلت إسرائيل دوليا، وأكد أن أحد أهدافه من إنهائها هو استعادة مكانة إسرائيل الدولية.
"إسرائيل" تخطط للبقاء في ثلاث نقاط استراتيجية بغزة
ولربما تحفظات حركة المقاومة حماس على خريطة الانسحاب التي طرحها ترامب مع قبولها المشروط للخطة، وما رافق ذلك من ارتباك إسرائيلي واهتمام إقليمي ودولي واسع بهذا الرد ومآلاته، رد وجد طريقة للقبول عقب ما كشفت عنه القناة 12العبرية بأن إسرائيل تعتزم الإبقاء على وجود عسكري طويل الأمد في ثلاث مواقع إستراتيجية داخل قطاع غزة وحوله، حتى بعد تنفيذ صفقة تبادل الأسرى والانسحاب التدريجي للجيش، بموجب خطة ترامب.
وذكرت أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن بتفاصيل خطة تتضمن بقاء الجيش في منطقة عازلة داخل حدود القطاع (لم تُحدد عمقها أو مساحتها)، ومحور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، ومنطقة تلة الـ70 المعروفة محليًا بـ"تلة المنطار"، الواقعة شرق حي الشجاعية في مدينة غزة، والتي تُعد موقعًا إستراتيجيًا يمنح سيطرة نارية وبصرية على مساحات واسعة من شمال القطاع بما فيها مدينة غزة ومخيم جباليا.
وزعمت الهيئة أن هذه النقاط الثلاث "تُعتبر حيوية لإسرائيل لأنها تمنحها تفوقًا ميدانيًا وقدرة على المراقبة والسيطرة"، مشيرة إلى أن واشنطن تتفهم الحاجة الإسرائيلية للبقاء فيها حتى بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الانسحاب.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب المصدر ذاته، فإن الجيش الإسرائيلي سيبدأ الانسحاب من مناطق القتال بعد استعادة جميع المحتجزين، على أن يبقى مؤقتًا على الخط الأصفر داخل القطاع، قبل أن يتراجع لاحقًا إلى الخط الأحمر بالتزامن مع دخول قوات أجنبية تعمل بتفويض أميركي لإدارة الوضع الأمني، وفي المرحلة الأخيرة، من المتوقع أن يتمركز الجيش على حدود القطاع، مع احتفاظه بالسيطرة على المحور الحدودي (فيلادلفيا) والتلة الإستراتيجية، بهدف منع أي تهديدات أمنية مستقبلية، وفق ما نقلته هيئة البث العبرية.
جيش الاحتلال يناور
هذا وأفادت إذاعة جيش الاحتلال، بأن الفرق الثلاث التي تناور في مدينة غزة، متوقفة حاليا في مواقعها، حيث لا تقدم على خط الجبهة، ولا انسحاب إلى الخطوط الخلفية. وشددت على أن الهجمات التي تم الإبلاغ عنها في غزة في الساعات الأخيرة هي هجمات تهدف إلى إزالة التهديدات للقوات، وكذلك لتحذير المدنيين الغزيين من العودة شمالا إلى مدينة غزة، وفق زعم إذاعة الجيش.
من جهتها، قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" نقلا عن مصدر سياسي إسرائيلي إن وقف العمليات الهجومية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة يهدف إلى تمكين حماس من البدء في الاستعداد لإطلاق سراح الأسرى.
خطة ترامب على طاولة شرم الشيخ
تسود حالة من الترقب قبيل انطلاق المفاوضات المرتقبة في شرم الشيخ بمصر الاثنين لبحث تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتبادل الأسرى وإنهاء الحرب على قطاع غزة التي توشك على دخول عامها الثالث.
ففيما ردت حركة حماس بالموافقة على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات مجددة تأكيدها الاستعداد لتسليم إدارة القطاع إلى هيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط)، ما تزال قضايا أخرى طرحتها الخطة الأميركية قيد النقاش.