سجل معدل التضخم في المملكة المتحدة 3.8 بالمئة في آب/أغسطس 2025، ليبقى الأعلى بين
الاقتصادات المتقدمة، متجاوزا مستوياته في الولايات المتحدة ومنطقة
اليورو، حيث أسهمت عوامل رئيسية مثل ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والخدمات، إلى جانب ضعف النمو الاقتصادي، في وضع بنك إنجلترا أمام تحد صعب لمنع بقاء التضخم عند مستويات مرتفعة على المدى الطويل.
انخفض التضخم في قطاع الخدمات، إلى 4.7 بالمئة من 5.0 بالمئة في الشهر السابق، بينما ارتفع التضخم في المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية إلى 5.1 بالمئة سنويًا.
وتراجع قليلا التضخم الأساسي الذي يستثني الطاقة، الغذاء، والتبغ، إلى 3.6 بالمئة من 3.8 بالمئة، لكن ما زال مرتفعًا أمام هدف البنك المركزي، وسجل الاقتصاد البريطاني 0.2 بالمئة نموًا خلال الربع الذي انتهى في تموز/يوليو، حيث وصفته وكالة "رويترز" بالنمو الاقتصادي الهزيل.
اظهار أخبار متعلقة
وأفادت وكالة رويترز بأن استمرار التضخم المرتفع يجعل من المستبعد أن يقدم بنك إنجلترا على خفض
أسعار الفائدة قريبا، مع ترجيحات بأن يبقي المعدل الرئيسي عند 4 بالمئة، مضيفة أن التوقعات تشير إلى بلوغ التضخم ذروته عند 4 بالمئة في أيلول/سبتمبر، مع احتمال بقائه أعلى من المستوى المستهدف البالغ 2 بالمئة حتى ربيع 2027.
وعلى سبيل المقارنة، ارتفع التضخم في الولايات المتحدة إلى 2.9 بالمئة وفي منطقة اليورو إلى 2.1 بالمئة، مما يجعل الفارق واضحا لصالح ارتفاع الضغوط السعرية داخل المملكة المتحدة.
وتشمل مكونات التضخم ارتفاع أسعار الغذاء والمشروبات غير الكحولية بنسبة 5.1 بالمئة على أساس سنوي، في حين تراجعت أسعار تذاكر الطيران، لكن صعود أسعار الوقود وخدمات الضيافة أسهم بشكل ملحوظ في رفع المعدل العام للتضخم.
يواجه بنك إنجلترا صعوبة في خفض سعر الفائدة حاليا مع بقاء التضخم عند 3.8 بالمئة في آب/أغسطس، وهو مستوى يفوق بكثير الهدف الرسمي البالغ 2 بالمئة، ما يدفعه إلى تبني نهج حذر تجاه خفض المعدلات المرتفعة، ويتوقع البنك أن يبلغ التضخم ذروته عند نحو 4 بالمئة، على أن يظل فوق المستوى المستهدف حتى ربيع 2027، وفقاً لتقرير مؤشر السياسة النقدية والتنبؤات الصادر عن بنك إنجلترا ومكتبة الأبحاث في البرلمان البريطاني.
ويتوقع تقرير سياسة بنك إنجلترا الأخير بأن ينخفض التضخم تدريجيا من ذروته، على أن يعود قريبا إلى المستوى المستهدف عند 2 بالمئة خلال الربع الثاني من عام 2027، إذا استمرت العوامل المؤثرة في التراجع تدريجيا دون عراقيل جديدة.
التأثير الاقتصادي
تراجع الناتج المحلي الإجمالي للبريطانيا إلى 0.2 بالمئة في الأشهر الثلاثة المنتهية في تموز/يوليو، ما يشير إلى ضعف عام في الاقتصاد، في ظل تضخم مستمر عند 3.8 بالمئة، ويقوض هذا التضخم المرتفع القوة الشرائية للمواطن البريطاني، خصوصا مع زيادة أسعار الغذاء والوقود والخدمات.
قالت وكالة رويترز إن أسعار العقارات في
بريطانيا تراجعت خلال آب/أغسطس بعد موجة من الارتفاعات السابقة، متأثرة بضعف الطلب وارتفاع تكاليف الرهن العقاري، إضافة إلى حالة عدم اليقين بشأن السياسات الضريبية المتعلقة بالقطاع، محذرة من أن الاقتصاد البريطاني لم يسجل أي نمو بين حزيران/يونيو وتموز/يوليو، فيما لم يتجاوز النمو الإجمالي للربع 0.2 بالمئة فقط، وهو ما يضع البلاد على حافة ركود تضخمي إذا استمر التضخم عند مستوياته المرتفعة دون تراجع.
وتقول بيتارت Redrow (Barratt Redrow plc) وهي شركة بريطانية كبيرة تعمل في تطوير وبيع العقارات السكنية، إن شراء المنازل تضغط عليه التضخم وارتفاع الفائدة.
لماذا يبقى التضخم في بريطانيا أعلى؟
سجل التضخم في بريطانيا 3.8 بالمئة خلال آب/أغسطس، متجاوزا 2.9 بالمئة في الولايات المتحدة ونحو 2.1 بالمئة في منطقة اليورو، ومتأثرا بتضخم الخدمات المرتفع، بالإضافة إلى نمو الأجور الأساسية، إلى جانب ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل والضيافة.
وتظهر البيانات بحسب "رويترز"، أن الفجوة في قطاع الخدمات على وجه الخصوص هي الأوسع منذ نحو عامين، إذ تبلغ في بريطانيا قرابة 5 بالمئة مقابل نحو 3.2 بالمئة في منطقة اليورو، وهو ما يُبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة ويعقّد مسار التيسير النقدي، ورفعت العراقيل التي أعقبت انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تكاليف التجارة والامتثال وأضعفت كثافة التبادل التجاري مقارنة بنظرائها في مجموعة السبع، ما زاد من تعقيدات الاستيراد، فيما أدى ضعف تمرير تراجع الجنيه إلى الأسعار بعد هبوطه الكبير منذ الاستفتاء إلى تفاقم مشاكل التضخم.
وأظهر تحليل لمراكز بحثية وبيانات صادرة عن البرلمان أن كثافة التجارة البريطانية ما زالت أدنى من مستويات ما قبل الجائحة، مع بقاء الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر للمملكة المتحدة، فيما وثقت دراسات أكاديمية اتساع تأثير تراجع الإسترليني على الأسعار.
اظهار أخبار متعلقة
وقال آلان تايلور، عضو لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، إن خطابات وتقارير البنك تحمل صدمات ما بعد الجائحة وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء جزءا كبيرا من القفزة في التضخم، مؤكدا أن تضخم الخدمات ما زال معقدا نتيجة سوق عمل ضيقة وضغوط الأجور.
وأشار إلى أن تحليلات البنك المركزي الأوروبي تبرز دور اللحاق بالأجور في تضخم خدمات المملكة المتحدة، فيما أشار إلى تقارير مهنية تؤكد أن اضطرابات الإيرادات الغذائية تواصل دفع الأسعار فوق المستوى المستهدف رغم تراجعها عن ذروة 2023.
الآثار على العملات الأخرى
وفي سياق متصل، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية 0.25 بالمئة ليصل إلى نطاق بين 4.00 بالمئة و4.25 بالمئة، وعلقت رويترز أن تراجع الإنفاق وضعف الثقة في الجنيه البريطاني بفعل التضخم المرتفع قد يدفع المستثمرين إلى اللجوء للدولار أو اليورو كملاذ أكثر أمانا، مما يزيد من تذبذبات العملة البريطانية أمامهما.
وأشارت إلى أنه مع إبقاء بنك إنجلترا على أسعار الفائدة دون خفض، في الوقت الذي تقوم فيه بنوك مركزية أخرى بخفض معدلاتها، يتسع فارق العائد بين الجنيه والدولار أو اليورو، وهو ما يُضعف جاذبية العملة البريطانية.
وفي الأسواق العربية، نعكس هذه التطورات على المتاجر والمستوردين الذين يفضلون التسعير بالدولار، حيث تستفيد العملات المرتبطة بالدولار من استقرار نسبي مقارنة بالولايات المتحدة، بينما تواجه العملات المرتبطة بالجنيه أو تلك الصادرة عن دول ذات معدلات تضخم مرتفعة ضغوطاً أكبر.
وتشير تحليلات ودراسات مستقلة، بينها بيانات من برنامج الأغذية العالمي ، إلى أن التضخم المستورد عبر تقلبات أسعار الصرف أصبح يتأثر إلى بعض الاقتصادات العربية، خصوصا في مؤشرات الغذاء والطاقة.
توقعات معدل الفائدة بعد استمرار التضخم المرتفع
أشار هو بيل، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، إلى وجود مخاطر كبيرة قد تدفع نحو الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، خصوصاً إذا تحول التضخم إلى ظاهرة مدفوعة بعوامل سلوكية ودائمة مثل التسعير والأجور.
وذكرت رويترز أنه من المتوقع أن يُبقي بنك إنجلترا سعر الفائدة عند 4 بالمئة لفترة طويلة، في ظل بقاء التضخم مرتفعاً عند نحو 3.8 بالمئة، مع ترجيحات ببلوغه ذروته في أيلول/سبتمبر قبل أن يتراجع تدريجياً حتى عام 2027.
وترى صحيفة "فايننشال تايمز" أن الاقتصاد البريطاني قد يواجه الركود التضخمي إذا لم تتراجع تكاليف الطاقة والغذاء، خاصة في ظل ضعف الإنتاجية، وهو ما يعزز الضغوط السعرية دون أن تتوفر للحكومة أو بنك إنجلترا قدرة كافية على تخفيف الأعباء بالسرعة المطلوبة.
ذكرت رويترز أن بنك إنجلترا قد يتجه إلى إبطاء وتيرة السياسة النقدية عبر تقليص حجم "بيع السندات الحكومية"، من نحو 100 مليار جنيه إسترليني سنويا إلى ما يقارب 67.5 مليار أو أقل، بهدف تخفيف الضغط على تكاليف الاقتراض والحفاظ على مستويات مناسبة من السيولة في السوق.
اظهار أخبار متعلقة
وفي وقت سابق، أشار بحث أكاديمية على موقع "أركايف" إلى أن النماذج الحديثة قد تتيح توقعات أكثر دقة لمسار التضخم مقارنة بالأساليب التقليدية، حيث انتقد أكاديميون قدرة بنك إنجلترا على التنبؤ بالتغيرات في الأجور وأسعار الطاقة، مطالبين بتطوير نماذج التنبؤ المالي لتشمل القيم السلوكية وتوقعات عامة أكثر مرونة في مواجهة التذبذب.