مقابلات

البرقاوي لـ "عربي21": ماكرون في مأزق سياسي وفرنسا بصعود اليمين المتطرف

فرنسا على شفا أزمة اقتصادية مزدوجة وفراغ سياسي- جيتي
فرنسا على شفا أزمة اقتصادية مزدوجة وفراغ سياسي- جيتي
يرى الدكتور أحمد البرقاوي، الأكاديمي المتخصص في الدراسات الجيوسياسية، أن الرئيس الفرنسي ماكرون في مأزق بسبب اضطراره للبحث عن خامس رئيس وزراء منذ إعادة انتخابه عام 2022، وفقدانه ثاني وزير أول يعينه منذ قراره المفاجئ وحل الجمعية الوطنية عام 2024، وهو ما يعتبره المراقبون في فرنسا خطأ سياسيا فادحا.

وأضاف خلال مقابلة خاصة مع "عربي21" أن هذه المبادرة فتحت الباب أمام فراغ سياسي أدى إلى انتخابات لم تسفر عن تشكيل حكومة أغلبية، مما أنتج حالة من الجمود السياسي.



كما أن إعلان رئيس الوزراء فرنسوا بايرو عن نيته في تمرير الثقة لبرنامجه الاقتصادي لسنة 2026 أمام البرلمان، كان خطأ آخر لأنه فتح الباب مجددا أمام حل البرلمان، وهو ما سيحمل رئيس الدولة مسؤولية تعيين وزير جديد أمام الشعب الفرنسي، بحسب البرقاوي.

وأشار إلى أن فرنسا تمر بمرحلة اقتصادية صعبة وتواجه ديونا كبيرة جدا مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن سياسة التقشف التي أراد فرنسوا بيرو تطبيقها لا تتناسب مع الوضع الاجتماعي في فرنسا، وهو ما عبر عنه الفرنسيون سابقا خلال احتجاجات السترات الصفراء.

وتابع البرقاوي، "رغم ذلك، يجد رئيس الوزراء، الذي ينتمي إلى اليمين المعتدل، نفسه مضطرا لتطبيق سياسة اقتصادية تقشفية لإنقاذ الوضع الاقتصادي الفرنسي، مما يجعله في مواجهة مع الرأي العام الفرنسي الذي يطالبه بسياسة بديلة لا تمس بالمعاشات".

وأكد أن فرنسا، دولة عريقة ذات تقاليد سياسية راسخة، وهي امتداد للجمهورية الخامسة التي أسسها ديغول. تمتلك الدولة مقومات تضمن استمراريتها وتمنع حدوث فراغ خطير قد يؤدي إلى الفوضى.

ويملك ماكرون حقا دستوريا يخول له مطالبة الوزراء بمواصلة عملهم، ومن ثم تعيين رئيس حكومة جديد (وزير أول وفقًا للمصطلحات الدستورية الفرنسية) وحتى العودة إلى صناديق الاقتراع سيناريو مطروح من قبل أغلب المكونات السياسية، وخاصةً الحزب اليميني المتطرف بزعامة ماري لوبان وحزب فرنسا الأبية اليساري بزعامة جون لوك ميلونشون، لإدراكهم أن حظوظهم في الفوز ستكون كبيرة في حال حل الرئيس البرلمان بحسب الأكاديمي.

لكنه أوضح أن هذا الأمر مستبعد لأن ماكرون غير مستعد للتكيف مع وزير أول من اليمين المتطرف، خاصةً مع مواقفه المؤيدة لروسيا في وقت يطالب فيه الرئيس بتشديد المواجهة مع موسكو.

إضافة إلى ذلك، سيضع هذا الخيار البلاد أمام خيارات صعبة جدا، فاليمين المتطرف يطالب بتنفيذ سياسة قمعية ضد المهاجرين في فرنسا وسياسة خارجية داعمة لبوتين في روسيا.

وفي حال فوز اليمين المتطرف في انتخابات مبكرة، فمن غير المستبعد أن يطالب بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي أو بتغيير تركيبة منظومة الاتحاد الأوروبي، مبينا أن استقالة ماكرون مطلب قدمه جون لوك ميلونشون، رئيس حزب فرنسا الأبية، ولكن من المستبعد أن يغامر رئيس الدولة باتخاذ هكذا قرار لما له من تداعيات أبرزها الفوضى.

ولفت البرقاوي، إلى أن فرانسوا بيرو يطمح للوصول إلى قصر الإليزيه، فبخلاف الوزراء الآخرين، لم ينقطع عن عمله في مكتبه، منهمكا في إعداد ملفه الرئاسي، إلا أن محاولته لكسب ثقة البرلمان كانت خطأ فادحا أضعف موقفه وجعل صورته غير محبوبة لدى بعض الفرنسيين، خاصة بعد الاتهامات بأنه كان يسعى للمساس بمعاشات محدودي ومتوسطي الدخل.

وتحدث البرقاوي عن تحول بيرو إلى شخصية مرفوضة حزبيا، حتى من قبل اليمين المعتدل. مع التهديد بإغلاق المرافق العمومية واستمرار عمل المرافق الخاصة، ستلقى التعبئة الشعبية المدعومة من النقابات صدى كبيرا على صورة جميع المرشحين لانتخابات عام 2027، بمن فيهم وزير الداخلية الحالي.

ويرجح البرقاوي، أن المعركة ستكون بين الأطراف الحزبية المتنافسة خاضعة لنتائج هذه الاحتجاجات، التي دعت إليها فرنسا الأبية واليمين المتطرف، في مقابل موقف متردد من اليمين المعتدل والحزب الاشتراكي واليسار.

وأردف أنه ليس من المستبعد أن يلجأ ماكرون إلى تكليف وزير أول من الحزب الاشتراكي وإعادة تشكيل حكومة من الأقليات بهدف إضعاف اليمين المتطرف. لا أعتقد أن الوضع الداخلي سيؤثر على القرارات الدبلوماسية والسياسية المتعلقة بالسياسة الخارجية الفرنسية، فهناك تقاليد راسخة منذ عهد ديغول الذي كان يطمح للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وختم قائلا، إن الموقف الجديد لماكرون يُحسب له لأنه حرك المياه الراكدة وأطلق ألسنة قادة أوروبيين وغيرهم من أمريكا الجنوبية، باستثناء القادة العرب الذين لن يحركوا ساكنا للأسف.

اظهار أخبار متعلقة



وصوّت البرلمان الفرنسي، الاثنين، على إسقاط حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، ما أفضى إلى تفاقم الأزمة السياسية في البلاد، وألقى على عاتق الرئيس إيمانويل ماكرون مهمة اختيار خامس رئيس وزراء في أقل من عامين.

ويأتي هذا التطور بعد تسعة أشهر فقط من تولي بايرو منصبه، البالغ من العمر 74 عامًا، ما يعكس هشاشة الاستقرار الحكومي والضغط المستمر على القيادة الفرنسية في مواجهة اقتصاد مثقل بالديون.

وقال مكتب بايرو إنه سيقدم استقالته، لتبدأ مرحلة جديدة من التشاور السياسي الحاسم في باريس، وسط مؤشرات على قلق الأسواق المالية تجاه الأزمة المالية والسياسية المتزامنة.

ويواجه الرئيس ماكرون تحديًا مزدوجًا، إذ فقد ثاني رئيس وزراء منذ قراره المفاجئ بحل الجمعية الوطنية عام 2024، ما أغرق البلاد في مأزق سياسي ومالي دون أن يضمن له البرلمان الجديد أي غالبية واضحة.

وأفضت الانتخابات المبكرة إلى برلمان منقسم بين ثلاث كتل، هي تحالف اليسار ومعسكر ماكرون ‏واليمين المتطرف، لا يملك أي منها الغالبية المطلقة. 

ويضغط حزب التجمع الوطني (يمين متطرف) نحو تنظيم انتخابات تشريعية جديدة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تقدم مرشحي الحزب وحلفائهم بنسبة 33%، متفوقين على المعسكر الرئاسي واليسار، مما يزيد الضغط على ماكرون في تشكيل إدارة جديدة.
التعليقات (0)

خبر عاجل