علوم وتكنولوجيا

لماذا تحاول الصين كبح جماح سوق السيارات الكهربائية؟

 بكين تواجه صعوبة في السيطرة على الطاقة الإنتاجية الإجمالية لصناعة السيارات- إكس
بكين تواجه صعوبة في السيطرة على الطاقة الإنتاجية الإجمالية لصناعة السيارات- إكس
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا يسلط الضوء المشاكل الهيكلية التي تعاني منها صناعة السيارات الكهربائية في الصين، والإجراءات التي بدأت تتخذها الحكومة الصينية لمعالجة الوضع. وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الصين تتصدر صناعة السيارات الكهربائية عالميًا حيث تنتج شركاتها أكثر من أي دولة أخرى، وتتفوق من حيث الابتكار، لكن هذه الصناعة تواجه تحديات هيكلية. 

وأوضحت أن المنافسة الشرسة بين نحو 50 شركة مصنعة أدت إلى انخفاض مستمر في الأسعار، فيما تكافح شركات تكبدت خسائر كبيرة لتسديد مستحقات مورديها. وتستمر موجة الاقتراض من البنوك الحكومية لزيادة القدرة الإنتاجية، ما أدى إلى فائض كبير يفوق قدرة السوق على الاستيعاب.

وحسب الصحيفة، فإن أكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية عالميًا، وهي "بي واي دي" الصينية، تأثرت سلبا بالمنافسة وانخفضت أرباحها بنحو الثلث في الربيع مقارنة بالعام الماضي.  وقد لفت هذا الوضع انتباه الحكومة الصينية، وأطلق الرئيس شي جين بينغ حملة ضد "المنافسة المنفلتة" بهدف تعزيز الانضباط في سوق صناعة السيارات الكهربائية.

وأسفرت المبادرة عن توافق 17 مصنعًا على دفع مستحقات الموردين خلال 60 يومًا، إلا أن تقريرًا حكوميًا لاحقًا أشار إلى أن ثلاثة شركات فقط، جميعها مملوكة للدولة جزئيًا أو كليًا، أنشأت أنظمة للدفع الفوري.

سباق للهيمنة
قالت الصحيفة إن سوق السيارات الكهربائية يشبه سوق الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، حيث تؤدي زيادة الإنتاج إلى خفض الأسعار. وتواصل الشركات بناء مصانع أكبر للحصول على حصة أكبر في السوق، حتى لو تطلب ذلك بيع السيارات بأسعار أقل من التكلفة. 

وقال بيل روسو، الرئيس التنفيذي لشركة "أوتو موبيليتي"، وهي شركة استشارية لصناعة السيارات الكهربائية مقرها شنغهاي: "هذا سباق للهيمنة، وليس سباقًا للربح". وكشف تقرير صادر عن شركة الاستشارات العالمية "أليكس بارتنرز"، أنه في العام الماضي، كان هناك 129 علامة تجارية تبيع سيارات كهربائية أو هجينة، لكن 15 منها فقط ستكون قادرة على الاستمرار ماليًا بحلول عام 2030.

وقال ستيفن داير، رئيس قسم السيارات في آسيا بشركة أليكس بارتنرز: "قد يستمر عدد أكبر من هذه العلامات التجارية، لكنها تحتاج إلى مستثمرين ذوي قدرات مالية كبيرة لضمان البقاء". ويثير تأخر المدفوعات القلق لدى البنوك من تكبد خسائر فادحة، بينما تضطر السلطات المحلية لتمويل الشركات المتعثرة، ما يضع ضغوطًا إضافية على القطاع المالي. 

وفي هذا السياق، صرحت أربع جمعيات لوكلاء السيارات، مقرها في منطقة دلتا نهر يانغتسي هذا الصيف: "يضطر الوكلاء إلى الترويج للمنتجات بأسعار أقل من التكلفة، مما يضر بمصداقية الصناعة وقدرتها على التطور المستدام".

صعوبة السيطرة على الإنتاج
وأوضحت الصحيفة أن بكين تواجه صعوبة في السيطرة على الطاقة الإنتاجية الإجمالية لصناعة السيارات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الشركات المملوكة للدولة ترفض تقليص حجم إنتاجها لتعويض النمو السريع للشركات الخاصة التي تنتج عددًا كبيرًا من السيارات الكهربائية والهجينة.

ويعدّ إغلاق المصانع المملوكة للدولة، التي تصنع سيارات تعمل بالبنزين، وتسريح العمال، من القرارات الحساسة على الصعيد السياسي، خاصة في صناعة بارزة مثل صناعة السيارات. وحسب الصحيفة، تشعر بكين بالقلق أيضًا لأن البنوك معرضة لاحتمال تكبد خسائر كبيرة إذا لم يتمكن المصنّعون وموردو قطع الغيار من سداد ديونهم. 

وباعتبار شركات السيارات من كبار مشغلي اليد العاملة في قطاع يُعد مصدر فخر للصين، فإن لديهم النفوذ الكافي لضمان استمرار تمويل خسائرهم، كما أن البنوك تخضع لتعليمات تنظيمية تلزمها بتقديم قروض لتقنيات الطاقة النظيفة.

تعزيز الابتكار
رغم هذه المشاكل الهيكلية، فإن المنافسة المحتدمة بين مصنعي السيارات الكهربائية في الصين تسهم -وفقا للصحيفة- في رفع مستوى الابتكار. وتوظف شركة "بي واي دي" نحو 120,000 مهندس، وهو ما يعادل تقريبًا كامل القوة العاملة في شركة "تسلا"، ويحصل المهندسون الشباب على أقل من 3,000 دولار شهريًا.

وتطرح "بي واي دي" سيارات مبتكرة، مثل سيارة الدفع الرباعي "باو 8" المزودة بطائرة مسيّرة يمكن أن تنطلق من سقف السيارة، ويتم التحكم بها من لوحة القيادة.

وهناك السيارة الرياضية الفاخرة "يانغ وانغ يو 9" ذات الدعامات الهيدروليكية التي تؤدي حركات راقصة، إضافة إلى مقاعد مصممة لتعزيز راحة الركاب. بينما تقدم شركة "جيلي" من خلال علامتها "زيكر" سيارات ميني فان فاخرة بمقاعد خلفية تتحول إلى أسرّة معزولة عن السائق.

وتؤكد الصحيفة أن هذه الابتكارات أسهمت في تعزيز مبيعات الشركات الصينية وترسيخ تفوقها على "تسلا" التي تواجه تراجعًا تدريجيًا في المبيعات نتيجة اعتمادها على نماذج قديمة، وغياب سيارة سيدان ميسورة الثمن، وفشل شاحنتها "سايبر تراك" في إيجاد مكان لها في السوق الصيني.

في هذا السياق، يقول بيل روسو، الرئيس التنفيذي لشركة أوتو موبيليتي: "مبيعات تسلا انخفضت منذ عام 2024، مما يشير إلى تراجع أدائها مقارنة بالسنوات الأولى، وهذا يجب أن يكون مصدر قلق لأنها تواجه ضغوطًا على صعيد أعمالها العالمية أيضًا".


التعليقات (0)

خبر عاجل