ملفات وتقارير

سر تصاعد القتل بأقسام الشرطة والبلطجة في الشوارع المصرية

حقوقيون أكدوا أن الشارع غير آمن والداخلية لا يوجد لها طريقة قانونية- الأناضول
حقوقيون أكدوا أن الشارع غير آمن والداخلية لا يوجد لها طريقة قانونية- الأناضول
شهدت مصر مؤخرا وقائع قتل جنائيين تحت التعذيب بأقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز، بالتزامن مع ما يعج به الشارع من أحداث عنف وبلطجة وترويع للآمنين وصلت حد القتل في غياب تام لقوات الأمن.

وتزامن ذلك إلى جانب الانتهاكات الحقوقية المتواصلة بحق المعتقلين السياسيين، يثير التساؤل حول أسباب تصاعد أحداث العنف ضد المصريين بأقسام الشرطة، وترك البلطجية بالشارع دون رداع، ودلالات ذلك الوضع، والرسائل التي تقف خلفه.

4 قتلى في الإسكندرية والقاهرة
وفي 16 آب/ أغسطس الجاري، وبقسم ثاني المنشية بمحافظة الإسكندرية، توفي المواطنان رمضان السيد حسن، ومحمد أحمد سعد، حيث جرى احتجاز الأول بدلا من شقيقه الهارب وسط تقارير حقوقية بتعرضه للتعذيب، فيما عانى الثاني من أزمة صحية رفضت السلطات استمرار احتجازه بالمستشفى ليفارق الحياة بسبب الإهمال الطبي.

وقبل واقعتي الإسكندرية بيوم واحد، شهد قسم ثاني شبرا الخيمة شمال القاهرة، وفاة الموظف بأحد البنوك وليد أحمد طه، ليوجه شقيقه لقوات الأمن الاتهام بقتله بعد ثمانية أيام من توقيفه إثر خلاف مع جاره، ومحاباة المتهم الثاني شقيق أمين شرطة بذات القسم.

وسبق تلك الوقائع الإعلان عن وفاة وائل يوسف خيري بشارة بقسم الهرم بالجيزة، 13 آب/ أغسطس الجاري، بعد القبض عليه بأسبوع، فيما تقول رواية الداخلية بوفاته إثر مشاجرة مع مسجونين آخرين.

وقالت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، إن "هذه الجرائم ليست تجاوزات فردية، وإنما سياسة ثابتة وممنهجة تُدار من أعلى هرم السلطة بوزارة الداخلية، ما يجعل المسؤولية المباشرة واقعة على الوزير اللواء محمود توفيق"، مطالبة بمحاكمته.

وتحدث الحقوقي المصري هيثم أبو خليل، مبينا أن المشكلة تكمن في عدم حساب المخطئ من البداية جاء النظام على الدماء وفي كل كوارث القتل الجماعي لم يحاسب أحد فعلى سبيل المثال سيارة الترحيلات لم يحاسب المجرم الحقيقي إذ حكم على المقدم عمرو فاروق بالسجن 5 سنوات قبل أن يعود لممارسة عمله، بينما تم الحكم على باقي الجناة بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ"، ملمحا إلى أن ذلك فتح الباب لعدم محاسبة الضباط على جرائمهم بحق المواطنين، حتى اليوم.

اظهار أخبار متعلقة


وحذر أبو خليل، من تصديق بيانات وزارة الداخلية التي تكررت مؤخرا حول "تصفية مواطنين" دون ذكر أسمائهم، والاكتفاء بوصفهم بأنهم "عناصر إجرامية، ملمحا إلى إعلان وزارة الداخلية، الثلاثاء، مصرع 8 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بالمنوفية، وقبلهم 7 في القليوبية و3 في قنا، مشددا على ضرورة إعمال القانون بتقديم تلك العناصر للمحاكمة وليس تصفيتهم.

ويلفت مراقبون إلى أن هذا الوضع يعني أن "شعب مصر أصبح بلا دولة، بلا قانون، بلا حقوق، بلا قضاء، بلا عدالة، بلا حماية، بلا أمان من أي نوع"، وفق تعبير الصحفي جمال سلطان الذي أضاف محذرا عبر "فيسبوك"، بأن "لها توابع وعواقب مخيفة إذا تعمقت واتسع نطاقها بالمجتمع".



مسؤولية من؟
ويشير آخرون إلى مسؤولية رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، عن تلك الأوضاع، ملمحين إلى أنه قرر في ولايته الأولى حماية المتورطين من أفراد الجيش والشرطة في جرائم قتل مدنيين في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، كما سمح في أيار/ مايو 2018، بعفو صحي من حكم جنائي بالمؤبد عن "إمبراطور الليل"، صبري نخنوخ، الذي تملك لاحقا أكبر شركة حراسات بالبلاد "فالكون"، أيلول/ سبتمبر 2023.

كما أكد البعض أن تلك الحالة من القتل بأقسام الشرطة تتناقض مع آخر تصريحات السيسي، لرئيس "الهيئة الوطنية للإعلام"، 10 آب/ أغسطس الجاري، والتي قال فيها: "لا يجب التنكيل بمن يرتكبون أخطاء ما من وجهة نظر مسؤول ما، ويجب أن يكون هناك فرصة للنقاش والحوار".

أوضاع معيشية وحقوقية قاسية
ووسط تلك الأوضاع، يعيش المصريون أزمة مالية متفاقمة، وارتفاع متواصل لأسعار الغذاء، وتراجع الدخل، وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه، وانتشار المخدرات بين الشباب، ما يحمله خبراء لسياسات حكومة السيسي، التي تعتمد على الاقتراض الخارجي وبيع الأصول وإقامة مشروعات غير ذات جدوى وتغول اقتصاد الجيش.

كما ينتقدون قيام السلطات ولمدة 12 عاما بغلق تام للمجال العام، وفرض القيود على الأحزاب والجمعيات والصحافة، وتكميم الأفواه واعتقال المعارضين، في وقائع مثيرة للجدل وصلت حد محاكمة مواطن بسبب "لايك" عبر فيسبوك، كانون الثاني/ يناير 2022.

ولا توجد أرقام رسمية بشأن عدد الوفيات بأقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز خلال حكم السيسي، لكن منظمات حقوقية وثقت 1176 حالة وفاة بأماكن الاحتجاز منذ 2013 وحتى الآن، لأسباب: "الإهمال الطبي المتعمد، والتعذيب وسوء المعاملة، والاكتظاظ الشديد بأماكن الاحتجاز".



اظهار أخبار متعلقة


ووفق إحصاء مركز "النديم"، عن الشهر الماضي، فهناك حالتي قتل خارج إطار القانون، و11 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز، فيما يشهد سجن "بدر3"، إضراب عشرات المعتقلين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين رفضا لأوضاعهم الصحية والقانونية.

ويشير حقوقيون لاستمرار معاناة بين 300 و400 سيدة وفتاة معتقلة، فيما أعاد بعض النشطاء نشر حديث سابق للمعتقلة عائشة الشاطر، قالت فيه: "أي قانون يقول أن أحبس وأنا امرأة في حبس انفرادي في زنزانة 180×180 سم دون دورة مياه وأحرم من الزيارة ورؤية أطفالي؟".



وفي رسالة تكشف عن حجم معاناة المعتقلين المصريين نقل حقوقيون عن المعتقل هشام ممدوح من حجز قسم شرطة الخليفة، قوله: "لو انتحرت محدش يزعل مني، سامحوني، أنا تعبان"، معبرا عن وضعه النفسي والصحي مع اعتقال لأكثر من 12 عاما.

بلطجة علنية وضرب بالنار والسيوف
وفي مقابل قسوة الأمن مع المصريين في الأقسام والسجون، يعيش المجتمع المصري أزمة حادة مع تصاعد أعمال البلطجة والخروج عن القانون والعادات والتقاليد.

وكشفت مؤخرا مقاطع مصورة عن واقعتي مطاردة شباب بسيارت على الطرق السريعة لسيارات أخرى تقودها فتيات أو يغلب على ركابها فتيات.

وقام مواطنون بتصوير مجموعة بلطجية في منطقة الخصوص الشعبية شمال القاهرة، في وضح النهار، مع إشارة في المنشور إلى صفحة وزارة الداخلية، وذلك إلى جانب ما كشفته إحدى المقاطع عن محاولات بلطجية السرقة العلنية في الشارع مع استخدام الأسلحة البيضاء (سيف كبير).



وتسبب الأولوية على المرور في الشوارع الكثير من الأزمات التي غالبا ما يكون أحد أطرافها سائق، متعاطي لبعض أنواع المخدرات، ليتحول الشجار إلى مواجهة دامية بالأسلحة البيضاء.

ووقع تبادل لإطلاق الرصاص في شوارع إحدى قرى الصعيد، في وضح النهار ووسط المارة، إلى جانب قيام بلطجي بترويع الأهالي بسلاح ناري وقتل أحدهم بمحافظة أسوان.

وكشف مقطع متداول عن سحل بعض المواطنين 3 من عناصر مخالفة للقانون، الأمر الذي انتقده متابعون واعتبروه مؤشرا خطرا يهدد السلم الأهلي ويلغي دور الشرطة ودولة القانون.



غياب متعمد وبلادة غير مسبوقة

وفي ردود فعل المصريين على تلك الأحداث، أكد بعضهم وبينهم رجال ونساء لـ"عربي21"، أن "غياب الداخلية عن الشوارع بهدف ضبطها هو السبب في انتشار البلطجة وتوزيع المخدرات علنا، وسيطرة شباب بالسلاح الناري وبالسنج والسيوف على المناطق الشعبية".

وألمحوا إلى "اهتمام الشرطة فقط بجمع الأموال من الشارع، عبر مخالفات المرور ومخالفات المحال التجارية ومخالفات فرش التجار السريحة بالشوراع".

وأشاروا إلى ما أطلقوا عليه "حالة البلادة لدى الناس إزاء تلك الجرائم خوفا من أن يطالهم أذى، والفرجة عليها دون القيام بدور، وتصويرها فقط، رغم أن التصوير يساهم في ضبط البلطجية".



منهج نظام يفتقد الرؤية

وفي تعليقه، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، ممدوح إسماعيل، إن "البلطجة والقتل في السجون وتعذيب المعتقلين السياسيين منهج وسياسة النظام الحاكم"، موضحا لـ"عربي21"، أن "نظام السيسى يفتقد للزعامة السياسية ولا يوجد بجانبه أصحاب فكر ورأى حر كي يقدم ومن معه رؤية سياسية فكرية للشعب تخرجه من حالة الاحتقان الشديد بسبب الغلاء والفساد والقهر".

وأضاف المحامي المصري: "بخلاف قضية فلسطين التي لا يستطيع النظام أن يواري فضيحته فيها؛ يعتمد على إرهاب السياسيين بتعذيب المعتقلين وإرسالها كرسالة لغيرهم، والبلطجية بالشارع أدواته ضد أي حركة رفض ومعارضة، ويتركهم بالشارع لبث الرعب في الشعب للتخويف والإرهاب كي ينكفئ على ذاته".

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن "أكبر بلطجي (نخنوخ) أخرجته الدولة من السجن وفتحت له ستار شكلي لتأمين البلطجة (شركة فالكون)، وليس وحده فيوجد عشرات البلطجية أمثاله ترعاهم الدولة، ولهم شركات أمن وأغلبهم أصحاب سوابق جنائية وعديمي الثقافة ومدمني مخدرات".

ويرى إسماعيل، أن "القتل بأقسام الشرطة رسالة أرسلها السيسى قبل الانقلاب بالتسريب الشهير وقوله إن (الضابط أحمد لن يحاكم مهما فعل)، فتم إطلاق يد الشرطة دون رقابة مقابل أن تحمي النظام".

وخلص للقول: "ما يحدث يمكن وصفه بأن مجموعة عسكر استولت على الحكم بالبلطجة، وتركت أتباعها بالشارع وبالأقسام والمعتقلات، ما يعني أنه نظام منقطع الصلة بالشعب ولا رصيد له ويفرض وجوده بكل صور القوة ليبقى بالحكم".

ضغوط اقتصادية ومخدرات

وفي رؤيته، قال الحقوقي المصري محمد زارع، لـ"عربي21": "البلطجة موجودة منذ فترات طويلة، وزادت مؤخرا ربما نتيجة للضغوط الاقتصادية وظهور أنواع جديدة من المخدرات جعلت الشباب أكثر عنفا، وربما عنصر تصوير تلك الجرائم ورفعها عبر مواقع التواصل أظهر الموضوع بحجمه الحقيقي الكبير".

وعما يحدث في السجون وأماكن الاحتجاز من تجاوزرات، أكد مدير "المنظمة العربية للإصلاح الجنائي"، أنه "موضوع قديم جديد، ووفيات السجون ليست وليدة اللحظة، ولكنها واقع دائم متكرر لنتائج مختلفة، وكل واقعة تُقدر بقدرها، كنتيجة عنف وتجاوزات مسؤولين، أو تجاوزات من مسجونين، والتكدس الشديد وعدم وجود تهوية، وعدم وجود علاج".

وخلص للقول: "الشارع غير آمن، ومشاكله تتزايد، والداخلية لا يوجد لها طريقة قانونية مائة بالمائة للتعامل مع المسجونين دون تجاوزات"، مبينا أن "هذا وضع غير طبيعي، لكن هذه قراءة الوضع القائم، والناس تعيش الأمرين مع البلطجة والمعاملة السيئة من شرطيين داخل وخارج أماكن الاحتجاز، ونتمنى أوضاعا أكثر انضباطا والتزاما بالقانون".
التعليقات (0)

خبر عاجل