قضايا وآراء

هانيبال القذافي في مأزق قانوني وإنساني.. من المسؤولية الفردية إلى المحاسبة العائلية

مجدي الشارف الشبعاني
"عدة إشكاليات قانونية ودستورية وسيادية، تُحتّم إعادة تقييمه من زوايا متعددة"- جيتي
"عدة إشكاليات قانونية ودستورية وسيادية، تُحتّم إعادة تقييمه من زوايا متعددة"- جيتي
في خطوة غير مفاجئة من حيث توقيتها ودلالتها، رفضت السلطات القضائية اللبنانية مؤخرا طلبا رسميا تقدمت به النيابة العامة الليبية للإفراج عن المواطن الليبي هانيبال معمر القذافي، المحتجز في لبنان منذ عام 2015، على خلفية قضية لا تتعلق به شخصيا، بل بصفته "ابنا لرئيس سابق".

الرد اللبناني، بحسب وسائل إعلام محلية، جاء عبر المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة، الذي شدد على أن التعاون القضائي بين البلدين محكوم بمذكرة تفاهم موقعة عام 2014، مؤكدا أن أي بحث في مصير القذافي مرهون بتقديم السلطات الليبية نسخة كاملة من ملف التحقيقات المتعلقة باختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه عام 1978، وهو الملف الذي لا تزال تفاصيله غامضة ومعقدة رغم مرور أكثر من أربعة عقود على الحادثة.

لكن هذا الموقف يثير عدة إشكاليات قانونية ودستورية وسيادية، تُحتّم إعادة تقييمه من زوايا متعددة، نوجزها في المحاور التالية:

أولا: الإطار القانوني للتعاون القضائي بين الدول

في غياب معاهدة ثنائية ملزمة لتسليم المجرمين بين ليبيا ولبنان، فإن مذكرة التفاهم القضائية لعام 2014 تظل وثيقة إجرائية تنظيمية لا ترقى إلى مستوى الاتفاقيات الدولية الملزمة وفقا لقواعد اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969). بل إن المذكرات من هذا النوع تتطلب تفعيلا سياسيا- قضائيا مشتركا، ولا تُفسر بمفردها كأساس كافٍ لرفض أو قبول طلب قضائي.

بل الأدهى، أن اشتراط الجانب اللبناني تسليم وثائق وتحقيقات غير متعلقة بالشخص المحتجز أساسا، يُعدّ مخالفة صريحة لقاعدة أساسية في القانون الجنائي الدولي: "المسؤولية الجنائية شخصية، ولا تُعلّق حقوق الفرد على ملفات سياسية لا صلة له بها".

ثانيا: عنف قانوني مغلف بالقانون
ما يحدث في ملف هانيبال القذافي ليس حالة قانونية عادية، بل هو تجلٍ خطير لتحويل منظومة العدالة إلى ساحة تصفية حسابات تاريخية، لا يحكمها القانون، بل تمليها الاعتبارات السياسية والإرث الثقيل

استمرار احتجاز هانيبال القذافي دون توجيه اتهام جنائي مباشر، وفي ظل غياب محاكمة عادلة أو إجراءات قانونية شفافة منذ أكثر من تسع سنوات، يدخل في باب الاعتقال التعسفي الذي يُجرّمه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادتان 9 و14) والذي انضم إليه لبنان كدولة طرف.

والأخطر من ذلك، أن تحويل ملف قضائي إلى أداة تفاوض أو ضغط بين دولتين على خلفية ملفات تاريخية، هو تسييس صارخ للعدالة، ويمثل انحرافا عن روح استقلال القضاء وحياده.

ثالثا: العدالة لا تُبنى على المقايضة

إن ما يحدث في ملف هانيبال القذافي ليس حالة قانونية عادية، بل هو تجلٍ خطير لتحويل منظومة العدالة إلى ساحة تصفية حسابات تاريخية، لا يحكمها القانون، بل تمليها الاعتبارات السياسية والإرث الثقيل.

وإذا كانت السلطات اللبنانية متمسكة بتحقيق العدالة في قضية الإمام موسى الصدر، فإن السبيل ليس عبر احتجاز أبناء الخصوم، بل بالشفافية، وطلب التعاون وفق قواعد قانونية لا انتقائية.

وفي المقابل، على الدولة الليبية ألا تكتفي بالمخاطبات الثنائية، بل تسلك كافة السبل القانونية الدولية التي تحفظ كرامة مواطنيها، وتُثبت للعالم أنها دولة تحترم القانون، وتدافع عن رعاياها حيثما كانوا.

رحم الله الإمام موسى الصدر، وكل ضحايا الظلم والتغييب القسري، وأعاد الله ميزان العدالة إلى نصابه، حيث يكون القانون هو الحَكَم، لا الماضي ولا السياسة.
التعليقات (0)

خبر عاجل