سياسة عربية

صناديق استثمار عربية "تبخّس" بأصول مصرية.. توجه حكومي لطرح المطارات بديلا للشركات

بعض الدول افتعلت أزمة سابقا للحصول على استثمارات بقيمة متدنية- جيتي
بعض الدول افتعلت أزمة سابقا للحصول على استثمارات بقيمة متدنية- جيتي
تواجه طروحات الحكومة المصرية لشركاتها وأصولها العامة أزمة جديدة بتقييمها من قبل شركات وصناديق عربية بأقل من قيمها الحقيقية، ما يذكر بأزمة مماثلة افتعلها مستثمرون خليجيون عام 2023، بإصرارهم على تقييم الأصول بالعملة المحلية لا الأجنبية، والتي كانت سببا في ركود الطروحات المصرية حينها.

وتتوقع الحكومة المصرية جمع ما بين 4 مليارات و5 مليارات دولار من خلال بيع حصص في 11 شركة مملوكة للدولة خلال العام المالي (2026/2025)، في إطار برنامج الطروحات الحكومية، حسب مصدر حكومي لنشرة "إنتربرايز"، في 8 أيار/ مايو الجاري.

"تبخيس خليجي"

والسبت، أعلنت صحيفة "الشروق" المحلية عن تراجع الحكومة المصرية، عن الاتجاه لطرح الشركات ضمن برنامجها للطروحات الحكومية، واستبدالها بالمطارات خلال الوقت الحالي، وذلك بعد أن تلقت عروضا غير مرضية، وأقل من القيم العادلة للشركات المعروضة للبيع، لافتة إلى أن عروض الشركات معظمها من صناديق عربية وأقل من القيم العادلة لتلك الأصول.

كما كشفت الصحيفة عن أن هناك عزوفا من قبل الصناديق الأجنبية عن المشاركة في الطروحات المصرية بسبب ما يحدث من توترات اقتصادية عالمية جعلت تلك الصناديق لا تخاطر بفوائض أموالها.

والعام الماضي، خططت القاهرة لطرح 10 شركات خلال 2025، بينها 4 مملوكة للقوات المسلحة وهي: وطنية"، و"شل أوت"، و"سايلو الغذائية"، و"صافي"، و"الشركة الوطنية للطرق"، بالإضافة لمحطة "رياح جبل الزيت"، وشركة "الأمل الشريف للبلاستيك"، و"مصر للصناعات الدوائية"، وشركة "سيد" للأدوية.

اظهار أخبار متعلقة



وفي آذار/ مارس الماضي، عقدت "مؤسسة التمويل الدولية" اتفاقا مع الحكومة المصرية على تطوير 11 مطارا مصريا بالمشاركة مع القطاع الخاص، هي: "سفنكس"، و"شرم الشيخ"، و"برج العرب"، و"الأقصر"، و"أسوان"، و"سوهاج"، و"أسيوط"، و"أبوسمبل"، و"العلمين"، و"مرسى مطروح".

ومن المقرر أن تبدأ تلك الخطة بعرض مطار الغردقة بالمدينة السياحية الواقعة على البحر الأحمر، على القطاع الخاص بالربع الأخير من العام الحالي، ووفق تصريحات حكومية فإن الأمر "لا يندرج تحت بيع الأصول بل ضمن خطة لتطوير المطارات".

"تعثر سابق"

وتعثرت العديد من الطروحات المصرية مؤخرا، لخلاف حول تقييمها، ومنها في 17 أيار/ مايو الجاري، قرار بوقف بيع 45 بالمئة من "بنك القاهرة" بشكل مباشر بعد تلقي الحكومة عروضا متدنية بـ1.5 مليار دولار أبرزها من بنك "دبي الوطني"، بينما تقدر مصر الصفقة بأكثر من ملياري دولار، ما دفعها لإعلان طرح حصة بين 30 و35 بالمئة من البنك بالبورصة تموز/ يوليو المقبل، بحسب موقع "المنصة" المحلي.

وفي ذات السياق، تدرس الحكومة المصرية طرح حصتها البالغة 20 بالمئة في "بنك الإسكندرية" في البورصة، في تموز/ يوليو المقبل، بعد تعثر مفاوضاتها مع مجموعة "إنتيسا سان باولو" الإيطالية، المالكة لـ80 بالمئة من البنك، بشأن تقييم الصفقة.

وبعد تعثر لأكثر من مرة في بيع "المصرف المتحد" التابع للبنك المركزي المصري، بشكل مباشر نظرا لضعف العروض المالية، توجهت الحكومة المصرية لطرح حصة 30 بالمئة منه بالبورصة جمعت من خلالها الحكومة نحو 92 مليون دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وفي 11 أيار/ مايو الجاري، توقفت مفاوضات استحواذ شركة "أكتيس البريطانية" على 70 بالمئة من محطة "سيمنس" للكهرباء في بني سويف، (جنوب القاهرة)، بعد تعثر "بنك إتش إس بي سي" في الحصول على موافقة المؤسسات والبنوك الألمانية التي مولت تدشين المحطات الثلاث في مصر عام 2018.

"الجانب الخفي"

وفي قراءته لخبر توجه مصر لاستبدال بيع شركاتها أو حصص منها بطرح المطارات لضعف العروض الخليجية، وما يشير إليه من حالة استغلال الصناديق العربية حاجة القاهرة للمال لبخس قيمة أصولها العامة، تحدث الخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد البهائي، لـ"عربي21"، متطرقا لاحتمال أن يكون فشل خطة طرح الشركات سببا في تحويل خطط تطوير المطارات مع القطاع الخاص إلى خطط للبيع للعرب والأجانب.

وقال البهائي: "تلك القضية يجب النظر إليها من جانبها الخفي؛ وما نخشاه أن تكون الحكومة المصرية بسبب ضعفها وقلة خبرتها وعدم امتلاكها لرؤية القرار أن تشارك في المنظور الخفي".

ولفت إلى أن "المراد هنا هو تصفية الدولة، واستقرارها اقتصاديا في يد مجموعة من الصناديق والشركات والمستثمرين الخليجيين لينتهي بها المطاف في يد الرأسمالية الاحتكارية الأجنبية المتعددة الجنسيات".

وأوضح أنه "لم يعد الاحتلال بالجيوش هو سقوط الدول؛ بل بالنفوذ القائم على الاستحواذ، والامتيازات، ورؤوس الأموال الأجنبية، والديون، والاحتكارات".

وقال الخبير المصري: "لنعرف أن تلك الصناديق بمفهومها الواسع وما تريده هو تملك الأراضي المصرية، والتحكم في آلاف الكيلومترات من الأراضي، وما يشمل ذلك من العقارات، والموانئ وليس الشركات أو تشغيل المطارات أو ما يشبهها من الأصول".

وتابع: "طالما أن تلك الشركات والأصول المطروحة لا تمكنهم من احتكار المرافق المصرية التي لها صفة المنفعة العامة أي المنافع وثيقة الصلة بحياة الشعب".

ولفت إلى أن "صفقة (رأس الحكمة) للإمارات، مثال على ذلك، وما تخصص لها من 170 مليونا و800 ألف متر مربع، كذلك استحواذ أبوظبي على حصة 40.5 بالمئة من شركة (أيكون) التابعة لمجموعة طلعت مصطفى، التي تمتلك حصصا كبيرة في 7 فنادق مصرية تاريخية، كل ذلك يضاف إلى محفظة أراضي تقدر مساحتها بـ16 مليون متر مربع".

وخلص للقول: "إذا فما يحدث هو مخطط له أهدافه؛ بجانب ما سبق ذكره أيضا من إغراق مصر بالبناء والتشييد الفاخر، كما يحدث الآن تحت كثير من المسميات حتى تحدث الفقاعة العقارية تقوم تلك الصناديق وجهاتها بموجب القانون تكوين شركات رهن عقارية من خلالها تقوم بانتزاع ملكيات مساحات خيالية من الأراضي المصرية".

ومضى يؤكد أن "المخطط هدفه أن تكون ثلثي رؤوس الأموال الأجنبية في مصر موجة لهذا الميدان وحده".

ويمتلك المستثمرون الإماراتيون نحو 16 بالمئة من محفظة الأراضي في القاهرة للشركات المطروحة في البورصة، وفق دراسة لـ"مرصد العمران"، وذلك إلى جانب تعاظم الاستحواذات الإماراتية مؤخرا على أراضي السواحل الشمالية للبلاد بمرسى مطروح والعريش وبورسعيد.

"كي لا نبيعها بخسا"

وفي رسالة، وجهتها أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتورة علياء المهدي، للحكومة المصرية، قالت: "إذا كنا مصرين على برنامج الطروحات فلنكن رشداء في تنفيذه"، مشيرة إلى أن طلب صندوق النقد "تقليل وزن المؤسسات العامة في النشاط الاقتصادي ليس معناه التخلص من الشركات بالبخس وبلا قيد ولا شرط".

وأضافت عبر "فيسبوك": "يجب أن يتم البيع أو حق الانتفاع بشكل منظم ومقنن ومفيد للشعب المصري، قبل أن يكون مفيدا للحكومة والصندوق والمشترين"، داعية إلى عدة إجراءات هامة منها: "دعوة 3 شركات مستقلة لتقييم كل أصل من الأصول وأن يتم الاستقرار على أفضل التقييمات"، و"طرح جزء من الأسهم لا يقل عن 30 بالمئة في البورصة للجمهور خاصة بحالة الشركات الكبرى ذات النشاط الاحتكاري".

وأكدت أنه "في حالة الإصرار على البيع لمستثمر رئيسي يكون البيع مقترن بعدة شروط أهمها: "ضخ استثمارات سنوية تقدر بقيمة متفق عليها خلال السنوات الخمس الأولي من الشراء"، و"ألا يتم بيع الأصل لأي مستثمر آخر قبل السنوات الخمس الأولي، وبدون موافقة الحكومة، وتكون أولوية الشراء للشركات المصرية".

وتابعت: "ألا يتم الاستغناء عن العمالة، بل يتم تدريبهم وتجديد العقود لهم وفقا لمقتضيات الحد الأدنى للأجر المحدد بواسطة الحكومة"، و"إعادة استثمار 20 بالمئة من الأرباح بعد دفع الضريبة داخل مصر".

وبينت أنه "في حالة عدم تنفيذ أي من الشروط السابقة يعتبر العقد مفسوخا تلقائيا، ويُسترد الأصل للحكومة أو الجهة البائعة"، مشددة على ضرورة أن "يكون البيع بنظام يضمن حقوقنا نحن الشعب، ويضمن ألا تقع أصولنا بيد أعدائنا في المستقبل"، قائلة: "ومعروف من هم أعداؤنا".



"قرار البيع وابتلاع مصر"

وتتوالى عمليات طرح الأصول والشركات العامة المصرية على مستثمرين أجانب والتي طالت إلى جانب مصانع لصناعات حيوية ذات أهمية للأمن القومي، مستشفيات، وفنادق، وموانئ، ومطارات، وأراضي استراتيجية.

وتعاظم التوجه الحكومي لبيع أصول وممتلكات مصر وشركاتها العامة، مع توجه حكومة القاهرة للاقتراض الخارجي، من صندوق النقد والبنك الدوليين ومن العديد من المؤسسات الدولية المقرضة ودول مثل الصين وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، إلى جانب دول الخليج العربي، ما فاقم الدين الخارجي للبلاد لأكثر من 160 مليار دولار، مع حلول آجال الكثير من القروض وأقساطها وفوائدها.

ومع حصول البلاد على أول قرض في عهد السيسي، من صندوق النقد الدولي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وما تلاه من تمويلات أعوام 2022، و2023، و2024، وتواصل المؤسسة الدولية دفع حكومة القاهرة للتخارج من قطاعات واسعة من الاقتصاد وتنفيذ خطة بيع الأصول العامة لصالح القطاع الخاص.

وفي إطار قرض المليارات الثمانية الذي أقره صندوق النقد الدولي للقاهرة في آذار/ مارس 2024، تضغط المؤسسة الدولية المقرضة لمواصلة بيع الأصول العامة.

وإزاء ضغوط الصندوق، ورغبة حكومية جامحة بالحصول على العملة الصعبة لتعويض عجز الدولار، جرى طرح أندر الأصول الحكومية وأكثرها ربحية، ما أثار شهية صناديق الاستثمار الخليجية وكبار المستثمرين الاستراتيجيين خاصة من السعودية والإمارات.

والجمعة، أكد بيان لبعثة صندوق النقد الدولي المتواجدة في القاهرة عدم انتهاء المراجعة الخامسة لاقتصاد مصر في إطار قرض المليارات الثمانية، إلا بتسريع وتعميق خروج الدولة من الاقتصاد، وتحسين بيئة الأعمال، وتكافؤ الفرص أمام القطاع الخاص، وذلك لموافقتها على صرف الشريحة الخامسة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار.


وأطلقت الحكومة المصرية في الربع الأول من 2023، برنامجا لطرح حصص فيما يصل إلى 40 شركة وبنكا موزعة على 18 قطاعا حتى كانون الأول/ ديسمبر 2024، فيما نفذت بالثلاث سنوات الماضية، 21 صفقة مقابل 6 مليارات دولار، كما أنها قامت منذ آذار/ مارس 2022 حتى حزيران/ يونيو 2024، بـ33 عملية بيع كلي أو جزئي لأصول حكومية، بإجمالي عائدات نحو 30 مليار دولار.

"أحدث إجراءات البيع"

وفي آذار/ مارس الماضي، جرى الإعلان عن خطة لنقل الشركات المملوكة للدولة إلى صندوق مصر السيادي، بضم نحو 370 شركة حققت أرباحا — أي أكثر من نصف إجمالي الشركات المملوكة للدولة والبالغ عددها 709 شركات- لإعادة هيكلتها، وجذب شركات القطاع الخاص، وربما طرحها للاكتتاب العام.

وخلال السنوات الماضية تتواصل عمليات ابتلاع ممتلكات الدولة المصرية من قبل الصناديق والشركات العربية وخاصة منها الإماراتية والسعودية، فيما أثارت أحدث الخطوات الإماراتية في هذا الإطار الجدل، خاصة وأنها تطال قطاع هام يتبع الامبراطورية الاقتصادية للجيش المصري.

والخميس الماضي، أعلنت شركة جيوان" الإماراتية رفع عدد الفنادق التي تديرها في السوق المصرية إلى 20 منشأة بحلول عام 2028، بعد تعاقدها على إدارة وتشغيل 5 فنادق تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش بعقود تمتد حتى 10 سنوات.

الشركة الإماراتية تسلمت بالفعل 4 فنادق تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية في مدينة العلمين، وخلال أيام تتسلم فندق توليب في حي مدينة نصر شرق القاهرة.

اظهار أخبار متعلقة



وفي 4 أيار/ مايو الجاري، وقعت مجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية، اتفاقية مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لتطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية على مساحة 20 كيلومترا مربعا، بالمدخل الشمالي لقناة السويس وبجوار ميناء بورسعيد، لمدة 50 عاما قابلة للتجديد، مع نسبة أرباح مصرية ضعيفة 15 بالمئة من الإيراد سنويا غير قابلة للزيادة.

وردا على انتقادات مصرية لهذا الاتفاق فجر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولى، جدلا آخر بإعلانه أن العقد المثير هو عقد بنظام المطور الصناعي، وليس هو العقد الوحيد بل هناك 14 مطور صناعي بهذا النظام بالمنطقة الاقتصادية بقناة السويس، ما فقام مخاوف المصريين على مستقبل القناة.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، وقعت موانئ أبوظبي المملوكة لصندوق أبوظبي السيادي "أيه دي كيو"، مذكرة تفاهم مع وزارة النقل المصرية للتطوير وإدارة مجمع لوجستي بميناء الإسكندرية على مساحة 1.1 كيلومتر مربع، حيث يمر عبر ميناء الإسكندرية 60 بالمئة من التجارة الخارجية لمصر.

وفي نيسان/ أبريل الماضي، قالت صحيفة "البورصة" المحلية، إن صناديق استثمار سعودية وإماراتية وكويتية وقطرية، وصندوق لدولة أجنبية، تتفاوض لشراء حصص استراتيجية بمستشفيات حكومية وشركات أدوية طرحت أخيرا –دون الكشف عن أسمائها-، فيما يصل متوسط كل صفقة ملياري جنيه (39 مليون دولار).

وفي خطوة كويتية نحو الطروحات المصرية، أجرت الشهر الماضي مجموعة "بوخمسين القابضة" الكويتية مفاوضات مع القاهرة بشأن الاستثمار بمشروع فندقي وشقق فندقية، ومشروع تجاري، بما بين 30 و 40 مليار جنيه، فيما تعتزم الاستحواذ على شركة سياحية مصرية عملاقة بصفقة تقدر بـ4.9 مليار دولار، ستكون الأضخم بقطاع السياحة المصري.

وفي 11 نيسان/ أبريل الجاري، حصلت شركة "ناس" الإماراتية على موافقة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في مصر، لتنفيذ عرض شراء إجباري للاستحواذ على 90 بالمئة من أسهم "سماد مصر – إيجيفرت"، لتتضاعف سيطرة الإمارات على هذا القطاع الحيوي في مصر.

وفي 14 أيار/ مايو الجاري، وقعت القاهرة وموسكو اتفاقية حق انتفاع طويلة الأجل (غير محددة المدة) تمنح الشركات الروسية حق الحصول على أراض داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإنشاء منطقة صناعية روسية، فيما ستتولى شركة روسية جرى تأسيسها حديثا في القاهرة إدارة المشروع، كما يحصل الجانب الروسي على الأرض هذا العام لبدء أعمال الإنشاءات دون مقابل لمدة 3 سنوات.
التعليقات (0)

خبر عاجل