سياسة عربية

ماذا وراء رغبة بعض قادة فصائل العراق في حصر السلاح بيد الدولة؟

تغيّر مواقف معظم قادة الفصائل العراقية حول نزع السلاح، أثار جملة من التساؤلات- جيتي
أعلن عدد من قادة الفصائل العراقية دعمهم عملية حصر السلاح بيد الدولة، في ظل ضغوطات واشنطن على بغداد بضرورة تفكيك المليشيات ونزع سلاحها، وسط ترحيب من الإطار التنسيقي الشيعي، بينما رفض فصيلان هذه الدعوات، مشترطين خروج القوات الأمريكية من البلاد أولا.

تغيّر مواقف معظم قادة الفصائل العراقية حول نزع السلاح، أثار جملة من التساؤلات، ولاسيما عن مدى مساهمة هذه الخطوة في إنهاء ثنائية الدولة واللادولة في العراق، أم أنها خطوة تكتيكية مرحلية الهدف منها تجاوز الضغوط الأمريكية التي وضعت فيتو على مشاركتهم في الحكومة الجديدة؟.

انقسام شيعي
على صعيد الفصائل، أطلق كل من زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، والأمين العام لحركة "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي، والأمين العام لـ"كتائب الإمام علي" شبل الزيدي، خطابات متطابقة نصت على أنهم حققوا فوزا كبيرا بالانتخابات، لذلك أصبحوا أمام مسؤولية أخلاقية بالانتقال إلى منطق الدولة وحصر السلاح بيدها.

كما أعلنت "كتائب سيد الشهداء" بزعامة أبو آلاء الولائي، انسجامها مع دعوات "حصر السلاح بيد الدولة"، فقد أكد المتحدث باسمها كاظم الفرطوسي، أنّها تأتي تأكيدا لحالة موجودة سابقا، ومبدأ ثابت هو أنّ "هذا السلاح لا يجب أن يخرج عن حدود الدولة".

ودعا زعيم "تيار الحكمة الوطني" عمار الحكيم القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي، إلى ضرورة أن يكون "السلاح بيد الدولة، اتساقا مع الدستور، بإرادة العراقيين وأحزابهم، وليس بإملاءات خارجية"، معبرا عن "رفضه لاستخدام السلاح خارج الدولة أداة للضغط على من يتخذ القرار".

وأكد الإطار التنسيقي بعد اجتماعه الدوري، الاثنين، موقفه الداعم لحصر السلاح بيد الدولة وفق مشروع وطني متكامل وآليات قانونية واضحة، بما يعزز سيادة الدولة ويحفظ الأمن والاستقرار ويخدم المصلحة العليا للبلاد.



والسبت، قال رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان إن قادة فصائل مسلحة (لم يسمّها) وافقوا على التعاون بشأن قضية حصر السلاح بيد الدولة، وفق بيان لمجلس القضاء.

وخلافا للموقف الشيعي هذا، أكدت كتائب "حزب الله" في بيان لها، أن "سلاح المقاومة سيبقى بيد المجاهدين، وأن "الحديث عن أي تفاهم مع الحكومة لن يكون إلا بعد خروج جميع قوات الاحتلال".

وفي موقف مشابه لما صدر عن "كتائب حزب الله"، علق المعاون العسكري لحركة "النجباء" عبد القادر الكربلائي، على ما وصفه بـ"استخفاف الاحتلال الأمريكي باتفاق سحب القوات" من العراق.

وقال الكربلائي في بيان له، إن "استخفاف الاحتلال الأمريكي باتفاق سحب القوات المزعوم، وإصراره على البقاء في العراق رغم كل الادعاءات والمطالبات بالمغادرة وتدخلهم السافر والمستمر في الشؤون الداخلية، كل ذلك وغيره يعد انتهاكا للسيادة العراقية، واحتلالا سافرا يجب إنهاؤه بكل الوسائل المشروعة للمقاومة".

ثمرة الضغوط
وبخصوص مدى جدية ما تطرحه الفصائل، قال الخبير الأمني العراقي، معن الجبوري لـ"عربي21"، إنه "لا يمكن أن تماطل الدولة العراقية وتذهب بعيدا في خيالها، من أن حصر السلاح هو إجراء تكتيكي يمكن أن يستمر لحين اجتياز ما تبقى من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تصل إلى ثلاث سنوات".

وبحسب الجبوري، فإن "قناعة تشكلت لدى معظم القوى السياسية، ولاسيما الشيعية المعتدلة منها، بأنه لا يمكن جر العراق إلى حرب كما حصل في لبنان وسوريا وغزة، لذلك فإن المسألة جدية بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خصوصا أنه ليس دبلوماسيا بالطريقة التي يفهمها البعض، وإنما يترجم أقواله إلى أفعال".

على هذا الأساس، يؤكد الجبوري أن "الضغوطات الأمريكي أتت أكلها، وأن بعض الفصائل انصاعت إلى الرغبة العامة سواء في الداخل العراقي أو المحيط الإقليمي وكذلك المجتمع الدولي، بعدم وجود السلاح والمليشيات، بالتالي جاءت دعوات حصر السلاح".

وفيما إذا كانت هذه الخطوة هي رسالة طمأنة من أجل تشكيل الحكومة، خصوصا بعد الرفض الأمريكي لمشاركة الفصائل فيها، قال الجبوري: "عمليه نزع السلاح لن تتم بسهولة، لأن هناك فصائل أعلنت أنها ليست مع هذا التوجه وترفض ذلك".



وأردف، الجبوري قائلا: "إضافة إلى كيفية ستتم هذه العملية، هل هي اندماج للعناصر أم فقط تسليم السلاح للدولة، لأننا نعلم هناك معسكرات ومراكز تدريب ومقار للسلاح والعتاد، وهذه كلها يجب أن تحسم وفقا لمطالب الداخل والخارج".

وتساءل الخبير العراقي: "هل يمكن أن يحصل هذا الشيء خلال فترة وجيزة، ونحن نعلم أن هذه الفصائل أصبحت امبراطوريات لديها المال والنفوذ والسلاح، ووصلت إلى البرلمان بالقوة، بالتالي لا نتصور أن الصورة وردية وسيحسم حصر السلاح بمجرد موافقة هذا الطرف أو ذاك".

وشدد الجبوري على أنه "لا يمكن للحكومة المناورة في قضية حصر السلاح، وإنما يجب أن تذهب في طريق واحد، خصوصا أن هذه الفصائل تعلم أنها ضمن بنك الأهداف الأمريكية، وحتى لا يمكن استبعاد إسرائيل من الدخول على خط الأزمة إذا ما حدثت ضربات من الجانب الأمريكي".

تحديات حقيقية
وعلى الصعيد ذاته، قال الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، مهند الجنابي، لـ"عربي21" إن "تصريحات قادة الفصائل حتى وإن كانت في وقت حساس يسبق تشكيل الحكومة، لكنها إذا لم تطبق عمليا وفقا لما تحدثوا به، فإنه لا يمكن القول إنهم جادون في حصر السلاح بيد الدولة".

ورأى الجنابي أن "ما يطرحوه لا يعكس جدية حقيقة إلا إذا تم الالتزام بما صرحوا به، لكن في جانب آخر يعكس انقساما حقيقيا داخل ما يعرف بـ(تنسيقية المقاومة العراقية) باعتبار أن هناك اعتراضات من حركة النجباء وكتائب حزب الله على مسألة تسليم السلاح، رغم امتلاك الأخيرة كتلة برلمانية تمثلها حركة حقوق".

ولفت إلى أن "دعوات حصر السلاح جاءت بشكل موحد في دعم طرح رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، لكن في الوقت نفسه فإن هذين الفصيلين (النجباء، وكتائب حزب الله) هاجموا بشكل واضح هذه الطروحات".

وأشار الجنابي إلى أن "الأطراف العراقية في الإطار التنسيقي قد تعتقد أن هذا الطرح ربما يسهم في الحصول على دعم دولي- وخصوصا أمريكي- لمسار تشكيل الحكومة الجديدة، لكن وفقا لما تسرب خلال الأيام الماضية بأن هناك ورقة اتفاق تلزم الحكومة والأطراف السياسية الفائزة وتحديدا الإطار على عدم مشاركة الكتل التي ترتبط بفصائل في المناصب الوزارية حتى غير السيادية منها".



وذكر الخبير الأمني أن "هذه الأطراف تعتقد أن الذهاب بهذا الاتجاه- دعوات حصر السلاح- حتى تتعامل الولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع، لكن هي تغفل سيناريو عدم التعامل مع الحكومة بوجد جماعات ترتبط بالفصائل، وبالتالي هي تضع نفسها أما تحدي كبير جدا لا يهددها فقط وإنما يهدد الدولة العراقية".

وخلص الجنابي إلى ضرورة أن تدرك القوى الرئيسة في الإطار التنسيقي الشيعي أنه ثمة تحديات موجودة لا يمكن تجاوزها، وبالتالي عليها التعامل معها بما يخدم المصلحة الوطنية العراقية.

ترحيب أمريكي
وعلى الصعيد الأمريكي، فقد علق مارك سافايا المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى العراقي، قائلا: "الخطوات التي اتخذتها الجماعات المسلحة العراقية نحو نزع السلاح كما ورد في التقارير تُعد تطورا مرحبا به ومشجعا".

وأوضح سافايا عبر تدوينة على "أكس"، أن "هذه الخطوة تمثل استجابة إيجابية للدعوات والتطلعات التي طالما نادت بها المرجعية الدينية وسلطاتنا الدينية الموقرة  في الوقت نفسه إعلان النوايا ليس كافيا ويجب أن يكون نزع السلاح شاملا وغير قابل للتراجع، وأن يُنفذ من خلال إطار وطني واضح وملزم".

وشدد المبعوث الأمريكي على وجوب أن تشمل عملية نزع السلاح التفكيك الكامل لجميع الفصائل المسلحة وضمان انتقال منظم وقانوني لأفرادها إلى الحياة المدنية، فإنه وفقا للدستور العراقي وسيادة القانون لا يحق لأي حزب سياسي أو منظمة أو فرد امتلاك أو تشغيل تشكيلات مسلحة خارج سلطة الدولة وينطبق هذا المبدأ بشكل موحد على جميع أنحاء العراق دون استثناء.

وأكد سافايا أن "السلطة الحصرية لحمل السلاح واستخدام القوة يجب أن تكون بيد المؤسسات الاتحادية والإقليمية الشرعية المخولة بتنظيم وقيادة وإدارة القوات المسلحة الوطنية لحماية الشعب العراقي والدفاع عن السيادة الوطنية. العراق يقف عند مفترق طرق حاسم".

وختم المبعوث حديثه قائلا: "بإمكان العراق المضي قدما على طريق السيادة والاستقرار والازدهار والوحدة وسيادة القانون، أو أن يبقى حبيسا في دوامة من التشرذم وانعدام الأمن حيث تستغل الجماعات المسلحة غير الشرعية الموارد الوطنية لتحقيق مكاسب شخصية وتنفيذ أجندات خارجية".