رياضة عربية

بين تضحيات الرياضة وركام الحرب.. المنتخب السوري يلمع عربيا في ذكرى الثورة

التمويل يبقى أقسى العوائق أمام نهضة الرياضة السورية- حساب البطولة على إكس
بعد سنوات من النزاع والدمار، تبدو الرياضة السورية اليوم أمام محطة مفصلية ومحاولة "إعادة بعث" ملاعب وصالات، ترميم ما تهدم، وإعادة جذب الشباب إلى الحلبات، خطوة أذن بها نحاج المنتخب السوري في بطولة كأس العرب المقامة بقطر خلال الفترة من الأول من كانون الأول / ديسمبر حتى يوم 18 من الشهر ذاته.

وقدم منتخب سوريا الذي كان بعيدا عن الترشيحات في ظل تواجده مع منتخبي قطر المضيف وتونس، أداء كبيرا وصعد لدور الثمانية بالتزامن مع احتفالات الشعب السوري بالذكرى الاولي لانتصار الثورة السورية، ليفتح الباب أمام الحديث عن انقاذ الرياضة السورية بعد سنوات من الإهمال والانهيار، تحولت الملاعب خلالها إلى ثكنات عسكرية أو انهارت بشكل كامل.

ويواجه المنتخب السوري نظيره المغربي على أرض استاد خليفة الدولي ضمن ربع نهائي كأس العرب 2025، حيث تتجه الأنظار إلى حضور الجماهير السورية التي أثبتت خلال البطولة شغفا استثنائيا ورغبة عميقة في الفرح بعد سنوات طويلة من الانتظار.


فقد تحولت مباريات المنتخب إلى مساحة جامعة للسوريين في الداخل والخارج، حيث لم تعد المتابعة مقتصرة على المدرجات، بل امتدت إلى المقاهي والشوارع والبلدات، لتصبح كرة القدم نافذة للتعبير عن الانتماء والأمل وتعزيز الروابط الاجتماعية.

وفي ظل الفوارق الفنية بين المنتخبين، يراهن السوريون على إرادة لاعبيهم وتصاعد مستواهم تحت قيادة المدرب خوسيه لانا، آملين في تحقيق مفاجأة جديدة تقودهم إلى نصف النهائي. ويجمع المراقبون على أن الجمهور سيكون غدًا اللاعب رقم 12 بكل ما يحمله من حماس وهتاف ودعم، ما قد يمنح المنتخب دفعة إضافية في مواجهة “أسود الأطلس”، الذين تصدروا مجموعتهم ويُنظر إليهم كأحد أبرز المرشحين للقب.


أول وزارة في تاريخ سوريا

ولأول مرة في تاريخ سوريا أعلنت الرئيس السوري تأسيس وزارة الرياضة والشباب في 29 آذار/ مارس 2025، لتأخذ مكان الاتحاد الرياضي العام، في مسعى لإعادة هيكلة القطاع الرياضي وتنظيفه من آثار الإهمال الطويل.

لكن الصورة أمام هذه الوزارة شديدة الصعوبة: ملاعب تحولت إلى ثكنات أو مواقع حرب، بنى تحتية مدمرة، نقص كبير في الكوادر، وغموض في التمويل، رغم ذلك، بدأت خطوات على الأرض ترمي لإعادة الحياة، ولو ببطء، إلا أن الشرع أكد خلال تهنئة للاعبي المنتخب المشارك في بطولة كأس العرب أنه يتبني تطوير البني التحتية للرياضية.

ملاعب عاجزة عن مواكبة الحلم

بين الملاعب التي كانت تعج بالجماهير والأحداث، وبين الواقع الحالي، مسافة كبيرة من الدمار والخراب، وأبرز الأمثلة هو ملعب العباسيين في دمشق إذ تحول خلال الحرب إلى ثكنة عسكرية، ثم منشأة مهجورة. اليوم أرضيته غير صالحة لأي نشاط رياضي، والمرافق مدمرة بالكامل.

ولا يختلف مصير ملعب حلب الدولي كثيراً، فهذا الصرح الرياضي، الأكبر في البلاد قبل الحرب، اعتبر على مدى سنوات "ممنوع الدخول" بعدما أصبح مقرا عسكريا بقايا القناصات، السواتر الرملية، حتى مخلفات القذائف كلها تشهد على ما صار إليه من خراب.


وكشفت التقديرات الرسمية من داخل الوزارة أن أكثر من 70 بالمئة من المنشآت الرياضية "ملاعب وصالات" تعرضت لتدمير كلي أو جزئي خلال العقد الماضي.


انعاشات أولية: يريدون أن يعيدوا نبض الملاعب

رغم كل هذا الدمار، تبرز اليوم إشارات على أن هناك من يريد أن يسكب الأمل في الركام، وزارة الرياضة والشباب أعلنت خطة شاملة لإعادة تأهيل البنية التحتية الرياضية في سوريا، بالتعاون مع شركات محلية بالإضافة على عدة اتفاقات دولية

كما أعلنت الوزارة عن تعاون مع دول عربية أبرزها دولة قطر من خلال لجنة سورية - قطرية، لتمويل ترميم خمسة ملاعب وصالتين رياضيتين موزعة بين المحافظات، كما تم الاتفاق مع وزارة الشباب والريا ضة التركية للتعاون في تطوير المنظومة.

وفي حلب مثلاً، جرى توقيع عقود مع شركات بناء لصيانة بعض المنشآت الرياضية، ضمن خطة محلية تستهدف إعادة فتح الصالات وتسيير أنشطة رياضية تدريجية.



لكن هذه الجهود رغم أهميتها لا تزال أولية، وتستهدف في الغالب "تصليحات أساسية" لا "نهضة شاملة" الأمر يتطلب الكثير من الموارد، وقت، وخطة تنظيمية واضحة.

التحديات أكثر من مجرد بنى تحتية

ما لا يرى بسهولة لكنه لا يقل أهمية عن نقص الكوادر الفنية والإدارية فآلاف المدربين، حكام، إداريين، فنيين فروا أو غادروا أثناء سنوات الحرب، العودة إلى ملاعب آمنة لا تكفي إن لم تتبعها كفاءات قادرة على إدارة الأندية، تنظيم البطولات، صيانة الملاعب، وإعادة تأهيل أجيال.

من جهة ثانية، التمويل يبقى أقسى العوائق، حيث أن الاقتصاد يئن، الدولة لا تملك في كثير من الأحيان أبسط الموارد للصيانة، فما بالك بإعادة بناء ملاعب من الصفر، الشراكات الأجنبية (عربية أو خليجية) ممكنة لكنها تعتمد على الاستقرار السياسي وضمانات، بالإضافة إلى عقوبات تسعي الحكومة إلى التخلص منها حيث حرم القطاع من دخول أدوات الصيانة والمعدات والخامات لسنوات ومازالت.


وعانت المنتخب السوري خلال سنوات الحرب بسبب العقوبات حيث حرم من استضافة مباريات على أرضه واللعب على ملاعب محايدة حرم من الدعم المادي من حضور الجمهور وكذلك الدعم المعنوي، كما حرم من استخراج تأشيرات لبعض البلدان وغيرها من الإجراءات؟

كما يعني القطاع الرياضي مما خلفته الحرب من فساد، استخدام الرياضيين كأدوات سياسية، وضعف إدارة الأندية كلها عوامل تركت أثراً كبيراً في الثقة: سواء من اللاعبين، الإداريين، أو الجمهور. إعادة هذه الثقة مهمة بقدر إعادة البنى.


خسائر في الأروح
في تقرير لمنظمات حقوقية، تم توثيق مقتل 264 رياضياً على الأقل، بينهم أطفال، جراء أعمال العنف، القصف، التعذيب أو الإعدام خارج القانون، خلال سنوات الحرب السورية.

وأشارت التقارير كذلك إلى إصابة نحو 117 رياضياً، واعتقال 478 رياضياً بينهم أطفال ونساء. ولا تزال 186 حالة منهم في عداد المختفين قسرياً.


هذه الأرقام، رغم صدمتها، لا تعبر بشكل كامل عن عمق الأزمة: فبعض الضحايا لم تعرف هويتهم بدقة، وآلاف آخرين هجروا أو ابتعدوا عن الساحة الرياضية خوفاً على حياتهم، ما يعني أن الفقدان فعلياً أكبر مما يوثق.

بين الضحايا أسماء معروفة، كان لها حضور على المستطيل الأخضر أو في ألعاب فردية متعددة اللاعب محمود الجوابرة لاعب نادي الشعلة والذي سجل كأول شهيد في الرياضة السورية في عام 2011.


ويوسف سليمان مهاجم سوري شاب من مدينة حمص، استشهد في 20 شباط / فبراير 2013 نتيجة سقوط قذيفة على الفندق الذي كان يقيم فيه مع فريقه في دمشق، بينما كانوا يستعدون للعب مباراة في الدوري.

كما استشهد مدافع المنتخب السوري جهاد قصاب ولعب لعدد من الأندية السورية والمعروفة خارجيا اعتقل عام 2014 في حمص، واستشهد في 30 أيلول/ سبتمبر 2016 في سجن صيدنايا تحت التعذيب.

ماذا يعني هذا لسوريا؟
إعادة تشغيل الرياضة في سوريا ليست رفاهية، في ظل سنوات من العنف، النزوح، الألم، والانقسام الرياضة يمكن أن تكون عنصر إعادة ترميم اجتماعي، فتعد فضاء للشباب، متنفس بعد سنوات من القسوة، فرصة للقاء، منافسة، حياة.

إن نجحت الوزارة فيما بدأت به "التأهيل، الشراكات، إعادة الهيكلة" فستعيد جزءاً من الهوية السورية التي تهشمت مع الحرب، ملاعب نظيفة، صالات مفتوحة، أندية تنشط، شباب يتدرب "كلها إشارات على أن سوريا تحاول أن تخلق (روتينا) جديدا، قريب من الحياة، بعد سنوات من الفوضى.