ملفات وتقارير

وزيرة الداخلية البريطانية تكشف خطة لتشديد قوانين اللجوء.. انقسام داخل العمال

تفيد تقارير صحفية بأن محمود هدّدت ثلاث دول أفريقية ـ أنغولا وناميبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ـ بعقوبات على التأشيرات إذا لم تتعاون في قبول المرحّلين من بريطانيا خلال شهر.
حذّرت وزيرة الداخلية البريطانية شابانا محمود نواب حزب العمال من أن "قوى مظلمة تُحرّك الغضب" في الشارع البريطاني بسبب ملف الهجرة، وذلك وسط تزايد التوتر داخل الحزب بشأن أوسع مراجعة لحقوق اللاجئين تشهدها البلاد منذ عقود، والتي تستعد الحكومة لإعلانها رسميًا اليوم الاثنين.

وقالت محمود، في مقال نشرته صحيفة "الغارديان"، إن موجة الغضب إزاء الهجرة غير النظامية قد تنقلب ضد أبناء الجيل الثاني من المهاجرين مثلها، مهدِّدة النسيج المجتمعي في البلاد.

وأكدت: "أعرف أن بلداً بلا حدود آمنة هو بلد أقل أمانًا لأولئك الذين يشبهونني".

قلق داخل حزب العمال

وتثير الإجراءات التي تقترحها محمود "قلقًا بالغًا" لدى قيادات بارزة في حزب العمال، وسط حديث عن وجود وزير واحد على الأقل "قريب من الاستقالة". ويتركز الاعتراض على خطط لتوسيع ترحيل عائلات لاجئة، بينها أسر لديها أطفال مندمجون في المدارس البريطانية.

وحذرت مؤسسات حقوقية من أن الإجراءات قد تؤدي إلى "فضيحة ويندراش جديدة"، عبر إبقاء آلاف اللاجئين في حالة "تعليق دائم" لسنوات طويلة، وإرباك استقرار الأطفال والدراسة والعمل والاندماج.

تشديدات غير مسبوقة

وتعتزم محمود الإعلان عن حزمة واسعة من القوانين، أبرزها: مراجعة وضعية اللاجئ كل 30 شهراً، بما يشمل العائلات والأطفال، تقليص حق الطعن في قضايا اللجوء إلى استئناف واحد فقط، إنشاء هيئة جديدة لتسريع البتّ في حالات "قليلي الحظوظ" والمجرمين الخطيرين، تشديد تطبيق حقوق "الأسرة" ضمن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بما يسهّل الترحيل حتى مع وجود أقارب في بريطانيا، تحويل واجب توفير السكن والدعم لطالبي اللجوء إلى "سلطة تقديرية"، ما يفتح الباب لإخلاء مراكز الإيواء، تضييق نطاق الادعاءات المتأخرة بوقوع استغلال أو عبودية حديثة.

كما ستقدّم الحكومة ثلاثة "مسارات آمنة" جديدة للاجئين من دول منكوبة مثل السودان وإريتريا وفلسطين، عبر برامج للطلاب، ولفئات مهنية محددة، ومن خلال رعاية منظمات المجتمع المدني. لكن هؤلاء الوافدين لن يحصلوا على إقامة دائمة.

ضغوط دبلوماسية وترحيلات محتملة

وتفيد تقارير صحفية بأن محمود هدّدت ثلاث دول أفريقية ـ أنغولا وناميبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ـ بعقوبات على التأشيرات إذا لم تتعاون في قبول المرحّلين من بريطانيا خلال شهر.

ويأتي هذا التشدد في ظل ارتفاع غير مسبوق لطلبات اللجوء في بريطانيا، والتي بلغت أكثر من 111 ألف طلب حتى يونيو 2025، بينما تخطّى عدد العابرين عبر القنال الإنجليزي منذ بداية العام 40 ألف شخص.

وتشير مصادر حكومية إلى أن خطط محمود مستوحاة من التجربة الدنماركية التي تشددت في قوانين لمّ الشمل ومراجعة صفة اللاجئ.

ورغم أن حزب المحافظين وحزب "الإصلاح" يطالبان بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تصرّ محمود على عدم مغادرة الاتفاقية، ما قد يدفع إلى مواجهات قضائية واسعة.

اعتراضات داخل العمال

عدد من نواب العمال عبّروا عن انزعاجهم الشديد من احتمال ترحيل عائلات مستقرة، خصوصًا من اللاجئين الأوكرانيين الذين اندمجت أعداد كبيرة منهم في المدارس والمجتمع.

النائب العمالي توني فوغان قال إن الحكومة "تسلك الطريق الخاطئ"، معتبرًا أن "ترحيل لاجئين معترف بهم أمر غير أخلاقي".

أما النائبة ستيلا كريسي، فحذرت من أن إبقاء اللاجئين "عشرين عامًا في حالة لجوء معلّقة" يضرّ بالاقتصاد ويعيق قدرة الناس على الحصول على وظائف وحسابات بنكية وقروض سكنية.

ما بين تهدئة الرأي العام واستهداف الفئات الضعيفة

وتجادل محمود بأن خططها ضرورية لاستعادة "ثقة الجمهور" في نظام اللجوء، وللتصدي لنبرة التحريض التي تستغلها أطراف يمينية. لكنها تواجه في المقابل انتقادات بأنها قد تُعمّق الانقسام المجتمعي وتعيد إنتاج أزمات حقوقية شبيهة بفضيحة "ويندراش".

وتشير فضيحة ويندراش إلى أزمة كشفتها بريطانيا عام 2018، عندما تبيّن أن إدارة الهجرة البريطانية رحَّلت أو هددت بالترحيل بشكل غير قانوني مئات من أبناء "جيل ويندراش"، وهم مهاجرون قدموا من دول الكاريبي بين 1948 و1971 بشكل قانوني لبناء بريطانيا بعد الحرب. فقد دُمِّرت سجلات وصولهم سابقًا، وعومل كثير منهم فجأة كمهاجرين "غير شرعيين"، ففقدوا وظائفهم وسكنهم وخدماتهم الصحية، وتعرض بعضهم للاعتقال والترحيل رغم أنهم مقيمون شرعيون منذ عقود.

أدت الفضيحة إلى اعتذار رسمي من الحكومة واستقالة وزيرة الداخلية آنذاك، وكُشفت كرمز لسياسات هجرة قاسية أدت إلى ظلم آلاف المواطنين.

وفي ظل انقسام داخلي غير مسبوق، وتوقعات باحتدام المواجهة القانونية والسياسية، يبدو أن بريطانيا مقبلة على واحدة من أكثر جولات إعادة تشكيل نظام الهجرة واللجوء إثارة للجدل منذ عقود.