تتعامل مصر مع سقوط الفاشر في دارفور على يد قوات الدعم السريع كخطر تتجاوز حدوده السودان، وهو ما دفع القاهرة إلى التعامل مع حدودها الجنوبية كخط دفاع أول، فيما تسعى كل من
مصر وتركيا لرسم خرائط الأمن الإقليمي مع التحولات الجيوسياسية في العالم.
وذكر تقرير نشره موقع "
ميدل إيست آي" البريطاني، أن مصر وتركيا صعّدتا دعمهما العسكري لصالح الجيش السوداني عقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحوّل حاسمة في مسار الحرب السودانية.
خطر تمدد الحرب
وأوضح التقرير أن القاهرة رأت في سقوط الفاشر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، إذ تخشى من تمدد الحرب إلى حدودها الجنوبية، فبينما تُخضع قوات الدعم السريع سكان المدينة لانتهاكات مروعة، أعادت الحكومة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي رسم خريطتها الأمنية، معتبرة أن حدودها مع السودان وليبيا أصبحت خط الدفاع الأول عن أراضيها.
وبحسب الموقع، ترتبط القوات المسلحة السودانية بعلاقات تاريخية وثيقة مع الجيش المصري، وقد قدمت القاهرة لحليفها السوداني دعماً سياسياً وعسكرياً متواصلاً منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، لكن التطورات الأخيرة — بدءاً من سيطرة قوات الدعم السريع على الجزء السوداني من منطقة المثلث الحدودي القاحلة بين مصر وليبيا والسودان، وصولاً إلى سقوط الفاشر — دفعت القاهرة إلى تغيير استراتيجيتها جذريًا.
ونقل التقرير عن مصدر رفيع في الاستخبارات العسكرية المصرية قوله إن: "التعاون جارٍ بين الجيشين
المصري والسوداني لتشكيل قوة قيادة مشتركة لردع قوات الدعم السريع ومنع أي تسلل محتمل إلى مصر عبر الحدود مع السودان أو ليبيا”، وأكد المصدر أن هذا التعاون أثمر عن غرفة عمليات مشتركة في شمال كردفان، بالإضافة إلى أنظمة رادار جديدة للإنذار المبكر، وتزامنت هذه الخطوات مع زيارتين متتاليتين لرئيس أركان الجيش المصري الفريق أحمد فتحي إلى السعودية وبورتسودان خلال 24 ساعة فقط، حيث نسّق مع القيادات السودانية الخطط الميدانية على الحدود المشتركة.
التحول الاستراتيجي للقاهرة
وأشار التقرير إلى أن مصر عززت وجودها العسكري على الحدود السودانية والليبية، وأطلقت دوريات جوية مستمرة لرصد أي تحركات مريبة، وأوضح المصدر أن القوات الجوية المصرية تتجنب الاقتراب من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع تحسبًا من منظومات الدفاع الجوي المحمولة، وتكتفي بعمليات استطلاع داخل المجال الجوي المصري لتأمين المراقبة دون انتهاك الأجواء السودانية.
كما نقل الموقع عن مصدر رسمي مصري آخر أن القاهرة زوّدت الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان بتوجيهات عملياتية وأسلحة، ونسقت معه انتشار القوات لمواجهة الدعم السريع، محذرًا من أن “أي تأخير في الاستجابة لتحركات قوات الدعم السريع قد يهدد أمن الحدود المصرية مباشرة”.
الإمارات ودورها في حرب السودان
وأشار تقرير الـ"ميدل إيست آي" إلى أن صعود قوات الدعم السريع وارتكابها فظائع في الفاشر أعاد تسليط الضوء على الدور الإماراتي في تغذية الحرب السودانية، وبحسب تحقيقات الموقع، فإن أبوظبي زودت قوات الدعم السريع بالأسلحة منذ اندلاع الحرب، رغم نفيها المتكرر لذلك، مستخدمة شبكة من الطرق عبر ميناء بوساسو في الصومال وقواعد جنوب شرق ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وأوغندا لنقل الإمدادات إلى قاعدتين داخل السودان: نيالا والمالحة.
وذكّر التقرير بأن قوات الدعم السريع أرسلت نحو 40 ألف مقاتل ضمن التحالف الإماراتي في اليمن قبل سنوات، وأن قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) كوّن ثروة تقارب 7 مليارات دولار بفضل روابطه المالية مع الإمارات، خاصة في تجارة الذهب والأراضي الزراعية.
تنيبق مصري تركي
وفي تطور لافت، كشف الموقع أن الجيشين المصري والتركي شرعا في تنسيق عمليات مباشرة داخل الأجواء السودانية، في خطوة تُعد نادرة بين خصمين إقليميين سابقين، وذكر مصدر أمني مصري رفيع أن هذا التعاون يهدف إلى دعم الجيش السوداني واحتواء مكاسب قوات الدعم السريع في دارفور، مشيرًا إلى أن هناك تحضيرات جارية لهجوم مرتقب لاستعادة الفاشر والمناطق المحيطة بها.
كما أكد مصدر تركي مطّلع أن أنقرة قررت زيادة دعمها العسكري للجيش السوداني بعد المجازر التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر، وقال المصدر: "كنا نخطط مسبقًا لإرسال مزيد من الأنظمة، لكن ما حدث في الفاشر عزز من تصميمنا"، وأشار التقرير إلى أن تركيا زودت الجيش السوداني بطائرات مسيرة وصواريخ جو-أرض ومراكز قيادة منذ العام الماضي، وأن مشغّلين أتراكًا للطائرات المسيّرة ينشطون فعلاً داخل السودان.
وأوضح المصدر التركي، أن تركيا غير قادرة على تزويد السودان بأنظمة دفاع جوي بسبب محدودية الإنتاج المحلي، لكنه أكد استمرار التعاون العسكري الوثيق مع الجيش السوداني، ووفقًا لتحليل الخبيرة السودانية خلود خير، مديرة مركز كونفلوانس أدفايزوري، فإن سقوط الفاشر جعل القوات المسلحة السودانية تتوقع تزويدها بالأسلحة من مصر وتركيا، مشيرةً إلى أن القاهرة قد تنخرط بشكل مباشر في الحرب إذا مضت قوات الدعم السريع في هجومها المرتقب على أم درمان.
وقالت خير لـ"ميدل إيست آي": "سيكون ذلك محرجًا للقاهرة، التي كُلّفت من إدارة ترامب سابقًا بضمان قبول الجيش السوداني بخطة وقف إطلاق النار الأمريكية، لكنها الآن تجد نفسها مجبرة على التخلي عن دور صانع السلام والانخراط في الحرب لحماية أمنها"، وتأكيدًا لمصادر "ميدل إيست آي" المصرية والسودانية، أفادت مصادر تركية بأن مصر كانت تدعم الجيش السوداني سرًا طوال الحرب. وقال أحد هؤلاء المطلعين: "الآن، يشعر المصريون بالارتياح لوجودهم بشكل أكبر، منذ أن عطّلت قوات الدعم السريع المفاوضات الدبلوماسية في واشنطن".
وفي ختام التقرير، أكد الموقع أن مصر والجيش السوداني يعملان على إنشاء غرفة عمليات جديدة في مدينة الأبيض شمال كردفان، لتنسيق الجهود لوقف تقدم قوات الدعم السريع واستعادة المدن الكبرى، وقال مصدر أمني مصري رفيع إن هذا التعاون "سيسمح بإعادة انتشار الجيش السوداني في المناطق التي خسرها مؤخرًا، وسيساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية حدود مصر".