سياسة عربية

ضباط ومعارضون للسيسي يطلقون وثائق لإصلاح النظام والجيش

الوثيقة تضم 3 بنود للإصلاح- جيتي
تتوالى دعوات المعارضة المصرية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالبلاد التي تعاني في ظل حكم رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي لأكثر من 12 عاما من الانغلاق السياسي، ما دفع جهات تدعي أنها من داخل الجيش لتبني دعوات إصلاح عبر إطلاق "وثيقة إصلاح القوات المسلحة".

من قلب الجيش: رسالة رقم 11

ومساء الخميس، أطلق الحساب المعروف عبر مواقع التواصل الاجتماعي باسم ضابط الجيش "أيمن الكاشف"، وثيقة من 5 بنود لإصلاح أوضاع الجيش المصري، وذلك بالتزامن مع ما نشره حساب "الملك"، الشهير بتسريباته لضباط بالجيش والشرطة وشخصيات إعلامية الشهر الجاري.

وفي رسالته (رقم 11)، ظهر الرائد أيمن الكاشف بوجهه الحقيقي، مؤكدا أن هناك "شرفاء في الجيش يعملون لوقف ما أطلق عليه "ما يجري من مهازل"، مضيفا: "قبل أن نجد أنفسنا مهزومين في حرب قادمة"، معلنا عن "وثيقة إصلاح القوات المسلحة"، كالتالي:

أولا: خروج الجيش من كافة الأنشطة السياسية والاقتصادية والالتزام بالمهام والواجبات الطبيعية المكلف بها.

ثانيا: خضوع أنشطة الجيش كلها ومهامه الطبيعية لرقابة الأجهزة المدنية بما يحفظ للمؤسسة العسكرية الخصوصية ويحفظ سرية أعمالها.

ثالثا: إعادة تشكيل آليات التأهيل النفسي والاجتماعي لضباط وأفراد القوات المسلحة، ومنها مراجعة نظام الإجازات، وهيكل الأجور، ودور الأجهزة النفسية مثل إدارة الشؤون المعنوية.

رابعا: إعادة تشكيل آليات التدريب والتأهيل الاحترافي والتقييم للضباط والأفراد، ويشمل هيئة تدريب القوات المسلحة، وكلية القادة والأركان، ومنظومة اختيار الطلاب بالكلية الحربية، ومراجعة طرق تقييم الأفراد والضباط، والتقارير الأمنية.

خامسا: إعادة تشكيل آليات تعامل المدنيين مع العسكريين، ويشمل تعامل الشرطة المدنية مع العسكريين، وملف إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، وإجراءات فض المنازعات بين العسكريين والمدنيين بشكل عادل ومنصف.

وأكد أنها "هناك خططا تنفيذية وتفاصيل كثيرة تحتاج للتطوير"، مطالبا ضباط الجيش بـ"التواصل للاستعداد لعمليات الإصلاح التي يتبناها"، مؤكدا أنهم "يرصدون حالة الغضب الشعبي المتزايدة"، قائلا: "سنساعد في تحقيق التغيير القادم لا محالة".



فساد أخلاقي
وفي 6 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، كشف مقطع فيديو مسرب لضابط كبير في الجيش المصري مع سيدة تحاول إقناعه بتخصيص أراضي مجانية لمحطات وقود  "ChillOut"، عن تلاعب كبير في تخصيص الأراضي مقابل رشا مالية وجنسية.

و"ChillOut"، بدأت عام 2018، وتدير 80 محطة، وحاليا مملوكة لشركة تابعة، للشركة "الوطنية للطرق"، المملوكة لـ"جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"، التابع للجيش المصري.


وثيقة هاريس.. والـ19مادة

في السياق، أعلنت السياسية والحقوقية المصرية الأمريكية المعارضة الدكتورة سامية هاريس، وثيقة أخرى من 19 بندا لإصلاح أوضاع البلاد، داعية كافة القوى السياسية والثورية والمعارضة، للالتفاف حول "وثيقة الحقوق الأساسية للشعب المصري والحريات المدنية"، لتكون ميثاقا وطنيا جامعا.

وحول "النظام السياسي ومصادر السلطات"، ضمت الوثيقة 3 مواد، معلنة أن "الشعب مصدر السلطات"، و"نظام الحكم مدني ديمقراطي"، مشددة على "استقلال القضاء والنيابة العامة"، و"حظر إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية"، مطالبة بـ"حصر دور الجيش في "حماية حدود الوطن" و"حظر تدخله بالشؤون السياسية والاقتصادية"، و"خضوع ميزانيته للرقابة".

وعن "الحقوق والحريات العامة"، قدمت 4 مواد منها: "حظر التمييز بين المواطنين"، و"المساواة بالحقوق والواجبات"، و"احترام الدولة الحقوق والحريات العامة والشخصية"،  و"حرية واستقلال وسائل الإعلام"، و"حق المواطن في المعرفة والمساءلة والشفافية"، و"تمكين المرأة"، و"تجريم العنف والتمييز ضدها".

وفي ملف "العدالة الاجتماعية والتنمية"، طرحت وثيقة هاريس3  مواد مفادها قيام "النظام الاقتصادي على التنمية المستدامة وعدالة توزيع الثروة، ومكافحة الفقر والبطالة"، و"حرية تكوين الأحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية، والجمعيات الأهلية"، و"استقلال المؤسسات والمنظمات الدينية ماليا وإداريا".

وبشأن "العدالة الانتقالية والأمن"، طرحت الوثيقة 8 مواد تقول بعضها أن "العدالة الانتقالية أساس المصالحة الوطنية"، مطالبة بـ"محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان"، و"تجريم التعذيب والاختفاء القسري" و"القتل خارج القانون"، و"إطلاق سراح المعتقلين السياسيين"، وإلغاء "أحكام المحاكم الاستثنائية"، و"هيكلة وزارة الداخلية"، و"خضوعها للقضاء والرقابة البرلمانية".

وفي جانب "السيادة الوطنية والمرحلة الانتقالية"، وعبر 4 بنود، طالبت هاريس، بأن "تُبنى علاقات مصر الخارجية على أساس المصلحة الوطنية ورفض التبعية"، مطالبة بـ"تعديل قوانين الانتخابات"، و"بدء مرحلة انتقالية توافقية وتشاركية بين القوى الوطنية".


فكر 100 شخصية

وعن حجم التفاعل على الوثيقة بعد نشرها، والمطلوب من معارضة الداخل والخارج لتبني ذلك الطرح وتفعيله وتحويله لإطار عمل، أكدت هاريس، لـ"عربي21"، أن "الاستجابة للوثيقة والاجتماعات الثلاثة التي سبقتها كانت واسعة"، ملمحة إلى أن "عشرات الاجتماعات الجانبية ومئات المناقشات الفردية، كانت مذهلة".

وأعربت السياسية المصرية عن تفاؤلها الشديد وآمالها في أن تتمكن ومشاركوها من "تحقيق التغيير المنشود هذه المرة، وتحقيق النتائج التي نأملها جميعا لشعب مصر"، موضحة أنه "حتى الآن، حضر الاجتماعات أكثر من 100 مصري، جميعهم قادة ونشطاء معروفون من خلفيات مختلفة، وتبادلوا الأفكار والآراء".

خيار السيسي الوحيد

وأضافت: "لم أتوقع أن تتدخل حكومة السيسي بطريقة محترمة أو منطقية، لمناقشة الوثيقة"، متوقعة أنه "على الأرجح، سيحاولون إدراج اسمي في قائمة أخرى من دعاوى قضائية تتهمني بإرهاب السيسي أو إهانته".

ومضت تؤكد: "هدفي التغيير، وهذا يعني أن يفقد السيسي وجميع أتباعه سلطتهم على مصر، وبالتالي فإن 110 ملايين داخل مصر يمكنهم الحصول على حريتهم واستقلالهم"، مضيفة: "أوصي بأن يكون الرحيل هو خيار السيسي، فهو الخيار الأول والأسرع والأفضل للجميع، أن يرحل ما دامت لديه الفرصة".

وحول استعانة هاريس، وصناع وثيقتها بجهود دولية أو برلمانات عالمية تدرك حجم أوضاع مصر كدولة هي الأكبر سكانا في الشرق الأوسط، نفت وجود أي دور لأية جهات، موضحة: "يجب أن نعتمد على أنفسنا؛ ولن يُمنح لنا شيء، وعلينا أن نجعل التغيير يحدث بأيدينا، ونتعلم من التاريخ، الماضي والحاضر".

وختمت حديثها لـ"عربي 21"، قائلة: "أنا أسير بخطى سريعة، وأشعر أن الوقت مناسب، وجميعنا مسؤولون عما يحدث، وأنا أتصرف انطلاقا من شعوري بالواجب والمسؤولية تجاه مصر الحبيبة والأجيال القادمة، وعلينا أن نعمل، لكي نستعيد مصر، وأشعر أن العالم قد فقد توازنه عندما لا تتجه بوصلة مصر نحو الحرية".

متغيرات توجب التغيير

وفي تعليقه، على تلك الوثائق والمطالب، قال السياسي المصري يحيى موسى: "المتابع للشأن المصري يرى أن هناك متغيرات على مستوى حركة الاحتجاج ضد النظام الحالي"، موضحا لـ"عربي21"، أن "حرب غزة وطوفان الأقصى كانت بداية هذه التفاعلات".

وفي تقديره يعتقد أن "العنصر الجديد في المشهد هو نظرة شريحة معتبرة من عموم الشعب وأفراد ببعض المؤسسات ومنها مؤسسات سيادية، لطبيعة سلوك هذا النظام وحقيقة انتمائه لمصر أو انتمائه لمشاريع أخرى".

ولفت إلى جانب من المتغيرات، موضحا أنه "وإن كانت المؤسسة العسكرية ترى أنها الأجدر بحكم البلاد لتراكمات طويلة منذ 1952، إلا أن العقيدة العسكرية والسائد داخل المؤسسة هو الحفاظ على وحدة الوطن وحماية حدوده؛ وحين اتضح حجم التقصير والتفريط من السيسي في هذه الأمور استفز الأمر بعض الوطنيين في هذه المؤسسات لإظهار غضبهم من تلك الممارسات".

وتابع: "الآن لدينا خرق لمعاهدة (كامب ديفيد)، باحتلال إسرائيل محور (فيلادلفيا) دون رد من النظام، بل إنه كافأ الاحتلال بعقد صفقة استيراد الغاز الأخيرة بـ35 مليار دولار، وربط أمن الطاقة المصري بأمن الكيان حتى 2040".

ولفت ثانيا، إلى ما أطلق عليه "دويلات مليشياوية"، مشيرا إلى أنها "موجودة على حدود مصر الغربية والجنوبية لحفتر وحميدتي، ومدعومة إماراتيا وإسرائيليا، وهي تمثل تهديدات مباشرة للأمن القومي ويمكن استخدامها للضغط على مصر للخضوع والقبول بقرارات تمس أمنها وسيادتها".

تطور نوعي وغير مسبوق

موسى، أكد أن "هذا وفق معلومات وشواهد دفع بعض الشخصيات داخل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية للنظر للأمور بشكل مختلف، وربما لم تتضح المعلومات بشكل مؤكد حول ما تبثه تلك الحسابات، لكن ما نراه وفق معلومات أنه لا يمكن أن يصل لكل هذه التفاصيل إلا أحد أبناء المؤسسة، وخاصة أرقام القيد والتسلسل بالوثائق التي يعرضها، ما يشير إلى تطور نوعي وغير مسبوق ويمهد للمزيد".

وفي رؤيته نفى أن تكون "مسألة تسريبات فضائح أخلاقية وغيرها، تصفية حسابات داخلية للنظام"، مضيفا: "أظن أن هناك صوت داخل النظام أراد أن يوجه رسالة تقول: كفى هذا الانزلاق في هذه المستنقعات، خاصة في ظل ما يهدد البلد والدولة وليس مجرد النظام، وهو صوت يتمتع بشيء من الوطنية والمسؤولية".

دعوات المعارضة وجيل زد

وأضاف: "وبالمقابل يوجد تطور لافت على مستوى المعارضة؛ فهناك دعوات لحشد وتفعيل وتحريك (جيل زد)، في تفكير مختلف عن السابق وبأدوات مختلفة"، ملمحا إلى "حركة الاحتجاج أمام السفارات في أوروبا وما أحدثته من قلق ورعب للنظام"، وفق رؤيته.

ولفت إلى "ظهور حركات تغيير مثل (حركة ميدان) كمحاولة لتفعيل وتحريك الكتلة الكبيرة للتيار الإسلامي بأفكار مختلفة عن السابق، ما أحدث حراكا داخل المعارضة بمواجهة القمع والقهر والتجريف والمنافي والسجون "، مؤكدا أن "تلك المستجدات قد تتكامل في لحظة ما وفق خطة إنقاذ وطني شامل، وإن لم تتضح ملامح هذا التعاون حتى الآن".

أساليب جديدة

وقال إننا "أمام حركة جديدة من مواجهة النظام أبرز ما فيها أنه رغم مرور 12 سنة لايزال صوت المعارضة حاضرا، والدعوات قائمة، والمطالب كما هي، وهذا يدل على عمق هذه المطالب وأحقيتها، وأنها لا تموت بمرور الوقت، ولا تسقط بالتقادم وتحملها الأجيال، وأظن أنه بعد ذلك نحن أمام وعي مختلف واستخدام أساليب وشكل لم يكن موجودا".

ودعا موسى، "المعارضة لالتقاط هذه الرسائل، والتفاعل معها بشكل إيجابي، وصياغة تصور للمستقبل، يكون الجميع متواجد فيه، وجزء منه، دون استبعاد لأحد مؤسسات الدولة من أي تغيير قادم، والذي يجب أن يكون شعبي بالأساس تتصدره النخب السياسية الحقيقية الواعية، حتى لا ندخل فصلا جديدا من حكم المؤسسة العسكرية".


وختم مؤكدا أن "مصر تكون قوية بالجميع، بشعبها، ومؤسساتها المحترفة التي تؤدي أدوارها وتكون على تناغم وانسجام مع المزاج الشعبي"، متوقعا أن "تحمل الأيام القادمة متغيرات وأحداث في ظل ما يشهده إقليم الشرق الأوسط من تغييرات، قد يكون لمصر نصيب منها، نتمناه في الاتجاه الصحيح: يعظم المكتسبات، ويقلل المخاطر والتهديدات".

معاناة 12 عاما.. ووضع متفاقم

ومنذ إطاحة السيسي، بأول رئيس مدني مصري الراحل محمد مرسي، في انقلابه الشهير عليه، حينما كان قائدا للجيش، منتصف 2013، يشكو عامة المصريين (108 ملايين نسمة بالداخل) من تراجع مستوى المعيشة، وتآكل المدخرات، وقلة الدخل، وتفاقم معدلات الفقر، والتضخم، والبطالة، وانتشار الجريمة والسرقة والبلطجة.

ويتهم معارضون السيسي، بزيادة معدلات الديون الداخلية والخارجية، وبيع الأراضي الاستراتيجية والشركات العامة، والتفريط بمقدرات المصريين مثل "مياه النيل" و"حقول الغاز" في شرق المتوسط وجزيرتي "تيران وصنافير"، والمشاركة في حصار قطاع غزة عامين لصالح الكيان الإسرائيلي، وعقد اتفاقيات مثيرة للجدل معه بينها استيراد الغاز في 2018 و2025.

وفي قراءتهم للمعطيات على الأرض، يتحدث معارضون عن أن "رحيل نظام السيسي قادم لا محالة"، مؤكدين أن "الأجهزة الأمنية لن تستطيع التنبؤ بتوقيته، وستقف عاجزة أمام بركان الغضب الشعبي".




وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشكو مصريون من الفقر والغلاء وضيق ذات اليد، موجهين انتقاداتهم للسيسي، معلنين وصولهم "مرحلة اليأس وتفضيل الموت".