في العاشر
من أكتوبر من كل عام، يُحيي العالم اليوم العالمي لمناهضة عقوبة
الإعدام، مؤكدا أن
الحق في الحياة لا يُساوَم عليه. في
مصر، تحولت هذه العقوبة من أداة قانونية إلى
وسيلة للردع السياسي وتصفية المعارضين، وسط غياب العدالة وتواطؤ مؤسسي.
من الثورة
إلى المقصلة
منذ ثورة
يناير 2011، شهدت مصر تحولات سياسية عميقة، أبرزها الانقلاب العسكري في تموز/
يوليو 2013؛ بعده، لم يعد السجن العقوبة الوحيدة، بل أصبح الإعدام عنوانا للمرحلة،
خاصة في القضايا السياسية التي افتقرت إلى المحاكمة العادلة.
105 مواطنين
مهددون بالإعدام
يواجه 105
مواطنين مصريين أحكاما بالإعدام في قضايا سياسية، بينهم علماء، وأطباء، ومهندسون، وأساتذة
جامعات، وشباب جامعيون؛ جميعهم تعرضوا لمحاكمات جائرة، واتهامات دون أدلة، أمام
قضاء استثنائي يفتقر إلى أدنى ضمانات العدالة.
قضاء
استثنائي وأحكام بالجملة
لم يكن الهدف من هذه الأحكام تحقيق العدالة، بل الردع السياسي؛ أرادت السلطة إرسال رسالة واضحة: المعارضة السياسية ثمنها الحياة. وهكذا، تحولت المقصلة إلى أداة لتكميم الأفواه، لا لتطبيق القانون أو حماية المجتمع
أنشأت
السلطات دوائر الإرهاب وأعادت تفعيل القضاء العسكري ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ.
في قضايا مثل فض اعتصام رابعة، والتخابر مع قطر وأحداث المنصة، وأتوبيس رشيد،
وغيرها من القضايا؛ صدرت أحكام جماعية بالإعدام، بعضها غيابي، وبعضها استند
لتحريات أمنية لا ترقى إلى مستوى الأدلة القضائية..
غياب
المحاكمة العادلة
في معظم
القضايا، غابت ضمانات المحاكمة العادلة: منع المحامين من الاطلاع الكامل، وغياب
الشفافية في عرض الأدلة، وتجاهل شهادات النفي. تم تغليب الرواية الأمنية على
التحقيقات المستقلة، مما أدى إلى أحكام جائرة بحق الأبرياء..
الإعدام
كأداة للردع السياسي
لم يكن
الهدف من هذه الأحكام تحقيق العدالة، بل الردع السياسي؛ أرادت السلطة إرسال رسالة
واضحة: المعارضة السياسية ثمنها الحياة. وهكذا، تحولت المقصلة إلى أداة لتكميم
الأفواه، لا لتطبيق القانون أو حماية المجتمع.
صمت دولي
وتواطؤ داخلي
رغم
الإدانات الدولية، استمرت السلطات المصرية في تنفيذ أحكام الإعدام بوتيرة متسارعة،
فغياب الرقابة الدولية، وتواطؤ مؤسسات داخلية يفترض استقلالها، جعل حياة الإنسان
رهينة قرار سياسي لا يخضع لأي مساءلة قانونية..
مقولة
شهيرة قالها كوفي عنان: "الإعدام لا يُصلح مجتمعا، بل يُخيفه". وهذا ما
استهدفه نظام الحكم في مصر خلال اثنتي عشرة سنة، حيث أسس جمهورية الخوف، فأخاف
الناس بالقتل وبالسجن أو بالاثنين معا. وهكذا تسير الأمور في مصر، حيث تحققت بشكل
غير خاف على أحد نتيجة طبيعية للاعتداء على الحق في الحياة. يقول بيتر بننسون: "الحق
في الحياة هو أول الحقوق، ومن يُلغيه يُلغي كل ما بعده"، فلم تعد في مصر حرية
تعبير عن الرأي، أو حرية تجمع سلمي، ولا حرية حركة، وسيطرت على المشهد الحقوقي
المصري حالة إهدار وضياع لحقوق الإنسان.
بالأرقام:
الإعدام في مصر
منذ 2013،
صدر 1565 حكما سياسيا، نُفذ منها 105 أحكام. في النصف الأول من 2025، صدر 269 حكما
بالإعدام، منها 17 نهائيا و197 إحالة للمفتي. وفي 2024، صدر 380 حكما، منها 31 سياسيا. لقد أصبحت مصر ضمن أكثر ثلاث دول تنفيذا للإعدام عالميا..
في هذه
المناسبة العالمية نرفع الصوت عاليا: لا للإعدام كأداة سياسية، لا لمحاكمات جائرة،
لا لصمت العالم أمام إزهاق الأرواح باسم القانون. العدالة لا تُبنى على المقصلة،
بل على المحاكمة النزيهة، والحق في الحياة، والكرامة الإنسانية..