تقارير

مفكر فرنسي: نقد إسرائيل ليس معاداة لليهود وحرب غزة تكشف إخفاقات الغرب

المفكر الفرنسي يعتبر أن "الحرب الحالية وما أفرزته من صراعات دولية أسفرت عن تراجع تأثير واشنطن والإدارة الأمريكية في القرار الدولي مقابل تزايد تأثير لاعبين آخرين بينهم الجامعات والنشطاء.. عربي21
يعتبر المفكر الفرنسي اليساري والخبير الدولي في المتغيرات الجيو استراتيجية باسكال بونيفاس من أبرز المثقفين والسياسيين الفرنسيبن والغربيين الذين ينتقدون منذ ربع قرن سياسات الإحتلال الاسرائيلي وانحياز كبار الإعلاميين والمسؤولين الحكوميين والأمنيين الأوروبيين " للسردية الاستعمارية الإسرائيلية.

وكان بونيفاس أصدر قبل ربع قرن كتابا تسبب له في مشاكل كثيرة تحت عنوان: "هل يمكن أن ننقد إسرائيل؟"..

باسكال بونيفاس ألف أكثر من ثمانين كتابا عن العلاقات الدولية والحروب الأمريكية الإسرائيلية والأطلسية وعن " العداء للإسلام" ("الإسلاموفوبيا") والخلط بين الفكر العربي الإسلامي وظاهرتي "العداء للسامية" و"تبرير جرائم الحرب" التي ترتكبها سلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني..

اضطر باسكال بونيفاس على الانسحاب من الحزب الاشتراكي الفرنسي والبرلمان بسبب معارضته سياسات الاحتلال في عهد أرييل شارون وتحفظه على الحملات التي استهدفت في أوروبا المفكر  الأوروبي المصري طارق رمضان وكل رموز "الإسلام السياسي" من منطلقات دينية وثقافية عنصرية واستعمارية .

بمناسبة إصدار الكتاب الجديد لباسكال بونيفاس عن "إسرائيل وفلسطين" زار تونس وألقى محاضرات مشفوعة بحوارات مع عدد من المثقفين العرب والأجانب حول كتبه والمستجدات في فلسطين المحتلة والمنطقة، بعضها في المركز الثقافي التابع للسفارة الفرنسية بتونس وأخرى في الجامعة التونسية ودور النشر..

سوء تقدير للفكر الإسلامي ولفلسطين

أعلن المفكر الفرنسي اليساري باسكال بونيفاس أن من بين نقاط الضعف في العلاقات الحالية بين فرنسا والدول الغربية من جهة وتونس والعالم العربي الإسلامي من جهة ثانية "سوء تقدير" صناع القرار في بلدان الشمال لمشاغل بلدان الجنوب عموما والبلدان العربية الإسلامية خصوصاً، وعلى رأس هذه المشاغل الملفات الثقافية والمعرفية العربية والإسلامية وتجديد الفكر وكسب الطور الجديد من الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وحروبه في كامل المنطقة.

بونيفاس  أبرز مخاطر المشاريع التوسعية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي الحالية التي اتهمها بالتورط  في حرب إبادة جماعية ومحرقة بشعة "على الهواء" ضد الشعب الفلسطيني عموما في قطاع غزة المحتلة خاصة ..

استياء عربي إسلامي

وسجل المفكر الفرنسي أن قطاعا مهما من الشباب والمثقفين والنخب الذين التقاهم في الجامعة التونسية وفي عدد من مراكز الأبحاث، بما فيها المركز الثقافي الفرنسي الحكومي في تونس، أعربوا عن "استياء" مما اعتبره خلط الإعلام الفرنسي والغربي بين الإسلام فكرا وحضارة وشعوبا والتطرف والإرهاب، إلى جانب الخلط بين يهود العالم وسياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية المورطة في قتل عشرات آلاف المدنيين الفلسطينين وتجويعهم وتمديد حصار شامل مفروض عليهم منذ أكثر من عشرين عاما ..

واعتبر باسكال بونيفاس أن هذا الخلط يعمق أزمات المنطقة والعالم ويعرقل اتخاذ العواصم الغربية "خطوات عملية وفورية" توقف الحرب فورا في قطاع غزة والضفة ومخاطر توسيعها، خاصة بعدما شملت بلدانا كثيرة شرقا وغربا بما فيها قطر وإيران واليمن وسوريا والعراق ...

خلط بين العلمانية والعداء للإسلام

ونوه المفكر الفرنسي وهو الخبير في عدد من مراكز الدراسات الجيو استراتيجية والعسكرية العالمية بكون "وسائل الإعلام الفرنسية والغربية منحازة ضد قضايا العرب والمسلمين منذ عقود .. و ربط بين إخفاقات السياسة الخارجية الفرنسية والغربية في العالم العربي والإسلامي  بالفشل في التوصل إلى تسوية عادلة لقضية تحرير فلسطين".

كما  فسر  هذه الإخفاقات بعلاقات فرنسا والدول الغربية ببلدان الجنوب بالمواقف المسبقة لصناع القرار من الإسلام وحركات التحرر الوطني وما يسمى بـ "المرجعيات الثقافية والفكرية اليهودية المسيحية " و"الحداثية الغربية".

وانتقد المفكر الفرنسي شيطنة الخلفية الفكرية والثقافية لكل حالركات الوطنية الفلسطينية .. وحذر من استفحال ظاهرة "الخلط بين العلمانية والعداء للإسلام.. بين الحق في انتقاد السياسات الاستعمارية الإسرائيلية والتهجم على كل اليهود وكل الغربيين.. بالرغم من مشاركة ملايين الشباب والمواطنين الغربيين واليهود في تحركات ضد حروب حكومات إسرائيل وشركائها في فلسطين المحتلة وكامل المنطقة..

ولاحظ بونيفاس أن "ملايين الفلسطينيين يقصفون ويقتلون منذ ربع قرن علنا وهم في "سجن كبير مفتوح.. ولا يمكنهم الهجرة خلافا لضحايا بقية الحروب الدامية ".

واستفحلت المخاطر منذ أكتوبر 2023  وبدء حرب إبادة جماعية غير مسبوقة في قطاع غزة المحاصر بشراسة.. وزادت الأوضاع تعقيدا وتعفنا في عهد دونالد ترامب بعد سنوات من "ازدواجية" سياسات إدارة بايدن التي كانت تواجه "انتقادات" لحكومة نتنياهو وحروبها لكنها كانت ترسل إليها السلاح والتمويل..

إضعاف دور أمريكا عالميا

وماهي الابعاد الجيو استراتيجية للحرب الحالية في فلسطين المحتلة وكامل المنطقة؟  وهل من المتوقع أن يؤدي الاعتراف العالمي الجديد بالدولة الفلسطينية إلى تغيبر جوهري في العلاقات الدولية وفي فرص الحرب والسلام في فلسطين المحتلة والمشرق العربي الإسلامي عموما؟

المفكر الفرنسي يعتبر أن "الحرب الحالية وما أفرزته من صراعات دولية أسفرت عن تراجع تأثير واشنطن والإدارة الأمريكية في القرار الدولي مقابل تزايد تأثير لاعبين آخرين بينهم الجامعات والنشطاء ومجموعات الشباب الذين أدركوا أن "انحياز واشنطن وعواصم عربية للوبي الإسرائيلي أضر بمصالحها وإشعاعها الثقافي والفكري والسياسي عالميا.. وأن تغيير توجهات الرأي العام الشعبي في أمريكا ودول أوروبا وغبرها عبر وسائل الإعلام الإلكترونية والاجتماعية يمكن أن يخدم أنصار وقف الحروب في فلسطين والمنطقة ودعاة التحرر الوطني الفلسطيني وبناء دولة فلسطينية مستقلة ..."

وخلص باسكال بونيفاس إلى كون "المهمة الأكبر" المطروحة على أنصار السلام هي تغيير الرأي العام الدولي والإقليمي بما في ذلك داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي حتى يواحه أنصار نتنياهو وسموريتش وبن غفير وغيرهم وحتى تنتقل المعركة إلى داخل إسرائيل واللوبي اليهودي الدولي المعارض للسياسات الاستعمارية الإسرائيلية".