تشهد شركة "
أوبر"
الأمريكية واحدة من أكبر الأزمات المرتبطة بسمعتها منذ تأسيسها، بعدما أعلنت مؤخرًا
عن استثمار عشرات ملايين الدولارات في شركة "فلايتريكس" الإسرائيلية، المتخصصة
في تطوير وتشغيل أنظمة توصيل الطلبات بواسطة الطائرات المسيّرة، لتلحق بالعديد من
الشركات والمطاعم والـ"ماركات" المتهمة بدعم
الاحتلال الإسرائيلي.
وروج للخطوة على أنها
ابتكار تقني يسرع خدمات "أوبر إيتس"، وتحولت بسرعة إلى كرة نار بعد أن ربطها
ناشطون وكيانات حقوقية بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية.
ما أن كشفت صحيفة
"هآرتس" العبرية عن تفاصيل الشراكة حتى اندلعت دعوات مقاطعة واسعة النطاق
عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر ناشطون أن "كل مشوار عبر أوبر هو تمويل للاحتلال"،
مستخدمين وسمًا انتشر بشكل سريع: #قاطعوا_أوبر.
وتهدف الشراكة بين
الشركتين إلى دمج خدمات "فلايتريكس" ضمن منصة "أوبر إيتس" لتقديم
خدمات توصيل أسرع وأكثر استدامة في المدن الأمريكية، على أن تشمل لاحقًا توصيل منتجات
متعددة، وتخطط الشركة لبدء التجارب التشغيلية قبل نهاية عام 2025، على أن تركز في البداية
على توصيل الطعام والسلع الاستهلاكية.
دعوات المقاطعة والغضب
الشعبي
أثارت هذه الشراكة
استياءً واسعًا بين النشطاء والمتضامنين مع الفلسطينيين، وأصدرت الهيئة العالمية لأنصار
النبي، - جهة متخصصة في حملات المقاطعة، ملصقًا ترويجيًا دعت فيه إلى مقاطعة
"أوبر" ووصف الاتفاقية بأنها "شراكة مع المحتل".
وحمل الملصق شعار
"كل مشوار عن طريق أوبر تمويل للاحتلال"، إضافة إلى هاشتاج #قاطعوا_أوبر،
وأكدت الهيئة على ضرورة تجنب استخدام خدمات الشركة التي تعتبرها تمويلاً للنشاطات العسكرية
الإسرائيلية في غزة.
كما انتشرت منشورات
عبر منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك صفحة "فلسطين بوست" على فيسبوك،
حذرت من التعامل مع أوبر بسبب شراكتها مع شركة إسرائيلية تعمل في قطاع الطائرات المسيّرة.
وفي الوقت نفسه، عادت
الدعوات إلى المقاطعة الاقتصادية التي تستهدف الشركات الغربية العاملة داخل
الاحتلال الإسرائيلي، حيث سبق أن شهدت إسرائيل إغلاق شركات مثل كارفور، كنتاكي، وبيتزا
هت أبوابها في بعض الدول العربية، وفقًا لتقارير اقتصادية.
ولم تقتصر حملات
المقاطعة على مستخدمي سيارات "أوبر" فقط بل نشر عدد من "كباتن"
الشركة حذف التطبيق ورفضهم العمل من خلال الشركة رغم أنها تعتبر المصدر الرئيسي للدخل
بسبب الشراكة مع الاحتلال الإسرائيلي ودعمه.
شركة فلايتريكس
وتمتلك شركة
"فلايتريكس"، التي تأسست في تل أبيب عام 2013 وبدأت نشاطها العالمي عام
2017، قاعدة بيانات تشمل رحلات أكثر من 15 ألف طائرة مسيّرة في 90 دولة، وتستخدم الشركة
تقنيات متقدمة لتجاوز العوائق الجغرافية والمباني أثناء توصيل الطرود.
وأعلنت أوبر أن الشراكة
ستتيح نقل الطعام والسلع الأساسية عبر الطائرات المسيّرة في المدن الأمريكية، مع اختبار
الخدمة في مواقع محددة قبل تعميمها، ويعد هذا أول استثمار مباشر لأوبر في مجال النقل
الجوي باستخدام الطائرات المسيّرة، ويأتي بعد تطوير الشركة لخدمات التوصيل عبر الروبوتات
الجوالة على الأرصفة.
تاريخ أوبر في إسرائيل
بدأت شركة "أوبر"
نشاطها في إسرائيل عام 2014، حيث دخلت السوق الإسرائيلية بعد استحواذها على حصة من
شركات النقل المحلية لتقديم خدمات التوصيل والتنقل عبر تطبيقها المعروف، واستمرت الشركة
في تقديم خدماتها في تل أبيب وعدة مدن رئيسية أخرى لمدة تسع سنوات، متضمنة توصيل الركاب
من خلال سيارات الأجرة الخاصة والتوصيل عبر تطبيق "أوبر إيتس".
خلال هذه الفترة، واجهت
الشركة تحديات كبيرة تمثلت في ضعف الطلب مقارنة بالأسواق الأخرى التي تعمل فيها، إضافة
إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية وصعوبة الحصول على تراخيص التشغيل لبعض المناطق. وأشارت
التقارير الاقتصادية المحلية إلى أن البيئة التنظيمية في إسرائيل، مع متطلبات تراخيص
النقل الخاصة بها، أثرت على قدرة أوبر على توسيع عملياتها كما هو مخطط له، ما جعل الربحية
محدودة.
كما شهدت الشركة منافسة
قوية من خدمات النقل المحلية الأخرى مثل "Gett" و"Lyft"،
إضافة إلى الاعتماد الكبير للمستهلكين على وسائل النقل التقليدية، وهو ما حد من توسع
قاعدة العملاء بشكل كبير.
محكمة إسرائيلية تمنع التطبيق من العمل
في عام 2017، واجهت
شركة "أوبر" تحديات قانونية كبيرة داخل الاحتلال الإسرائيلي، بعدما أ
صدرت
محكمة تل أبيب قرارًا بمنع التطبيق من العمل بشكل كامل بسبب مشاكل تتعلق بالتأمين على
الركاب، وأوضح القرار أن السيارات التي تستخدم تطبيق "أوبر" كانت تشغل في
مخالفة للقانون، دون توفر التغطية التأمينية اللازمة، ما يعرض الركاب لمخاطر محتملة.
وجاء هذا القرار عقب
شكوى تقدمت بها نقابة سائقي سيارات الأجرة، بالتعاون مع تطبيق "غيت تاكسي"،
الذي يوفر خدمة مشابهة لطلب سيارات الأجرة عبر الهاتف المحمول، واعتبر يهودا بار أون،
رئيس نقابة سائقي سيارات الأجرة، أن المحكمة قامت بواجبها القانوني، مشددًا على أن
"المشغلين يشغلون سيارات أجرة خاصة في مخالفة للقانون ويعرضون الركاب للخطر لأنهم
لا يمتلكون أي تأمين ويستخدمون سائقين غير مدربين".
قبل هذا القرار، أطلقت
"أوبر إسرائيل" عدة خدمات تجريبية لتوسيع نطاق عملها، ففي عام 2016، دشنت
الشركة خدمة "أوبر نايت"، التي كانت تتيح للمستخدمين مشاركة تكاليف سيارات
خاصة خلال ساعات الليل في تل أبيب، وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2016 أطلقت خدمة
"أوبر داي"، التي تعمل من السابعة صباحًا حتى السابعة مساءً.
وعلى الرغم من هذه
التحديات القانونية، أكدت أوبر وقتها التزامها بالعمل مع السلطات الإسرائيلية لاستكشاف
كيفية تحسين النقل في المدن باستخدام التكنولوجيا، مع توفير بدائل آمنة وبأسعار معقولة
للركاب. كما واجهت الشركة تحديات إضافية على صعيد الأمن الرقمي، بعدما كشف التطبيق
عن اختراق إلكتروني استهدف البيانات الشخصية لحوالي 57 مليون مستخدم، تم التكتم عليه
لمدة عام قبل الإعلان عنه رسميًا.
في حزيران / يونيو
2023، أعلنت أوبر رسميًا عن انسحابها الكامل من السوق الإسرائيلية، معتبرة أن الظروف
التشغيلية غير المواتية وغياب الجدوى الاقتصادية الكافية جعل استمرار نشاطها غير مجد،
وبهذا القرار، أنهت الشركة رسمياً تواجدها في تل أبيب وبقية المدن التي كانت تقدم فيها
خدماتها.
عودة في 2026
في تصريحات حديثة،
أكدت وزيرة المواصلات الإسرائيلية، ميري ريغيف، أن الحكومة تدرس إمكانية عودة شركة
"أوبر" إلى السوق الإسرائيلي بحلول عام 2026، مشيرةً إلى أن السلطات تعمل
على مراجعة الأطر التنظيمية لتسهيل تشغيل خدمات النقل عبر التطبيقات الرقمية.
من جهة أخرى، نفت شركة
"أوبر" في بيان رسمي نيتها العودة إلى السوق الإسرائيلي، مؤكدةً أنها لا
تملك أي خطط لإطلاق خدماتها هناك، على الرغم من التصريحات الرسمية الصادرة عن تل أبيب.