سياسة عربية

NYT: كيف استهدفت الإمارات عبد الرحمن القرضاوي وسجنته بدون محاكمة؟

انتهاكات ممنهجة ووقائع التعذيب وسوء المعاملة جرى توثيقها في سجون الإمارات- منصة "إكس"
نشرت صحيفة نيويورك تايمز  تقريرا حول اختفاء الناشط المصري عبد الرحمن القرضاوي في السجون الإماراتية بعد ترحيله حيث لا يزال معتقلا هناك منذ أكثر من 7 أشهر بدون محاكمة.

وقالت الصحيفة، إن القرضاوي كان قد انتقد الإمارات في منشورات على منصات التواصل الإجتماعي، جرى ترحيله إلى الإمارات من لبنان في قضية يقول محاموه إنها قضيته تقدم سابقة في القمع العابر للقارات.

وأوضحت الصحيفة، أن القرضاوي، وهو شاعر وناشط ضد الاستبداد قد سافر إلى دمشق لكي يشارك السوريين احتفالاتهم بعد الإطاحة بالنظام الديكتاتوري لبشار الأسد في كانون الثان/ ديسمبر 2024.

ومن هناك سجل فيديو عبر فيه عن أمله عن سقوط بقية الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة في الشرق الأوسط، وحذر في الفيديو من تآمر أنظمة "العار العربية والصهاينة العرب في الإمارات والسعودية ومصر ضد النظام الجديد"، على حد تعبيره.

وبعد أيام من نشر الفيديو، اعتقلت قوات الأمن اللبنانية القرضاوي، وهو نجل العالم الإسلامي المعروف يوسف القرضاوي، أثناء عبوره الحدود إلى لبنان.

وبيّنت الصحيفة، أنه لم يرحل إلى مصر، حيث صدر بحقه حكم غيابي بالسجن عام 2016  بتهم تتعلق بمعارضته للحكومة المصرية، ولا إلى تركيا، حيث عاش في منفى سياسي، بل أرسلته السلطات اللبنانية إلى الإمارات، وهي دولةٌ تبعد عنه أكثر من 1,000 ميلا، ولم تكن تربطه بها أي صلة.

وتعلق الصحيفة أن قضية القرضاوي سلطت ضوءا غير عادي على النفوذ السياسي للإمارات في منطقة الشرق الأوسط. فقد استخدمت الإمارات وهي دولة حليفة للولايات المتحدة ثروتها النفطية لتوسيع نفوذها الإقتصادي والسياسي.

واعتقل القرضاوي في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2024 ووضع على طائرة باتجاه الإمارات في 8 كانون الثاني/ يناير.

وكانت قضيته هي الأولى على ما يبدو التي يتم فيها استخدام "قانون الشائعات والجرائم الإلكترونية" المحلي في موضوع خارج البلاد. وحتى آب/ أغسطس، ولم تزره عائلته إلا مرة واحدة، في زيارة استغرقت 10 دقائق في آذار/ مارس، ولم يكن لها أي اتصال به، ولم تكن تعلم بمكان احتجازه في الإمارات.

وبحسب رودني ديكسون، المحامي المقيم في لندن والذي يعمل مع العائلة، وقد سمح لهم بزيارة ثانية يوم الاثنين، بعد أسابيع من إرسال صحيفة "نيويورك تايمز" أسئلة إلى الحكومة الإماراتية حول قضيته.

وقدم المحامي ديكسون في يوم الثلاثاء شكوى نيابة عن عائلة القرضاوي إلى مجموعة العمل المختصة بالإعتقال التعسفي التابعة للأمم المتحدة، حث فيها المجموعة للتحقيق في احتجازه واعتباره غير قانوني وطلب الإفراج عنه. 

ونقلت الصحيفة عن ديكسون قوله في مقابلة أجريت في تموز/ يوليو: "نحن هنا أمام ثقب أسود، حيث اختفى".

وأشرات الصحيفة إلى أنه، رغم استقطاب دبي وأبو ظبي ملايين العاملين الأجانب، إلا أنها واحدة من أكثر الدول استبدادية في المنطقة، حيث لا تتسامح مطلقا مع النقد، فيما تجرم القوانين الإماراتية نشر مجموعة واسعة من المعلومات عبر الإنترنت، بما في ذلك المحتوى الذي يضر "بسمعة أو هيبة أو كرامة الإمارات العربية المتحدة".

وأكدت أن قادة الدولة تتعامل مع النهج الذي يتبنونه على أنه نموذج لبقية الشرق الأوسط، ومع تراجع القوى العربية التقليدية مثل مصر التي تواجه أزمات اقتصادية، تقوم دول الخليج بما فيها الإمارات باستخدام ثرواتها النفطية لتحقيق أجندتها الخارجية.

وبالتوازي مع اعتقال القرضاوي يواجه فيه لبنان عددا من الأزمات، وهو البلد الذي ظل ولعقود طويلا ملجأ للمنفيين والمعارضين السياسيين من كل أنحاء العالم العربي.

ووصف الصحيفة أن الحرية في لبنان كانت أفضل منها في بقية الدول العربية، مضيفة أنه في حين طلب ترحيل القرضاوي إلى مصر وصل قبل الطلب الإماراتي، إلا ان حكومة لبنان استجابت لطلب أبو ظبي و "بأقصى سرعة" حسب قول محامي القرضاوي في لبنان، محمد صبلوح، حيث قال: "مصر دولة عربية فقيرة لا تنفع لبنان، أما الإمارات العربية المتحدة، فتنفعه".

ومن جانبها، خلال رد على أسئلة مفصلة حول قضية القرضاوي، قالت وزارة الداخلية اللبنانية، إن اعتقاله وترحيله لاحقا في كانون الثاني/ يناير تم في ظل حكومة تصريف أعمال سابقة، ولم تدل بمزيد من التعليقات.

بدورها، ردت الحكومة الإماراتية على أسئلة "نيويورك تايمز"  في بيان لها إن القرضاوي كان رهن الحبس الاحتياطي بينما تحقق السلطات معه بتهمة "الانخراط في أنشطة تهدف إلى تقويض الأمن العام". وأضافت الحكومة أن التحقيق "يتوافق تماما مع المعايير القانونية ومعايير حقوق الإنسان، بما في ذلك حقه في الدفاع والرعاية الصحية والتواصل مع محاميه وعائلته".

وتابع البيان قائلا إنه "سيتم تشديد اللوائح المتعلقة بالاتصال والوصول في القضايا المتعلقة بتحقيقات أمن الدولة". وأضاف أن القانون الإماراتي يسمح بتمديد الحبس الاحتياطي "تحت إشراف قضائي صارم". ولم ترد الحكومة على استفسار حول إمكانية استمرار هذا التمديد إلى أجل غير مسمى.

ويبلغ القرضاوي من العمر 53 عاما وهو أب لثلاثة بنات، وعاش والده الشيخ يوسف لعدة عقود في قطر حيث توفي في عام 2022 عن عمر يناهز الـ 96 عاما. والقرضاوي الأب هو عالم حظي بشعبية واسعة في أنحاء العالم الإسلامي وكان على علاقة بجماعة الإخوان المسلمين ومنع من دخول فرنسا وبريطانيا.

وذكرت الصحيفة، أن بعد فشل الربيع العربي وعودة العسكر إلى مصر قبل أكثر من عقد سافر القرضاوي الإبن إلى تركيا حيث حصل على الجنسية التركية، ونشط على منصات التواصل الإجتماعي بمتابعين يزيد عددهم عن 800,000 شخصا حيث دعا إلى الحرية السياسية بالمنطقة.

وأعتبرت الصحيفة أن القرضاوي داعم صريح للمقاومة الفلسطينية حيث اعتبر هجوم حماس في عام 2023 بأنه "سيناريو واقعي لتحرير فلسطين"، ويعتبر حاكم الإمارات الشيخ محمد بن زايد من أشد المعارضين للإسلام السياسي بما فيها حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، حيث صنفت الأخيرة كجماعة إرهابية.

وقادت الإمارات دفعة لتوقيع اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل في عام 2020، ولكن أمر الترحيل لم يصدر بعد منشور للقرضاوي حول استشهاد زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة، يحيى السنوار.

واستهدف القرضاوي البلد في شريط الفيديو الذي سجله في 23 كانون الأول/ديسمبر بدمشق، ووضعه ضمن الدول التي ستتآمر للتدخل في سوريا ما بعد الأسد، وقال إن الإماراتيين "كما هي العادة هم على الجانب الخطأ من التاريخ".

وفي 8 كانون الثاني/يناير، اصدر مقررون خاصون في الأمم المتحدة بيانا حثوا في لبنان على عدم ترحيل القرضاوي إلى الإمارات، وحذروا من تعرضه للتعذيب والإختفاء القسري.

وفي حين أن الأمم المتحدة ليست لديها سلطة لإجبار الحكومة الإماراتية على إطلاق سراحه. لكن ديكسون يأمل أنه إذا قررت مجموعة العمل بأن احتجاز القرضاوي كان تعسفيا، فقد يضغط ذلك على الحكومة لإعادة النظر في قضيته وكشف الغموض المحيط بها.

وفي بيانها لصحيفة "نيويورك تايمز" قالت الإمارات إن  القرضاوي يتمتع بصحة جيدة ويخضع لفحوصات طبية منتظمة، ودعت عائلة  القرضاوي، في بيان للصحيفة، لعودته، حيث قالت: "عبد الرحمن من أشجع الأشخاص الذين نعرفهم، إنه محبوب من بناته الثلاث الصغيرات وعائلته، وكل يوم يمر بدونه يجلب المزيد من الخوف والحزن".

وتشير إدانات سابقة لهيومن رايتس ووتش، حيث أعرب من خلالها خبراء أمميون في مجال حقوق الإنسان عن صدمتهم إزاء الأحكام بالسجن المؤبد التي أصدرتها محكمة الاستئناف في أبو ظبي، في 10 تموز/يوليو 2024، بحق 43 شخصا، من بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء.