نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية، مقالا، للمعلق أوين جونز، قال فيه إنّ: "الغرب لم يواجه حسابا للدّمار الذي تسبب به على
العراق، وهو ما جعل جرائم الحرب التي نواجهها اليوم حتمية".
وبحسب المقال الذي حمل عنوان "من شوارع بغداد، شاهدت خطا واضحا لحمّام الدم في
غزة"، وترجمته "عربي21" فإنّ جونز، أضاف بأنّه اضطر انتظار زميله الصحافي غيث عبد الأحد لترجمة "لقد دمرتم العراق" التي سمعها في شارع من بغداد، أثناء زيارة أخيرة له إلى العراق، من رجل غاضب.
وتابع: "لكن النظرة الهادرة على وجه هذا الرجل في منتصف العمر كانت كفيلة بسرد قصته، كنّا نقف في شارع حيفا، أحد شوارع بغداد الرئيسية، الممتد على طول الضفة الغربية لنهر دجلة، وقد علم للتو أنني بريطاني. قال عن الاحتلال الأمريكي البريطاني: وعدوا بأن يكون العراق جنة".
واسترسل: "ثم روى قصة مألوفة: اختطافه على يد جماعات طائفية، التي ازدهرت بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وتعذيبه الشديد الذي كاد أن يشل حركته".
وقال جونز إنه جاء إلى بغداد لتتبع أثار عبد الأحد في ذلك اليوم المريع قبل 21 عاما. وأثبت شارع حيفا، بأزقته ومبانيه الشاهقة والذي يمتد مسافة ميلين، أنه مثالي لحرب المدن والقناصة، وسرعان ما أصبح يعرف بشارع الموت.
وأردف: "في صباح أحد من أيلول/ سبتمبر 2004، هرع عبد الأحد من غرفته في الفندق بعد أن علم بوقوع انفجار. وتجمع حشد في أعقاب الحادث، من بينهم مدنيون. ثم أطلقت مروحيتان أمريكيتان صواريخ، فتناثرت الجثث. وبينما كان يلتقط الصور، مات الرجال أمام عينيه، بينما توسل إليه الناجون أن: يظهر للعالم الديمقراطية الأمريكية".
واسترسل المقال: "صادف أوينز ورفيقه عبد الأحد، الرجل الغاضب في منتصف العمر أثناء البحث عن سقيفة خرسانية كان عبد الأحد قد احتمى خلفها. وهدأ غضب الرجل أثناء الحديث، ولطالما وجدت العراقيين دافئي الطباع يفرقون بين غضبهم على الغرب والغضب على واطنيه، مع أن غضبهم مبرر".
واستدرك: "على خريطة التاريخ، طريق دموي يؤدي من شارع حيفا إلى مدينة غزة. فالفشل في تدفيع الغرب حساب الكارثة التي وقعت في العراق جعل من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحق
الشعب الفلسطيني ممكنة".
وأبرز المصدر نفسه: "قد كانت حرب العراق حربا عدوان اعتبرها الأمين العام للامم المتحدة في حينه كوفي عنان "غير قانونية"، أدخلت العراق في فوضى قتل عارمة؛ وقتل فيها، 300,000 عراقيا، حسب ما توصلت إليه منظمة "إحصاء جثث العراقيين"، وكان حوالي ثلثيهم من المدنيين؛ وقتل بعضهم مباشرة على يد قوات الاحتلال".
إلى ذلك، أبرز
المقال: "يشير عبد الأحد إلى أن المذبحة التي شهدها كانت شائعة، واكتسبت هذه الفظاعة تحديدا شهرة أكبر لأنه، بصفته صحافيا في صحيفة "الغارديان" وجد نفسه صدفة هناك"، مضيفا: "ربما وجدت نفسك تتساءل: كيف يمكن لجريمة بشعة كجريمة غزة أن ترتكب؟".
ويعتقد الكاتب أنّ: "غياب المحاسبة كان كارثيا، ونعرف الآن النتائج المدمرة التي توصل إليها تحقيق تشيلكوت البريطاني عام 2016، والذي وجد أن توني بلير اختار الانضمام إلى غزو العراق، قبل استنفاد الخيارات السلمية لنزع السلاح. لكن العراق سيظل محفورا في الذاكرة الغربية كخطأ فادح. ولهذا لم تتم محاسبة المشاركين في الجريمة على جرائمهم".
وأكّد: "انتهت أكبر الحروب في القرن الحادي والعشرين، في العراق وأفغانستان وليبيا بكوارث ولم يدفع ثمنها أحد. وبحسب دراسة أجرتها جامعة براون، فقد مات أكثر من 4.5 مليون شخصا لأسباب مباشرة وغير مباشرة في هذه الصراعات وغيرها بما في ذلك
سوريا".
وختم بالقول: "نظرا لعدم وجود حساب على هذه الجرائم، قد يتساءل البعض لماذا تمثل غزة استثناء؟ عليهم أن يدركوا أن الغرب قضى القرن الحادي والعشرين في دوامة تدهور مميتة، أيا كانت مقاييسك عسكرية أو اقتصادية أو أخلاقية".
وأردف: "هذه المرة، على عكس ما حدث في ساحات القتل بالعراق، لا بد من محاسبة السياسيين ووسائل الإعلام المتواطئة في محو غزة من خريطة العالم وفي قتل أهلها وتشويههم وتجويعهم. وكما يظهر تاريخنا الحديث، إذا لم تحاسب، فإنك تجعل الجرائم المستقبلية ليس فقط ممكنة، بل حتمية".