لا يمكن إلا أن نلحظ أن إسرائيل منذ فرضت حصارها المطبق على قطاع
غزة وسكانها 2.3 مليون نسمة بعد فوز حماس بالانتخابات قبل عقدين أن الهدف من الحصار والحروب والتجويع تحويل غزة لسجن مفتوح في الهواء الطلق لمليون وثلاثمائة ألف فلسطيني. منعت عنهم جميع مقومات الحياة ـ لتجبرهم على الهجرة التي تصفها بالطوعية، بينما في الواقع هو تطهير عرقي يشكل جريمة حرب.
ولا يقف القتل والإبادة الممنهجة على استهداف المدنيين (83٪ مدنيين مقابل 16٪ مقاتلين) بل يؤكد تقرير الأمم المتحدة ومنظماته ومنظمة يونيسف وحماية الأطفال بتقارير صدرت يوم الجمعة الماضي، انتشار
المجاعة في محافظة غزة التي يقطنها أكثر من مليون وربع شخص. ويعاني نصفهم من مجاعة وسوء تغذية-وهذه المرة الخامسة التي يعلن التصنيف المرحلي المتكامل عن تفشي المجاعة. بعد إعلانها قبل عقود مرتين في الصومال ومرة في جنوب السودان ومرة في دارفور بسبب القحط والجفاف.
وحذرت منظمة اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي أن حوالي نصف مليون شخص في غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع (المرحلة 5) ويحتاجون للعلاج من سوء التغذية الحاد. وحذر خبراء قبل عام من خطورة انتشار مجاعة فعلية. وذلك يشكل جريمة إبادة، ويجب وقف الحصار وإدخال المساعدات بأي وسيلة ممكنة.
كما اتهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل بتعمد تجويع الفلسطينيين. وكذلك اتهمتها منظمة حماية الأطفال بتجويع أطفال غزة. وأشارت هيومن رايتس ووتش أن إسرائيل تستخدم
التجويع سلاحا في حربها على غزة. فيما أكد برنامج الغذاء العالمي أن غزة مجوعة!
ومتوقع بنهاية سبتمبر القادم انتشار المجاعة في دير البلح وخان يونس
ومتوقع بنهاية سبتمبر القادم انتشار المجاعة في دير البلح وخان يونس!! والمؤلم تكدس آلاف شاحنات المساعدات الغذائية على بعد مئات الأمتار في رفح المصرية وتفسد حمولتها بسبب الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات. ويذكر تقرير منظمة العفو الدولية أن غزة تقترب من الفناء!! فيما يؤكد عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا لدينا 6000 شاحنة جاهزة للدخول إلى غزة ولكن إسرائيل ترفض فتح المعابر وإدخال الشاحنات، خاصة أن الأونروا تملك الخبرة والمراكز والموظفين.
ولضمان تفشي وانتشار المجاعة يهندس
الاحتلال وبآليات ممنهجة تعميق المجاعة ومنع دخول المساعدات إلا بالقطارة. ولا يقتصر تعمد الاحتلال الإسرائيلي على الحصار ومنع إدخال المساعدات، بل عمد ويعمد على تدمير حوالي 80٪ من المساحات الصالحة للزراعة في غزة بحلول مايو الماضي.
ورافق ذلك أيضا استهداف الاحتلال 85٪ من المياه الصالحة للشرب في غزة ـ وإلقاء المساعدات جواً وبشكل مكلف وغير عملي ولا يغطي سوى 7٪ من حاجة القطاع. ويكلف أكثر من 100 مرة من كلفة إدخال الشاحنات التي تدخل بكميات أكبر. ثم ابتدعت مؤسسة غزة الإنسانية وأوقفت تمويل وكالة غوث اللاجئين والتي تعمل منذ عام 1948. وأغلقت 400 مركز توزيع مساعدات تشرف عليها الأونروا.
وحصرت توزيع المساعدات «بمؤسسة غزة الإنسانية»-التي هي عبارة عن أفخاخ الموت التي تقتل بشكل يومي القادمين لأخذ المساعدات ـ موجودة في 4 مراكز في القطاع. وتعمد بعد ضغط كبير لذر الرماد في العيون إدخال اليسر القليل من المساعدات الإنسانية، ليصبح خيار الغزيين إما أن يموتوا جوعا أو عند نقاط توزيع المساعدات التي يشرف عليها عسكريون أمريكيون وغيرهم متقاعدون ينكلون بالفلسطينيين. ولا يقدر الوصول إلى المساعدات سوى الأقوياء الذين يمكنهم تحمل المعاناة ثم يتصارعون بشكل فوضوي لانتزاع صناديق المساعدات، ويُطلق النار ويسقط العشرات بين قتلى ومصابين!! حتى تجاوز عدد ضحايا أفخاخ المساعدات 2000 ضحية. فيما يستمر ارتفاع عدد المتوفين من سوء التغذية والمجاعة 274 بينهم 113 شهيدا من الأطفال.
التقرير الأممي الموثق يدين إسرائيل بارتكاب جريمة التجويع المتعمد ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، «المجاعة بأنها «كارثة من صنع الإنسان» و«فشل إنساني» وشدد على حاجة عاجلة لوقف إطلاق النار وتوفير وصول إنساني غير مقيد.
وتستمر إسرائيل بمنع دخول الصحافة الدولية وحتى الأطباء الأجانب حتى لا يفضحوا جرائم حربها واستخدام التجويع سلاحا لإبادة الفلسطينيين، وهذا جزء من المخطط لاستكمال التطهير العرقي وإخلاء قطاع غزة من المدنيين بسبب القصف والتدمير والإصابات وتدمير المستشفيات والبنى التحتية وسط عجز وخذلان وتواطؤ وشراكة عربية ودولية بقيادة الولايات المتحدة من إدارة بايدن إلى إدارة ترامب اليوم. لأن التجويع يخدم الحملة العسكرية ودفعهم للنزوح وحتى التهجير القسري مع حشد قوات الاحتلال وحصار مدينة غزة والعمل على تهجير أكثر من مليون فلسطيني كثير منهم نازحون وصولا إلى طردهم وتهجيرهم دون عودة إلى قطاع غزة.
لذلك تتفاوض إسرائيل مع عدة دول منها جنوب السودان والصومال وحتى ليبيا وإندونيسيا استقبال اللاجئين من غزة ـ برغم نفي جميع تلك الدول لذلك الادعاء.
ويتحدى وينكر نتنياهو وحكومته المتطرفة بشكل مستفز المجاعة والتجويع وحتى ارتكاب حرب إبادة. وصف نتنياهو تقرير منظمة الغذاء العالمي «بكذبة صريحة» وأنكر ممارسة إسرائيل سياسة تجويع!! فيما تؤكد منظمات دولية تفاقم وتفشي المجاعة ما يشكل عاراً في جبين البشرية كما يقول قادة أوروبيون ووزير الخارجية البريطاني، ومع ذلك لا يفعلون آلية ردع إسرائيل. ولا يوقفون تزويد إسرائيل بالسلاح، ولا يفرضون عقوبات عليها! برغم علمهم بجرائم الاحتلال!!
القدس العربي