مقابلات

قيادي روهينغي: محاصرون بين 3 خيارات مستحيلة.. وجميع المبادرات مع النظام البورمي فشلت

طاهر محمد الآركاني أكد أن الانقلابات العسكرية المتكررة في ميانمار أسهمت بشكل مباشر وكبير في تعميق مأساة الروهينغيا- مواقع التواصل
قال رئيس المؤتمر العام باتحاد روهينغا أراكان (ARU)، رئيس منتدى بورما للسلام والتنمية (BPDF)، الدكتور طاهر محمد الآركاني، إن الشعب الروهينغي بات اليوم عالقا بين ثلاثة خيارات وُصفت بالمستحيلة: البقاء في مخيمات اللجوء المكتظة داخل بنغلاديش والفقر ينهشهم، أو العودة إلى وطن بلا ضمانات أمان على الإطلاق، أو القبول بتوطين مجهول المصير.

وأشار الآركاني، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "جميع المبادرات الدولية للتوصل إلى حل مع النظام البورمي انهارت وانتهت بالفشل، ما جعل مستقبل مئات الآلاف من اللاجئين يظل عالقا بين التشرد والحرمان وفقدان الأمل"، مؤكدا أن "غياب الحلول الحقيقية يهدد جيلا كاملا بالضياع وفقدان الهوية والأمل".

واستدرك قائلا: "مع ذلك، يبقى مستقبل قضية الروهينغيا بالغ التعقيد والحساسية، لكنه ليس مغلقا تماما أمام بارقة أمل؛ فالمسارات الدولية المتاحة، سواء عبر المحاكم والهيئات القضائية العالمية، أو من خلال الضغوط السياسية والدبلوماسية المتواصلة، ما تزال تشكّل نافذة لإحداث اختراق حقيقي. وتزداد أهمية هذه المسارات في ظل تنامي التضامن الشعبي والإعلامي عالميا مع قضيتنا، وهو ما يعزز فرص تحريك الرأي العام وصنّاع القرار باتجاه حلول أكثر عدلا وإنصافا".

يُشار إلى أنه في 25 آب/ أغسطس 2017، شنّت حكومة ميانمار وجيشها حملة عسكرية واسعة ضد أقلية الروهينغيا المسلمة في ولاية أراكان، وصفتها الأمم المتحدة بأنها تطهير عرقي وإبادة جماعية. أسفرت الحملة عن مقتل الآلاف، واغتصاب النساء، وحرق مئات القرى بالكامل، ما دفع أكثر من 700 ألف من الروهينغيا إلى الفرار نحو بنغلاديش طلبا للنجاة.

ومنذ ذلك الحين، يعيش مئات الآلاف من الروهينغيا في مخيمات مكتظة وظروف إنسانية بالغة القسوة، بلا هوية قانونية ولا حقوق مواطنة، بينما ما زالوا محرومين من العودة الآمنة إلى ديارهم. ومع حلول الذكرى الثامنة للمأساة، تظل قضيتهم واحدة من أطول الأزمات الإنسانية وأكثرها إهمالا على المستوى الدولي.

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

بعد مرور ثماني سنوات، كيف تصفون الوضع الإنساني لمئات الآلاف من اللاجئين الروهينغيا في مخيمات بنغلاديش؟


بعد مرور ثماني سنوات على الإبادة الجماعية، لا يزال الوضع الإنساني لمئات الآلاف من اللاجئين الروهينغيا في مخيمات بنغلاديش صعبا للغاية؛ فهم يعيشون في ظروف قاسية تتسم بالاكتظاظ، وانعدام فرص التعليم والعمل، ونقص الخدمات الصحية، وضعف البنية التحتية، وتعتمد كثير من العائلات بشكل كامل على المساعدات الإنسانية التي تراجعت في السنوات الأخيرة، مما فاقم معاناتهم.

يشكّل الأطفال أكثر من نصف عدد اللاجئين، ومعظمهم محرومون من التعليم الرسمي، الأمر الذي يهدد بضياع مستقبل جيل كامل. أما النساء والفتيات فيواجهن مخاطر خاصة تتعلق بالأمن والعنف، بينما يعاني الشباب من فقدان الأمل وانعدام الفرص.

وما زال الوضع الإنساني حالة طوارئ طويلة الأمد؛ إذ يعيش اللاجئون بلا هوية قانونية، وبلا حقوق مواطنة، ودون أي أفق واضح للعودة الآمنة والكريمة إلى وطنهم.

ما أبرز التحديات الصحية والتعليمية التي يواجهها أطفال الروهينغيا في تلك المخيمات؟

يواجه أطفال الروهينغيا في المخيمات تحديات صحية جسيمة، حيث يعاني الكثير منهم من سوء تغذية مزمن ينعكس في ارتفاع معدلات التقزم ونقص الوزن وفق تقارير المنظمات الدولية. كما أن ضعف البنية الصحية يجعلهم عرضة للإصابة بأمراض معدية شائعة مثل الإسهالات المتكررة، والتهابات الجهاز التنفسي، والمشكلات الجلدية، في حين تظل الخدمات الصحية المتخصصة للأطفال محدودة للغاية، بما في ذلك برامج التطعيم، والدعم النفسي، والرعاية المقدمة لذوي الإعاقة.

أما على الصعيد التعليمي، فإن أكثر من نصف الأطفال محرومون من الالتحاق بالتعليم الرسمي، إذ لا تسمح السلطات بدمجهم في النظام التعليمي البنغالي. وحتى الفرص التعليمية المتاحة داخل المخيمات غالبا ما تكون غير معترف بها دوليا، الأمر الذي يترك مستقبلهم الأكاديمي والمهني غامضا.

وإلى جانب ذلك، تعاني العملية التعليمية من قصور واضح في البنية التحتية، يتمثل في الفصول المكتظة وقلة المعلمين المؤهلين وغياب المناهج الحديثة، بينما تواجه الفتيات على وجه الخصوص عقبات ثقافية وأمنية تجعل مواصلة تعليمهن أكثر صعوبة.

هل تطرح المنظمات الدولية حلولا عملية لتلك التحديات؟

تسعى المنظمات الدولية، مثل اليونيسف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية، إلى التخفيف من معاناة أطفال الروهينغيا عبر برامج متعددة في مجالي الصحة والتعليم؛ فعلى المستوى الصحي، أُنشئت مراكز للتغذية لمواجهة سوء التغذية، ونُظمت حملات تطعيم واسعة، إضافة إلى تشغيل عيادات متنقلة وتقديم برامج توعية للأمهات حول الرعاية الصحية الأساسية.

أما في مجال التعليم، فقد طُوِّر "إطار تعليمي مؤقت" يستند إلى مناهج ميانمار، بهدف تمكين الأطفال من مواصلة تعليمهم وتحضيرهم لاحتمالات العودة إلى وطنهم مستقبلا، إلى جانب توفير برامج للتعليم غير الرسمي داخل المخيمات.

ورغم أهمية هذه المبادرات، فإنها تظل محدودة الأثر بسبب ضعف التمويل وعدم استدامة الدعم، إذ تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية.

لذلك، يبقى التحدي الأكبر قائما، وهو أن الحل الجذري لا يكمن في المبادرات المؤقتة، بل في معالجة جذور الأزمة السياسية وضمان حق الروهينغيا في العودة الآمنة إلى ديارهم، حيث يمكن للأطفال الحصول على تعليم وصحة كريمين أسوة ببقية أطفال العالم.

كيف يمكن توصيف طبيعة العلاقة التاريخية بين النظام البورمي وأقلية الروهينغيا المسلمة؟ وكيف تبدو هذه العلاقة اليوم؟

تاريخيا، اتسمت العلاقة بين الدولة البورمية وأقلية الروهينغيا بالتوتر والتمييز المتصاعد؛ فبعد استقلال بورما عام 1948، كان الروهينغيا يُعترف بهم كجزء من النسيج الوطني؛ شارك ممثلوهم في البرلمان، وخدم بعضهم في الجيش والإدارة. غير أن انقلاب 1962 العسكري شكّل نقطة تحول جذرية، حيث بدأت مرحلة منظمة من التهميش والحرمان، تمثلت في فرض قيود على حرية الحركة، ومصادرة الأراضي، وصولا إلى قانون الجنسية لعام 1982 الذي جردهم رسميا من حق المواطنة، وأسس لعقود من الإقصاء.

أما اليوم، فقد تحولت هذه العلاقة إلى ما يشبه العداء الوجودي؛ إذ ينظر النظام في نايبيداو إلى الروهينغيا باعتبارهم "غرباء" لا حق لهم في الأرض أو الهوية الوطنية، وقد تجسّد ذلك في موجات متكررة من العنف والتهجير القسري، بلغت ذروتها في أحداث عام 2017 التي وصفتها منظمات دولية بأنها "إبادة جماعية". وحتى الآن، يرفض النظام الاعتراف بالروهينغيا كجماعة قومية أصيلة، ويواصل إنكار حقوقهم الأساسية، الأمر الذي جعلهم يُصنَّفون على نطاق واسع كإحدى أكثر الأقليات اضطهادا في العالم.

هل وُجد أي تواصل مباشر أو غير مباشر بين النظام البورمي ومسلمي الروهينغيا، سواء في الماضي أو في الحاضر؟

شهدت العلاقة بين النظام البورمي وأقلية الروهينغيا محاولات تواصل متفاوتة عبر الزمن، لكنها لم تثمر عن اعتراف حقيقي أو حلول مستدامة؛ ففي مرحلة ما بعد الاستقلال عام 1948، وُجدت قنوات اتصال مباشرة، حيث شارك ممثلون من الروهينغيا في البرلمان، وسعوا من خلال الحكومات المتعاقبة إلى نيل الاعتراف بهم كجماعة قومية أصيلة في ولاية أراكان.

كما أن الجيش البورمي في خمسينيات القرن الماضي فتح قنوات مع قادة "المجاهدين الروهينغيا" بغرض إنهاء النزاعات المسلحة مقابل وعود بالدمج السياسي، إلا أن تلك الوعود لم تُنفذ بالكامل. ومع انقلاب عام 1962 العسكري، انهارت فرص التواصل السياسي تقريباً وحل محلها نهج القمع والإقصاء.

وفي العقود اللاحقة، تراجعت العلاقة إلى مجرد علاقة أمنية وقمعية، حيث بات التواصل محصورا في الإجراءات العسكرية والإدارية التي تهدف إلى فرض القيود والتحكم في حركة السكان، دون أي حوار سياسي أو مفاوضات جدية بشأن الحقوق.

أما في الحاضر، وبعد أحداث الإبادة الجماعية عام 2017، فقد انقطع أي شكل من أشكال التواصل المباشر الفعّال بين النظام البورمي والروهينغيا؛ فالموقف الرسمي في العاصمة نايبيداو ما زال قائما على الإنكار ورفض الاعتراف بالروهينغيا كجماعة قومية، وأي محاولات للحوار تجري اليوم تتم غالبا عبر قنوات غير مباشرة، مثل الأمم المتحدة، أو المنظمات الإنسانية، أو الوساطات الدولية التي تسعى إلى التفاوض حول قضايا إنسانية محدودة كالمساعدات أو إعادة بعض اللاجئين. غير أن معظم هذه المبادرات تصطدم برفض السلطات تقديم ضمانات حقيقية، ما يجعلها غير قادرة على إحداث أي اختراق جوهري في الأزمة.

لماذا يرفض النظام البورمي الاعتراف بالروهينغيا كمواطنين أصليين رغم وجودهم منذ قرون في إقليم أراكان؟

يرفض النظام البورمي الاعتراف بالروهينغيا كمواطنين أصليين في إقليم أراكان رغم وجودهم التاريخي الممتد لقرون، وذلك لأسباب أيديولوجية وسياسية متشابكة؛ فمنذ عقود، تبنت الدولة البورمية هوية قومية ضيقة تتمحور حول العِرق البورمي والبوذية كدين مهيمن، وهو ما جعل وجود أقلية مسلمة كبرى في منطقة حدودية يُنظر إليه على أنه تهديد مباشر لتلك الهوية.

وإلى جانب ذلك، كرّس الخطاب الرسمي رواية تاريخية مشوهة تصوّر الروهينغيا باعتبارهم "مهاجرين بنغاليين" استُقدموا خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية، متجاهلا الأدلة على تجذرهم التاريخي في أراكان منذ قرون، وهو سرد وُظف لتبرير حرمانهم من حقوق المواطنة.

الموقع الجغرافي لولاية أراكان على الحدود مع بنغلاديش زاد من تعقيد الموقف، إذ غذّى الخطاب القومي فكرة أن الروهينغيا غرباء أو دخلاء قد يهددون وحدة البلاد أو يسعون إلى فصل الإقليم. وبهذا، تحوّل نزع الاعتراف بهم إلى أداة للسيطرة السياسية، سمحت للنظام بتهميشهم سياسيا، وعزلهم اجتماعيا، وتبرير حملات التهجير والإبادة المتكررة.

واليوم، يستمر الرفض الرسمي لأنه يخدم مصالح النخبة العسكرية والقومية، حيث يضمن كسب تأييد القوميين البوذيين، ويبقي الروهينغيا خارج أي إطار قانوني أو سياسي يمكّنهم من المطالبة بحقوقهم داخل ميانمار.

إلى أي مدى يوظّف الجيش البورمي سياسات الإقصاء والتطهير العرقي كأداة لترسيخ سلطته على حساب الروهينغيا؟

لا يمكن النظر إلى سياسات الإقصاء والتطهير العرقي التي يمارسها الجيش البورمي ضد الروهينغيا على أنها ممارسات عرضية أو هامشية، بل هي أداة مركزية لترسيخ سلطته؛ فمن خلال تصوير الروهينغيا على أنهم "خطر خارجي" و"دخلاء" يهددون الهوية الوطنية والبوذية، يقدّم الجيش نفسه باعتباره الحامي للبلاد، وهو ما يمنحه شرعية في نظر الأغلبية البورمية، ويعزز دوره كضامن للوحدة القومية.

كما أن هذا الإقصاء يتيح للجيش توجيه أنظار المجتمع بعيدا عن مطالبه بالديمقراطية والإصلاح؛ إذ يجعل من "العدو الداخلي" محور الخطاب السياسي بدلا من تركيز النقد على استبداد السلطة العسكرية. ولعل حملات العنف الكبرى ضد الروهينغيا في أعوام 2012 و2016 و2017 لم تكن مجرد عمليات تهجير، بل رسائل صريحة لبقية الأقليات والقوى المعارضة بأن الجيش قادر على استخدام أقصى درجات العنف لحماية نفوذه.

كذلك مكّن التهجير الواسع للروهينغيا الجيش من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي وإعادة توزيعها، خاصة في ولاية أراكان ذات الأهمية الاستراتيجية والغنية بالموارد. وهكذا، أصبح استمرار معاناة الروهينغيا ورقة سياسية بيد المؤسسة العسكرية؛ فهي تُستثمر داخليا في كسب القوميين البوذيين، وخارجيا في المساومات مع المجتمع الدولي.

هل أسهمت الانقلابات العسكرية المتكررة في ميانمار في تفاقم معاناة الروهينغيا، أم أن جذور الاضطهاد أعمق من ذلك؟

لا شك أن الانقلابات العسكرية المتكررة في ميانمار أسهمت بشكل مباشر وكبير في تعميق مأساة الروهينغيا، لكنها لم تكن المصدر الوحيد لمعاناتهم؛ فالجذور الحقيقية للاضطهاد تعود إلى العقيدة القومية البورمية الضيقة التي لم تعترف بالتعددية العرقية والدينية، وإلى السردية الرسمية التي صوّرت الروهينغيا باعتبارهم "غرباء" أو "دخلاء". هذه الرؤية الإقصائية سبقت الانقلابات، لكن الأخيرة وفّرت لها الغطاء العسكري والسياسي الذي حوّلها إلى سياسات ممنهجة؛ فقد شكّل انقلاب 1962 نقطة التحول الكبرى، إذ بدأ منه مسار تجريد الروهينغيا من حقوق المواطنة، وصولا إلى قانون 1982 الذي جعلهم رسميا بلا جنسية. ومنذ ذلك الحين، ومع كل انقلاب جديد، سواء عام 1988 أو 2021، كان الجيش يعزز قبضته على الدولة ويصعّد من الخطاب القومي–البوذي لتبرير سلطته، ما جعل الروهينغيا كبش فداء دائم، وأدى إلى تكثيف القمع والتمييز وصولا إلى الإبادة الجماعية في 2017.

وبعد كل انقلاب عسكري، كان القمع يشتد، والحقوق تتراجع، والممارسات التمييزية تتحول إلى سياسات ممنهجة.

ما مصلحة النظام البورمي في استمرار تهجير الروهينغيا بدلا من إدماجهم في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد؟

مصلحة النظام البورمي في استمرار تهجير الروهينغيا تقوم على جملة من الأهداف الاستراتيجية والسياسية. فمن جهة، يسعى النظام إلى ترسيخ هوية قومية بوذية متجانسة، ما يمنحه شرعية لدى الأغلبية القومية ويعزز سردية "الدفاع عن الأمة".

ومن جهة ثانية، يتيح التهجير للجيش وحلفائه السيطرة على أراضٍ وممتلكات في ولاية أراكان، وهي منطقة استراتيجية غنية بالموارد. كما أن إبقاء الروهينغيا خارج المشهد السياسي يحرمهم من أي تمثيل قانوني أو حقوقي، وبالتالي يحول دون بروز قوة معارضة جديدة قد تهدد هيمنة الجيش. وفوق ذلك، فإن استمرار تهميش الروهينغيا يمثل رسالة ردع لبقية الأقليات في ميانمار، بأن أي محاولة للمطالبة بالحقوق أو التمكين السياسي ستقابل بالقمع والحرمان.

وبهذا، يصبح التهجير بالنسبة للنظام ليس مجرد سياسة ظرفية، بل أداة متعددة الوظائف: يضمن بها السيطرة على الأرض والموارد، ويكسب دعم القوميين البوذيين، ويكرّس سلطته على حساب إحدى أكثر الأقليات اضطهادا في العالم.

هل نجحت الضغوط والعقوبات الغربية في إحداث أي تغيير فعلي على سلوك النظام البورمي تجاه الروهينغيا؟

حتى الآن، لم تنجح الضغوط والعقوبات الغربية في إحداث تغيير جوهري في سلوك النظام البورمي تجاه الروهينغيا؛ فالعقوبات التي فُرضت اقتصرت في معظمها على قيادات عسكرية وشخصيات محددة، من دون أن تمس البنية الاقتصادية والسياسية التي يستند إليها الجيش في ترسيخ سلطته. ونتيجة لذلك، واصل النظام سياسات الإقصاء والتهميش على الأرض، وظلت أوضاع الروهينغيا على حالها.

وعلى الرغم من التنديد الدولي والضغط السياسي المتكرر، لم يحصل الروهينغيا على حقوقهم الأساسية، وما تزال أغلب مناطق ولاية أراكان غير آمنة لعودتهم، في ظل غياب أي ضمانات حقيقية للاعتراف بالمواطنة أو الحماية من العنف.

يمكن القول إن هذه الضغوط كان لها تأثير محدود على المستوى الرمزي والسياسي، إذ أسهمت في فضح صورة النظام دوليا وزيادة عزلته، لكنها لم تنجح في تغيير الاستراتيجية الداخلية القائمة على القمع والتمييز العرقي؛ فالجيش يضع الحفاظ على سلطته والسيطرة على الأرض والموارد في صدارة أولوياته، متجاهلا الضغوط الخارجية.

باختصار، كان أثر العقوبات والضغوط الغربية أقرب إلى التأثير الشكلي في السمعة والشرعية الدولية، لكنه لم يمتد إلى تغيير واقع الروهينغيا المأساوي داخل ميانمار.

كيف تفسرون الصمت الدولي أو التباطؤ في محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في ميانمار؟

يعود الصمت الدولي أو التباطؤ في محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في ميانمار إلى مزيج من العوامل السياسية والقانونية؛ فمن جهة، تلعب المصالح الجيوسياسية والاقتصادية دورا بارزا؛ إذ تتجنب بعض الدول اتخاذ مواقف حازمة ضد النظام البورمي حفاظا على شراكاتها التجارية أو نفوذها الاستراتيجي في المنطقة، وهو ما يضعف الضغط الدولي الفعلي. ومن جهة أخرى، يظل الجيش البورمي ممسكا بمفاصل السلطة، ما يجعل أي عقوبات أو تهديدات قانونية محدودة التأثير على الواقع الداخلي.

تضاف إلى ذلك هشاشة الآليات الدولية في التعامل مع مثل هذه الأزمات؛ فالمؤسسات المعنية كالـمحكمة الجنائية الدولية أو مجلس الأمن تعاني من قيود قانونية وإجرائية، فضلا عن الانقسامات السياسية بين القوى الكبرى، التي غالبا ما تنعكس في صورة اعتراضات أو استخدام حق النقض (الفيتو). ويعمّق المشكلة غياب إرادة سياسية دولية قوية وموحدة، رغم توافر أدلة واسعة على جرائم الإبادة والتطهير العرقي، ما يترك القرارات في إطار بيانات الإدانة والعقوبات المحدودة بدلا من إجراءات رادعة وحاسمة.

وبذلك، فإن التباطؤ الدولي لا يعكس غياب الحقائق أو نقص الأدلة، بل يكشف عن تداخل المصالح السياسية، وقوة المؤسسة العسكرية في ميانمار، وحدود النظام الدولي في فرض العدالة على الجرائم الكبرى.

وكيف تقيمون موقف الدول الإسلامية، وهل كان على مستوى التوقعات في حماية مسلمي الروهينغيا؟

يمكن القول إن موقف الدول الإسلامية من قضية الروهينغيا كان ذا أثر ملموس على المستوى الرمزي والدبلوماسي، لكنه لم يرتقِ إلى مستوى التوقعات العملية في حماية هذه الأقلية؛ فقد بادرت عدة دول إسلامية إلى إدانة الانتهاكات علنا، وطالبت بفتح تحقيقات دولية، كما ساهمت في تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية للاجئين، وهو ما خفف جزئيا من معاناتهم المادية.

لكن في المقابل، غابت الخطوات الفعالة التي كان من شأنها ممارسة ضغط حقيقي على النظام البورمي، مثل فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية مباشرة، أو استخدام ثقلها الدبلوماسي بشكل منسق في المحافل الدولية لضمان عودة آمنة للروهينغيا واستعادة حقوقهم المدنية والسياسية.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن الدعم الإنساني كان حاضرا ومهما، غير أن غياب وحدة الموقف الإسلامي وتنسيق الجهود السياسية جعل الحماية القانونية والسياسية أقل بكثير من مستوى التوقعات، ولم ينجح في ردع الانتهاكات أو تغيير واقع التهميش الذي يعيشه الروهينغيا حتى اليوم.

ما مدى جدية التحركات القضائية أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ضد حكومة وجيش ميانمار؟

التحركات القضائية ضد حكومة وجيش ميانمار أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية شهدت بالفعل تطورات مهمة، لكنها ما زالت تصطدم بعقبات كبيرة تحول دون تحقيق العدالة الفعلية للروهينغيا؛ ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 رفعت غامبيا دعوى ضد ميانمار أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية بحق الروهينغيا، وفي تموز/ يوليو 2022 رفضت المحكمة الاعتراضات الأولية التي تقدمت بها ميانمار، مما سمح بمواصلة القضية. غير أن هذا التطور لم يُترجم إلى إجراءات عملية على الأرض، إذ لا تزال هناك صعوبات جدية في تنفيذ أي قرارات تصدر عن المحكمة، وهو ما يعكس محدودية أدوات العدالة الدولية في مثل هذه القضايا.

أما على صعيد المحكمة الجنائية الدولية؛ فعلى الرغم من أن ميانمار ليست طرفا في نظام روما الأساسي، فقد شرعت المحكمة في تحقيقات استندت إلى مبدأ الولاية القضائية، بالنظر إلى أن الجرائم شملت الترحيل القسري إلى بنغلاديش، وهي دولة عضو في المحكمة. وفي سياق موازٍ، لجأت محكمة في الأرجنتين عام 2021 إلى فتح دعوى ضد السلطات الميانمارية بتهمة الإبادة الجماعية، مستندة إلى مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، وهو ما يعكس اتجاها متناميا لمحاكمة الجرائم الدولية خارج الإطار التقليدي.

ورغم هذه الخطوات، فإن العدالة ما تزال تواجه تحديات عميقة، أبرزها غياب آليات فعالة لتنفيذ الأحكام أو مذكرات التوقيف، فضلا عن الضغوط السياسية والاقتصادية التي تحدّ من استقلالية القرار القضائي، إضافة إلى التعقيدات القانونية المتعلقة بالولاية القضائية. لذلك، يمكن القول إن هذه التحركات تُمثل تقدما مهما في مسار المساءلة الدولية، لكنها لا تكفي وحدها لضمان عدالة ملموسة، إذ يظل الأمر مرهونا بمدى استعداد المجتمع الدولي لتوفير الضغط السياسي والدبلوماسي والدعم المؤسسي الكفيل بترجمة هذه القرارات إلى واقع فعلي يضمن للروهينغيا حقوقهم ويضع حدا للإفلات من العقاب.

كيف يمكن للإعلام والضغط الشعبي العالمي أن يساهما في إبقاء قضية الروهينغيا حاضرة وعدم تركها للنسيان؟

يمكن القول إن الإعلام والضغط الشعبي العالمي يُمثلان خط الدفاع الأبرز ضد تهميش قضية الروهينغيا وتركها للنسيان؛ فالإعلام حين يسلط الضوء باستمرار على المعاناة اليومية، عبر قصص اللاجئين وشهادات الناجين ورصد الانتهاكات، يحول القضية من مجرد أرقام وتقارير إلى مأساة إنسانية حيّة تلامس وجدان الرأي العام الدولي. ومع تزايد الوعي، يصبح الضغط الشعبي قادرا على التأثير في صانعي القرار، ودفع الحكومات والمنظمات الدولية لاتخاذ مواقف أكثر حزما، سواء من خلال فرض عقوبات أو دعم مسارات العدالة الدولية أو توفير ضمانات حماية.

كما أن هذا الاهتمام الإعلامي والشعبي يعزز عمل المنظمات الإنسانية عبر تسهيل جمع التبرعات والدعم المادي والمعنوي لبرامج التعليم والصحة والإغاثة داخل المخيمات، وهو ما يخفف جانبا من معاناة اللاجئين. والأهم أن إبقاء القضية في واجهة الإعلام يمنع محاولات طمسها أو تهميشها، ويضمن أن تبقى الانتهاكات تحت المتابعة الدولية، بما يقطع الطريق على الإفلات من العقاب.

في الواقع، الإعلام والضغط الشعبي ليسا مجرد أدوات لنقل الخبر، بل هما قوة ضغط أخلاقية وسياسية تحافظ على حضور القضية وتذكّر العالم دوما بأن حقوق الروهينغيا وكرامتهم لا يمكن أن تُنسى.

ما أبرز التحركات الأخيرة بشأن تطورات مأساة مسلمي الروهينغيا؟

نعم، هناك بالفعل تحركات جديدة على الصعيدين الدولي والقانوني فيما يتعلق بمأساة مسلمي الروهينغيا، رغم ما يكتنفها من تحديات؛ فعلى المستوى الدولي، عقدت الأمم المتحدة في 30 أيلول/ سبتمبر 2025 مؤتمرا رفيع المستوى خُصص لبحث أوضاع الروهينغيا والأقليات الأخرى في ميانمار، وذلك بهدف تعزيز الدعم الدولي ومضاعفة الضغط على السلطات البورمية لتحسين أوضاعهم.

كما دعت الأمم المتحدة في آب/ أغسطس الماضي إلى منح الروهينغيا الجنسية الكاملة وضمان المساواة والأمن، بعد مرور ثمانية أعوام على الحملة العسكرية التي أجبرت أكثر من مليون منهم على الفرار إلى بنغلاديش. وفي السياق ذاته، حذّر برنامج الأغذية العالمي في الشهر نفسه من أزمة غذائية خانقة تهدد حياة أكثر من مليون شخص من الروهينغيا داخل ميانمار، مطالبا المجتمع الدولي بتقديم دعم عاجل لتفادي كارثة إنسانية جديدة.

أما على المستوى القانوني، فقد شهد شباط/ فبراير 2025 تطورا بارزا حين أصدرت محكمة في الأرجنتين أوامر اعتقال بحق 25 مسؤولا عسكريا ومدنيا من ميانمار، بينهم القائد العام للقوات المسلحة مين أونغ هلاينغ، وذلك بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق الروهينغيا، في خطوة تعكس تزايد استخدام الولاية القضائية العالمية لمساءلة مرتكبي الجرائم الدولية.

ورغم صعوبة المشهد وتعقيداته، فإن الجهود الدولية والقانونية والإنسانية مستمرة في إبقاء القضية حية على الأجندة العالمية، غير أن تحقيق التغيير المنشود يظل مرهونا بضغط متواصل ومشاركة مجتمعية أوسع.

هل لدى اللاجئين الروهينغيا أي أمل في العودة إلى قراهم وبيوتهم، أم أن التهجير بات واقعا دائما؟

اللاجئون الروهينغيا ما زال لديهم أمل نظري في العودة إلى قراهم وبيوتهم، لكن هذا الأمل يظل محدودا للغاية ومرتبطا بالظروف السياسية والأمنية داخل ميانمار؛ فالسلطات البورمية حتى اليوم لا توفر أي ضمانات حقيقية لحقوقهم المدنية أو لعودتهم الآمنة والكريمة، بل تواصل فرض قيود مشددة على حركتهم في مناطقهم الأصلية.

كما أن المخاطر الأمنية، وحرمانهم من حق المواطنة، وسيطرة الجيش على تلك المناطق، تجعل العودة الفعلية شبه مستحيلة في الوقت الراهن.

لذلك، يمكن القول إن التهجير لم يصبح قدرا دائما بحكم الطبيعة، لكنه للأسف بات واقعا مستمرا إلى أجل غير معلوم، فيما تبقى العودة حلما مشروطا بحل سياسي شامل، وبمساءلة المسؤولين عن الجرائم، وضمان حقوق الروهينغيا كاملة، وهو أمر يعتمد إلى حد كبير على ضغط دولي جاد وتعاون المجتمع الدولي.

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في توفير ضمانات حقيقية لعودة آمنة وكريمة للروهينغيا؟

الدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في هذا السياق هو دور محوري إذا ما تحركت بفاعلية؛ إذ يمكنها نشر بعثات مراقبة محايدة للإشراف على العودة وضمان أن تتم بشكل طوعي وآمن، كما تستطيع ممارسة ضغط سياسي وقانوني على حكومة ميانمار لإلزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وترتيب عودة اللاجئين مع توفير الضمانات المتعلقة بالمواطنة والأراضي والممتلكات.

وبخلاف ذلك، يمكنها التنسيق مع المجتمع الدولي لتأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار والبنية التحتية، بما يشمل السكن والتعليم والصحة، بما يسمح للروهينغيا بإعادة بناء حياتهم بكرامة.

ولا يقل أهمية عن ذلك متابعة المساءلة الدولية ضد مرتكبي الإبادة الجماعية لضمان عدم إفلاتهم من العقاب، الأمر الذي يخلق بيئة أكثر أمانا لعودة اللاجئين.

وإذا اجتمعت أدوات الضغط السياسي مع الإشراف الميداني والدعم الدولي والمساءلة القضائية، فإن الأمم المتحدة تستطيع أن تتحول من مجرد مراقب إلى فاعل حقيقي يضمن عودة آمنة وكريمة للروهينغيا إلى وطنهم.

ما مسؤولية الدول المجاورة لميانمار، ولا سيما بنغلاديش، تجاه اللاجئين المقيمين على أراضيها؟

مسؤولية الدول المجاورة، ولا سيما بنغلاديش، كبيرة للغاية تجاه اللاجئين الروهينغيا المُقيمين على أراضيها، وفقا للقوانين الدولية وواجبات حماية اللاجئين؛ فهي تتحمل عبء توفير الحماية الإنسانية من مأوى ورعاية صحية وتعليم للأطفال، مع احترام كرامة اللاجئين وحمايتهم من أي تهديد أو استغلال، والعمل على تسجيل اللاجئين وتسهيل حصولهم على الوثائق اللازمة لضمان حمايتهم القانونية، مع احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية إلى ميانمار قبل أن تتوفر شروط العودة الآمنة.

كما يقع على عاتقها مسؤولية التنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لتوفير التمويل والدعم الفني، ولضمان استدامة الخدمات الأساسية داخل المخيمات، فضلا عن مسؤولية دعم برامج الإغاثة وتمكين اللاجئين بحيث يكون لديهم اختيار آمن وطوعي للعودة مستقبلا، وذلك بالرغم من أن العودة إلى ميانمار ليست ممكنة حاليا.

لكن في الوقت ذاته، تحتاج هذه الدول إلى دعم دولي متواصل لضمان استمرار الرعاية وتحقيق حلول طويلة الأمد، مع العلم أن الأزمة أكبر من قدراتها وحدها.

ما الخيارات المتاحة أمام الروهينغيا؟

اليوم يقف الروهينغيا أمام ثلاثة خيارات رئيسية، كلها صعبة وقاسية. الخيار الأول هو العودة إلى ميانمار، لكنه شبه مستحيل حاليا، لأن البيئة هناك ما زالت خطرة جدا، ولا توجد أي ضمانات أمنية أو قانونية، فيما يواصل الجيش سيطرته على مناطقهم الأصلية ويستمر التمييز ضدهم.

الخيار الثاني هو البقاء في المخيمات داخل بنغلاديش، وهو واقع يعيشه أكثر من مليون لاجئ في ظروف قاسية تتسم بالاكتظاظ ونقص الخدمات الأساسية، مع سنوات طويلة من الانتظار دون حلول دائمة.

أما الخيار الثالث، وهو إعادة التوطين في بلد ثالث عبر برامج اللجوء أو الهجرة الإنسانية، فيبقى محدودا للغاية، نظرا لندرة المقاعد وصعوبة القبول، فضلا عن أن الإجراءات تستغرق سنوات.

حقيقةً، الروهينغيا اليوم عالقون بين خيارات كلها مليئة بالقيود والمخاطر، ولا يوجد حل مثالي في الأفق. الأمل الحقيقي يكمن في ضغط دولي مستمر لتهيئة عودة آمنة وكريمة، أو إيجاد بدائل دائمة تحفظ حقوقهم وحياتهم الإنسانية.

ما الرسالة التي يوجهها قادة وممثلو الروهينغيا إلى المجتمع الدولي بعد ثماني سنوات من المعاناة؟

بعد ثماني سنوات من المأساة والتهجير، يوجه قادة وممثلو الروهينغيا رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مضمونها أن العدالة باتت ضرورة عاجلة وملحة، وأن الوقت قد حان لمحاسبة المسؤولين عن الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية حتى لا يفلت الجناة من العقاب، وهم يشددون على أن قضيتهم ليست مجرد ملف إنساني، بل قضية حقوق وكرامة؛ إذ يطالبون بالاعتراف بهم كمواطنين أصليين في وطنهم، وبضمان حقوقهم المدنية والقانونية، وبتهيئة الظروف لعودتهم الآمنة والكريمة.

كما يناشدون المجتمع الدولي ممارسة ضغط حقيقي على السلطات البورمية لإنهاء سياسات التمييز والإقصاء وفتح قنوات للحوار الجاد.

وإلى جانب ذلك، فإنهم يطالبون باستمرار الدعم الإنساني الموجه للاجئين في بنغلاديش والدول المجاورة، بما يشمل التعليم والصحة والخدمات الأساسية، إضافة إلى برامج تمكين الشباب والأطفال الذين يشكلون مستقبل المجتمع الروهينغي.

والخلاصة التي يبعثونها للعالم هي ألا يُنسوا، وألا تُترك معاناتهم طي النسيان، بل أن تتوحد الجهود الدولية من أجل إعادة حقوقهم ومحاسبة من ارتكب الجرائم بحقهم.

ما المطلوب عمليا وعاجلا لإنقاذ مسلمي الروهينغيا من استمرار معاناتهم وضمان مستقبل إنساني كريم لهم؟

المطلوب على نحو عاجل يتجاوز الشعارات إلى أفعال ملموسة، تبدأ بممارسة ضغط سياسي ودولي متواصل على حكومة ميانمار لإنهاء القمع والتمييز والاعتراف بالروهينغيا كمواطنين أصليين يتمتعون بكامل الحقوق، وفتح مسارات آمنة لعودتهم الطوعية.

وإلى أن يتحقق ذلك، فإن الحماية الإنسانية تظل أولوية قصوى من خلال توفير الغذاء والرعاية الصحية والتعليم والإيواء، إلى جانب تحسين البنية التحتية المتهالكة في المخيمات التي يعيش فيها اللاجئون.

وفي موازاة ذلك، يبقى المسار القضائي الدولي حيويا، إذ يجب المضي في القضايا المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم وردع الانتهاكات المستقبلية.

كما أن تمكين المجتمع الروهينغي من خلال التعليم والتدريب المهني ودعم النساء والشباب يُمثل ركيزة أساسية لضمان مستقبل أكثر استدامة، بحيث يستطيعون بناء حياتهم بكرامة والاعتماد على أنفسهم.

ومن هنا فإن الدمج بين الضغط السياسي، الدعم الإنساني، العدالة الدولية، وبرامج التمكين يشكل الطريق الوحيد لإنقاذ الروهينغيا من حلقة المعاناة المستمرة.

أخيرا، ما مستقبل قضية الروهينغيا في ضوء المعطيات الراهنة؟

في ضوء الواقع القائم، يظل مستقبل قضية الروهينغيا معقدا وحساسا، لكنه ليس مغلقا تماما أمام الأمل؛ فالمعاناة ما زالت مستمرة داخل ميانمار حيث الحرمان من المواطنة والقمع العسكري والقيود المفروضة على الحركة تجعل أي عودة آمنة شبه مستحيلة، فيما يعيش اللاجئون في بنغلاديش ظروفا إنسانية قاسية لا يمكن أن تكون حلا دائما.

ومع ذلك، فإن المسارات الدولية القائمة، سواء عبر المحاكم الدولية أو عبر الضغط السياسي والدبلوماسي، تتيح نافذة أمل لإحداث تغيير، خاصة مع تصاعد الدعم الشعبي والإعلامي العالمي للقضية.

ويبقى مستقبل الروهينغيا مرهونا بقدرة المجتمع الدولي على تحويل هذا الزخم إلى خطوات عملية تضمن لهم حقوقهم الأساسية، وتوفر لهم فرص التعليم والعيش الكريم سواء في المخيمات أو عبر عودة طوعية إلى وطنهم متى ما توفرت الضمانات. ورغم ضخامة التحديات، فإن استمرار الضغط الدولي والتمسك بالعدالة والدعم الإنساني والسياسي المستدام هو ما يمكن أن يفتح الباب أمام مستقبل أفضل لقضيتهم.