سياسة عربية

هل الانسحاب "المتعجل" للقوات الأمريكية يرفع الحماية عن العراق؟

جنود أمريكيون في قاعدة عين الأسد في العراق- جيتي
أثار انسحاب قوات التحالف الدولي من قاعدة عين الأسد في الأنبار باتجاه إقليم كردستان تمهيدا للإجلاء الكلي من العراق، تساؤلا محوريا عما إذا كان ذلك يأتي ضمن الاتفاق السابق بين البلدين، أم أنه رفع للحماية الأمريكية التي توفرها للبلاد من أي هجمات خارجية.

وكشفت وسائل إعلام عراقية، الاثنين، بدء أولى مراحل انسحاب القوات الأمريكية- المنضوية ضمن التحالف الدولي- من البلاد باتجاه إقليم كردستان العراق، وذلك قبل الموعد المقرر في 25 أيلول/سبتمبر المقبل.

وفي مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، توصلت واشنطن وبغداد إلى تفاهم بشأن خطة لانسحاب قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق، وأنها تنص على خروج مئات من قوات التحالف بحلول 25 أيلول عام 2025، والبقية بحلول نهاية العام التالي.

ارتباك حكومي

في وقت أكد فيه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، عن رغبة بلاده ببقاء القوات الأمريكية لحماية البلاد من نيران الحروب في المنطقة، فإن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اعتبر الانسحاب انجازا للحكومة.


وقال حسين خلال مقابلة تلفزيونية، السبت، إن "العراق في ساحة حرب إقليمية ودولية الآن فمن يحمي البلاد منها؟، لذلك هناك حاجة جدية لأصدقاء أقوياء لمساندتنا وحمايتنا كما فعلوا سابقا، وإبعاد نار هذه الحرب عنا".

وأكد الوزير العراقي، أن الأمريكيين موجدين في العراق بناء على تفاهمات مع الحكومة العراقية، وكانت هناك محادثات على رحيل هذه القوات، لكن هذا جرى قبل الأحداث الأخيرة الخطيرة، في إشارة للسابع من أكتوبر 2023، وتداعياته على العديد دول المنطقة.

من جهته، قال صباح النعمان، المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، إن "انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق هو واحد من إنجازات الحكومة ومؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار من دون الحاجة إلى مساعدة آخرين".

وأضاف النعمان خلال بيان رسمي، أن "هذا الأمر ما كان ليتم لولا جهود سياسية وإصرار من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على غلق هذا الملف كما أغلق ملف يونامي".

وعلى الصعيد ذاته، كشف متحدث باسم السفارة الأمريكية في بغداد، الاثنين، عن قرب توقيع شراكة "مدنية" بين التحالف الدولي والعراق، تزامنا مع الانسحاب "العسكري" المخطط له بحلول سبتمبر المقبل.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" عن المتحدث (لم تكشف هويته)، إن التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة (عملية العزم الصلب) سينتقل من مهامه العسكرية في العراق إلى شراكة أمنية ثنائية أكثر تقليدية، مؤكدا على استمرار جهود التحالف المدنية بقيادة مدنية على المستوى العالمي.

وأكد المتحدث أن هذا التحول لا يعني نهاية عمل التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة، بل يأتي ضمن خطة التحول نحو تعزيز الاستقرار في العراق من خلال الشراكة الأمنية والتعاون المدني المستمر.

وتنشر الولايات المتحدة الأميركية 2000 عسكري في العراق لتقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية منذ اجتياح تنظيم الدولة للعراق عام 2014، إضافة إلى وجود عسكريين من دول أخرى أغلبها أوروبية في البلاد في إطار التحالف الدولي.

رفع الحماية

وبخصوص توقيت وأهداف الانسحاب الأمريكي، قال المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي، لـ"عربي21" إن "انسحاب القوات الآن بطريقة تبدو أنها متعجلة، قد تصب في رفع الحرج عنها في حال تعرض العراق إلى عدوان إسرائيلي في المستقبل.

وأضاف: "لذلك فإن الانسحاب الأمريكي من العراق الآن من دون رؤية واضحة تأتي ضمن اتفاق وجدول زمني هو لا يصب حتى في صالح من يدّعي أنه يريد هذا الانسحاب، رغم أن هؤلاء تراجعت أصواتهم بعد الحرب بين إسرائيل وإيران".

وأشار إلى أن "بعض الجهات العراقية التي تعارض الوجود العسكري الأمريكي في العراق، قال بوجب عدم انسحابهم، وهذا يعني أن هؤلاء استشعروا أن وجود القوات الأمريكية في العراق هو حماية لهم من الضربات الإسرائيلية".

ورأى الدعمي أن "هذا الانسحاب قد يفضي إلى نتائج غير محمودة على العراق بشكل عام، ولاسيما على الفصائل المسلحة".

ولفت إلى أن الحوارات السابقة بين بغداد وواشنطن أشارت إلى أن القوات الأميركية القتالية ستنسحب في 25 أيلول/ سبتمبر 2025، لكنهم انسحبوا قبل ذلك بشهر".

وبين الدعمي أن "وزير الخارجية العراقي يقول إن القوات الأمريكية انسحبت وفق الاتفاق السابق بين واشنطن وبغداد، ولكنه يرى أنه غير مناسب في الوقت الحالي لأن العراق لازال بحاجة إليهم".

من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية في العراق، معتز النجم، أن "الانسحاب الحالي مجدول ضمن اتفاق بين العراق والولايات المتحدة، وأن هذا الانسحاب من قواعد عسكرية مهمة في البلاد في غرب ووسط وحتى في إقليم كردستان، سيترك فراغا إستراتيجيا".

وأكد النجم لـ"عربي21" أن "القوات العراقية قادرة على مواجهة الاعتداءات، لكن لايزال ليس لدى العراق معلومات استخباراتية عالية، ولا رادارات ودفاعات جوية للتصدي لأي خروقات جوية، لذلك ستتأثر هذه بالمجمل من الانسحاب الأمريكي".

وبحسب المتحدث، فإن "العراق اليوم واقع بين مطرقتين، أما يتعامل كدولة ويوظف هذا الانسحاب بشكل إيجابي لتحويل العلاقة مع الولايات المتحدة إلى علاقة إستراتيجية بشراكة حقيقية على اعتبار أن هناك مساعي لتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة اقتصادية يمكن الاستفادة منه".

وتابع: "مهمة وزارة الخارجية والحكومة العراقية هي توظيف هذا الانسحاب الأمريكي لصالح العراق وذلك من خلال تحويل العلاقة من عسكرية إلى علاقة وشراكة إستراتيجية أشبه بدول الخليج العربي".


ووصف النجم حديث وزير الخارجية بأنه "واقعي" كونه حذر من "وقوع ضربة عسكرية أخرى على إيران"، مشيرا إلى أن "زيارة أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى العراق الأسبوع الماضي، ربما لإعادة تفعيل الفصائل بالمنطقة، لذلك الانسحاب الأمريكي غير مناسب".

وشدد على أن "الارتباك الحكومي العراقي واضح بخصوص انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، ولا نعرف حتى الآن إن كان الانسحاب حقيقيا أم أنه شكليا من أجل إخماد أصوات داخل الإطار التنسيقي الشيعي تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي".

ويأتي الانسحاب أيضا، بعد تقرير نشره "معهد واشنطن" دعا فيه إلى معاقبة الحكومة العراقية في حال لم تحل قوات الحشد الشعبي، ومنها تسريع انسحاب القوات الأمريكية من البلاد.

وأوضح المعهد خلال تقريره الذي نشره في 5 آب الجاري، أنه "نظرا للدعم السياسي والمالي الصريح الذي تقدّمه حكومة السوداني للجماعات التي تمتلك سجل حافل في مهاجمة الأمريكيين، فقد يكون الوقت قد حان لترك العراق يدافع عن نفسه".