مقالات مختارة

صورة طبق الأصل عن نكبة "1948"

نتنياهو خرائط- منصة "إكس"
سألت أمي ذات يوم: «يُما.. كانت بلدنا بعيدة عن البحر؟»
والله يُما كنا بالليل نسمع هديله.

كانت تقصد هديره. هي لم تكن تقرأ وتكتب، كانت أمية. يبدو أن البحر يعلم جيرانه الشعر ويعلمهم الحب. لكن، ثمة من خانوا البحر وركبوه من شتى البقاع ليحتلوا الأرض. في البداية استقبلهم أهلها بطيبة الفلاحين واتساع صدر أهل المدن. «إنهم مساكين هربوا من نازية هتلر واستجاروا بنا، وعادتنا نحن العرب ألا نسأل من يستجير بنا ولا نسأله عن اسمه وغرضه إلا بعد ثلاثة أيام من استضافته».
يا أبي.. لماذا تركتم بيوتكم وبياراتكم وبحركم؟ سألت أبي.

يابا.. ما كنا عارفين أنهم يخططون يتمسكنوا ليتمكنوا وبعدين يرتكبوا المذابح ويطردونا ويقعدوا مكاننا.

كان والده يحدثه عن جارهم «أبو إبراهيم» وابنه إسحاق وزوجته زليخة وابنته داليا. وكان له في البلدة دكان. يرتدي القمباز والحطّة والعقال. «وُلِدْنا ونحن نعرفه، نشتري منه الملبس والطحين وإبر البابور والكاز، وكل ما يلزم الكبار والصغار. يجلس الكبار أمام دكانه في الصباحات المفعمة برائحة البحر ورذاذ الذكريات.. وفي العصاري يرش الأرض بالماء، يضع كراسي القش، يفتح الراديو على أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب.

وبين الكراسي طاولات صغيرة عليها طاولات الزهر، والشاي بالكاسات أم جرس يقدمها ابنه إبراهيم للزبائن المقيمين حتى ما بعد العشاء، وكان يحلو السهر تحت أشجار البرتقال».

لم يكن أبو إبراهيم وعائلته يختلفون شيئًا عن أهل البلد. يُعيِّدون معنا عيدي رمضان والأضحى، ونُعيد عليهم في عيدهم، يحترمون جُمْعتنا ونحترم سبتهم.

كيف حدث يا أبي ما حدث في ذاك اليوم من مايو 1948؟
طلب المختار منا أن نحمل ما نستطيع حمله ونخرج، وقال: سنُعيِّدكم لبيوتكم بعد كم يوم.
ومن قال للمختار يا أبي؟
المخاتير الآخرون.
ومن قال للمخاتير الآخرين؟
المختار الكبير.
ومن هو المختار الكبير يا أبي؟
لا أدري!

لكن أبو إبراهيم حزن جدًا ورجانا أن نبقى، نحن أبناء هذه البلدة أهل وجيران من زمان. قلنا له: اليهود من عصابات الهاغناه وشتيرن والبالماخ والإرغون وغيرها يبقرون بطون النساء الحوامل في دير ياسين ويذبحون الأطفال في قبية ويقتلون العرب في اللد والرملة وبيسان وفي كل مكان.
ماذا فعلتم؟

دمعت عيناه وقال: ......... خرجنا!!
في غزة والضفة يحدث الآن ما حدث في نكبة 1948. تغير اسم العصابات الصهيونية إلى عصابة نتنياهو بن غفير سموتريتش تحت مسمى «دولة إسرائيل». وبدل السرية أصبحت المجازر علنية. قتل وذبح وتجويع وتهجير وهدم منازل في الضفة الفلسطينية خاصة في مخيمات طولكرم وجنين وبلاطة. سكان هذه المخيمات وكل المخيمات هم أجداد وأبناء وأحفاد أهل المدن والقرى الفلسطينية الذين هجرتهم عصابات 1948.

ما يحدث الآن مرحلة من مراحل المشروع الصهيوني. لم ينتهِ المشروع بعد. ولم يعد إرهابيّو حكومة نتنياهو يخفون خريطة «إسرائيل الكبرى» وصولًا إلى مكة والمدينة. طريقهم سالك، ومن لم تحركه مشاهد الجرائم الإسرائيلية في غزة لن تحركه الجرائم التي يخططون لها في المرحلة التالية «القريبة» من المشروع الصهيوني. عندها، لن ينفع مال ولا بنون ولا اعتراف وتطبيع وموالاة بني صهيون!!

الدستور الأردنية