مدونات

الشرق الأوسط في خطر: التطبيع وسايكس-بيكو جديدة أم الحلم الصهيوني؟

"الأزمات الاقتصادية قد تُستغل لإضعاف مصر"- إكس
سايكس-بيكو2: المنطقة على المحك

يعيش الشرق الأوسط مرحلة حرجة، حيث تتصاعد الصراعات الجيوسياسية. سوريا، ساحة صراع منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، تواجه تحولات خطيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024 وتدخل إسرائيل في الجولان.

أما الدولة المصرية، التي كانت ركيزة العالم العربي، تقاوم تحديات اقتصادية وضغوط التطبيع مع إسرائيل. هل نشهد تقسيما جديدا على غرار سايكس-بيكو؟

هل التطبيع يمهد لـ"إسرائيل الكبرى"؟ وهل مصر وسوريا مهددتان باحتلال؟

هذه السطور محاولة لتحليل الأزمة السورية، مع التركيز على دور مصر وتأثير التطبيع في عدة عناصر:

العنصر الأول: سايكس-بيكو وجذور التقسيم

قسمت اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 الشرق الأوسط بين بريطانيا وفرنسا، متجاهلة التنوع العرقي والديني.

سيطرت فرنسا على سوريا ولبنان، وبريطانيا على فلسطين والأردن، مما زرع بذور الصراعات الطائفية. أما مصر كانت تحت الاحتلال البريطاني، عانت من إضعاف دورها الإقليمي.

عزز وعد بلفور عام 1917 المشروع الصهيوني، مما جعل مصر هدفا للضغوط الاستعمارية. هذا التاريخ يوضح مخاوف اليوم من تقسيم جديد يستهدف سوريا ويضغط على مصر عبر التطبيع.

العنصر الثاني: سوريا والتدخل الإسرائيلي

تحولت سوريا منذ 2011، إلى ساحة صراع بين إيران، تركيا، روسيا، والولايات المتحدة. في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أدى سقوط نظام الأسد إلى فراغ استغلته إسرائيل، التي توغلت في القنيطرة وشنت غارات جوية على أهداف سورية بدعوى حماية أمنها. تثير هذه الخطوات مخاوف من تقسيم سوريا عبر فرض منطقة عازلة موالية لإسرائيل. أما مصر أدانت التدخل، لكن أزماتها الاقتصادية وتهديدات احتلال سيناء تجعلها عرضة لضغوط التطبيع.

العنصر الثالث: التطبيع والهيمنة الصهيونية

بدأ قطار التطبيع المخزي مع مصر عام 1979 عبر كامب ديفيد، وتبعته دول مثل الإمارات والبحرين والمغرب في اتفاقيات أبراهام 2020، ومحاولة ضم دول أخرى إلى هذه الاتفاقيات التي هي برعاية أمريكية، تدمج إسرائيل في المنطقة، مما يضعف القضية الفلسطينية ويشرعن التدخلات الإسرائيلية. في سوريا، يقلل التطبيع الضغط على إسرائيل، حيث تواجه الدول المطبعة ضغوطا للسكوت.

ومصر التي رغم اعتمادها على الدعم الأمريكي بسبب الأزمات الاقتصادية، تواجه رفضا شعبيا للتنازلات لإسرائيل. التطبيع تحول من وسيلة سلام إلى أداة هيمنة.

العنصر الرابع: تقسيم جديد أم فوضى خلاقة؟

تشير الأحداث في سوريا إلى محاولات تقسيمها إلى كيانات طائفية، مثل منطقة كردية شمالا بدعم أمريكي عبر مليشيات قسد أو درزية جنوبا بتأثير إسرائيلي، وكما تدل الأحداث في الأيام الماضية في السويداء، وفق استراتيجية "الفوضى الخلاقة".

ومصر، التي قاومت التفتيت في 1919 و1973، تواجه مخاطر مماثلة. الأزمات الاقتصادية وتهديدات سيناء، مع قيود التطبيع، قد تُستغل لإضعافها. لكن تماسكها الوطني وجيشها القوي يجعلان تقسيمها صعبا، بشرط تعزيز الاستقرار.

العنصر الخامس: الحلم الصهيوني ومصر

يسعى الحلم الصهيوني لـ"إسرائيل الكبرى"، يستهدف تفتيت الدول العربية. في سوريا، تستغل إسرائيل محاولة النظام السوري الجديد ممثلا في الرئيس أحمد الشرع تثبيت أقدامه.

تعد مصر، بموقعها الاستراتيجي، هدفا رئيسا. الضغوط الاقتصادية والتطبيع قد تُستخدم لإضعافها، خاصة عبر توترات سيناء. لكن الشعب المصري، بتاريخه المقاوم، يرفض المساس بسيادته. الحكومة العسكرية تواجه تحدي التوفيق بين التطبيع ومطالب الشعب، مع وضوح خطواتها في الهرولة نحو تحقيق اهداف التطبيع وتنفيذ دورها في صفقة القرن.

العنصر السادس: مصر وقيادة العالم العربي

إن مصر بتاريخها قادرة على قيادة الوحدة العربية. يمكنها توحيد المواقف ضد التدخل الإسرائيلي، ولكن للأسف يجلس على رأس الهرم ثلة تنفذ ما يطلبه الاحتلال الإسرائيلي منها، مبررة لنفسها حجة اتفاقيات الاستسلام الموقعة في كامب ديفيد عام 1979. إذا أراد النظام المصري فعلا رفض الهيمنة الإسرائيلية عليه أن يقوم بضغط دبلوماسي.

أما داخليا، يجب عليه تعزيز الاقتصاد عبر استثمارات إقليمية ودولية، والتعاون مع روسيا والصين لموازنة النفوذ الأمريكي. الشعب المصري هو السلاح الأقوى للحفاظ على السيادة.

العنصر السابع: التداعيات المستقبلية

قد تؤدى التدخلات في سوريا إلى تقسيمها، مما يزيد الضغط على مصر، خاصة في سيناء. التطبيع يفاقم الخطر بإضعاف الوحدة العربية. مصر، بقوتها العسكرية وتماسكها الشعبي، قادرة على المواجهة، لكن ذلك يتطلب قيادة وطنية وتعزيز الاقتصاد المحلي، وتوحيد المواقف العربية، وتجاوز قيود التطبيع.

في الختام

يواجه الشرق الأوسط خطر سايكس بيكو جديدة والذي ظهر مع مصطلح الشرق الأوسط الجديد، حيث تستغل إسرائيل محاولة النظام الجديد في سوريا تثبيت أقدامه، والتطبيع يعزز هيمنتها. مصر، كقلب الأمة العربية، قادرة على قيادة المقاومة. بالوحدة والإرادة الشعبية، يمكن لمصر حماية سوريا وسيادتها الوطنية، وكتابة تاريخ يعيد للأمة كرامتها، بعيدا عن أطماع الصهيونية إذا امتلكت قيادة وطنية تسعى حقا لتحرير مصر من التبعية الغربية والصهيونية.