قضايا وآراء

محرقة بني سويف

"في ثوانٍ معدودة، انقلب الفرح إلى مأتم"- الأهرام
تلك المحرقة التي حرقت قلوبنا جميعا، والتي راح ضحيتها 50 من خيرة المسرحيين والنقاد، وكذلك أُصيب 23 بحروق خطيرة.. هذا الحدث المؤلم الذي أحرق قلوبنا يوم 5 أيلول/ سبتمبر عام 2005.

ولمن لا يعرف بهذا الحدث الجلل، فإليكم الواقعة باختصار: مهرجان إقليمي لنوادي المسرح، دعيت إليه من معظم محافظات مصر والعاصمة فرق وشخصيات، والمكان هو قصر ثقافة بني سويف، في قاعة صغيرة منه يؤمها شباب وبنات في عمر الزهور، قرروا أن يقدموا طموحهم الفني في تلك القاعة الصغيرة.

وبالفعل، تحدد موعد العرض واكتظت القاعة بالجمهور والنقاد والمسرحيين، وتم العرض بسلام ونجاح، وصفق الجمهور المتحمس للشباب والبنات المتحمسين والموهوبين في عرسهم المنير.

وفجأة، وأثناء نهاية المشهد من تلك المسرحية، يحدث ماس كهربائي أدى إلى انفجار جهاز التكييف، الذي أدى بدوره إلى حريق هائل حاصر كل من كان في القاعة. ولسوء الحظ، كان منفذ الخروج الوحيد موصدا من الخارج، والحارس ذهب ليشرب زجاجة مياه غازية.

وفي ثوانٍ معدودة، انقلب الفرح إلى مأتم، وتم فتح الباب بعد كسره، وتدافع الناس، وساد الذعر، وتصاعد الدخان الأسود المشوب برائحة الشواء.

وبرغم قرب مركز الإطفاء من القصر المشؤوم، إلا أن سيارة المطافئ لم تأتِ إلا بعد خمسين دقيقة، وعندما حضرت، اكتشفوا أن المياه كانت مقطوعة. وأكثر من ذلك، أن المستشفيات لم تستقبل الحالات بسهولة لكي لا تتحمل المسؤولية.

نعم، وهكذا سارت الأمور، نعم، بهذه العبثية المأساوية.

ولعل هذه المحرقة، بأحداثها الموحشة، تثير تساؤلات وكثيرا من علامات الاستفهام؛ وكان أولها: أين الصيانة التي تحمي مثل هذه القاعات من مثل تلك الكوارث؟ ولماذا تأخرت عربة الإطفاء بهذا البطء المخجل الذي أدخلها في دائرة الاتهام؟ لماذا أغلق الحارس الباب وأوصده بالقفل وذهب؟ ولماذا؟ ولماذا؟.. كثرت الأسئلة بعلامات استفهامها، ولم تجد ردودا مقنعة سوى تبريرات تافهة لا تشفي صدورنا من كارثية ما حدث.

ولا نملك الآن سوى الترحم على أرواح أحبّائنا الذين رحلوا في هذا الظرف المأساوي، والذي كشف عن إهمال وتسيّب حكومي خطير، وحوسب بسببه من حوسب..

ولكن، كيف يغادرنا الألم الذي ما زال، وسيظل ما حيينا، يسكن أرواحنا وقلوبنا؟

سلام لروح كل من رحل في محرقة بني سويف الكارثية الساخنة أمامنا، كأنها الآن..