ملفات وتقارير

الدبيبة يرسم "خط الرجعة".. تسليم المطار وحل الميليشيات شرط لبقاء السلم

جدّد رئيس الحكومة دعوته إلى من وصفهم بـ"العقلاء" في كل الأطراف للانضمام إلى مسار الدولة، مؤكداً أن باب العودة ما يزال مفتوحاً لكل من يقبل الخضوع للقانون والمؤسسات الشرعية.. (الأناضول)
أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، عن أربعة شروط أساسية قال إنها تمثّل "خطاً أحمر" لمنع عودة الحرب إلى العاصمة طرابلس، في ظل توتر متصاعد مع "قوة الردع" المسيطرة على مطار معيتيقة وعدد من السجون الحيوية في المدينة.

وفي مقابلة موسعة بثتها قناة "ليبيا الأحرار"، المحلية شدد الدبيبة على أن حكومته ماضية "بكل قوة" في تنفيذ خطة أمنية لاستعادة ما وصفه بـ "سيادة الدولة"، مؤكداً أن الوقت قد حان لـ"استرجاع الدولة وبسط سيطرتها الكاملة على كل المرافق السيادية"، وعلى رأسها المطارات والموانئ والسجون.

هذه شروطنا الأربعة

وأوضح رئيس الحكومة أن العملية الأمنية التي انطلقت مؤخراً ضد بعض التشكيلات المسلحة، لم تكن "إلا ضرورة ملحّة بعد أن تحولت هذه الجماعات من حلفاء سابقين إلى تهديد مباشر لبنية الدولة"، مؤكداً أن عدداً منها بات يملك من السلاح والقوة ما يفوق أحياناً قدرات مؤسسات الدولة نفسها.

وفي هذا السياق، كشف الدبيبة عن أربعة شروط اعتبرها غير قابلة للتفاوض لتفادي التصعيد: تسليم جميع المطلوبين للنائب العام، وعددهم 125، ممن قال إنهم محتمون بقاعدة معيتيقة، إخضاع مطار معيتيقة بالكامل لسلطة وزارة المواصلات، وإنهاء أي سيطرة فصائلية عليه، تسليم السجون إلى الأجهزة النظامية المعترف بها، لإعادة الاعتبار للسلطة القضائي، حلّ كافة المليشيات بشكل نهائي، وإنهاء وجود التشكيلات المسلحة خارج إطار الدولة.

وقال الدبيبة: إن هذه الخطوات ليست خياراً سياسياً، بل "إجراء سيادي لا بديل عنه"، مضيفاً: "من يرفض هذه الشروط، لن يمكنه ضمان ما سيحدث له لاحقاً".

وردّاً على اتهامات بأن الحملة تستهدف أطرافاً دينية بعينها، خاصة ما يُعرف بـ"التيار السلفي"، نفى الدبيبة ذلك بشكل قاطع، قائلاً: "نحن لا نحارب السلفية، بل نحارب من يريد فرض حكمه على البلاد بالبندقية".

وفي رسالة مباشرة إلى أهالي منطقة سوق الجمعة، التي شهدت بعض المناوشات الأمنية مؤخراً، قال الدبيبة: "أهالي سوق الجمعة هم أهلي، ولا علاقة لهم بما يحاول البعض فعله من تحويلها إلى أدوات لابتزاز الدولة باسم القبيلة أو الدين".

توتر مع المجلس الرئاسي

وفي ملف آخر يعكس عمق التوتر داخل المؤسسات الحاكمة، عبّر الدبيبة عن استغرابه من قرار المجلس الرئاسي بتسمية رئيس جديد لجهاز دعم الاستقرار، دون تنسيق مسبق مع الحكومة، قائلاً إن "القرار محل مراجعة وتفاهم".

وفي ختام اللقاء، جدّد رئيس الحكومة دعوته إلى من وصفهم بـ"العقلاء" في كل الأطراف للانضمام إلى مسار الدولة، مؤكداً أن باب العودة ما يزال مفتوحاً لكل من يقبل الخضوع للقانون والمؤسسات الشرعية.



تأتي هذه التصريحات بعد أيام من تنفيذ حملة أمنية في طرابلس استهدفت مقار ومواقع تابعة لـ"قوة الردع الخاصة"، القوة الأمنية ذات المرجعية السلفية، والتي ظلت لسنوات تلعب دوراً محورياً في حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب، لكنها اتُهمت في الآونة الأخيرة بتجاوز صلاحياتها والتمدد في مؤسسات الدولة الحيوية، ومنها مطار معيتيقة وسجنها الشهير.




قوة الردع

يذكر أن قوة الردع الخاصة هي تشكيل أمني مسلح بارز في العاصمة الليبية طرابلس، تأسس في أعقاب ثورة فبراير 2011، وتطوّر تدريجياً ليصبح من أكثر القوى نفوذاً وتأثيراً في الغرب الليبي، خاصة من حيث السيطرة على مفاصل أمنية ومواقع حساسة داخل العاصمة.

ظهرت قوة الردع في البداية كجماعة ثورية شبابية قاتلت نظام القذافي، ثم أعادت تشكيل نفسها ضمن "القوى الثورية" التابعة لحكومة ما بعد الثورة.

تتبع أيديولوجياً التيار السلفي المدخلي، المعروف بولائه للحكام ورفضه للخروج عليهم، مما جعلها تحظى بدعم بعض الجهات الرسمية لفترة طويلة، رغم الانتقادات الواسعة التي وُجهت لها لاحقاً.

المهام والدور

كانت مكلفة رسمياً بمهام مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في العاصمة، وخاصة في مواجهة تنظيم الدولة (داعش) وشبكات المخدرات والتهريب.

سيطرت لفترة طويلة على مطار معيتيقة الدولي، وكذلك سجن معيتيقة، الذي يُعد أحد أبرز السجون في طرابلس، ويُحتجز فيه مئات المعتقلين من قضايا الإرهاب والجرائم الكبرى.

لعبت دور "الشرطة الدينية" غير المعلنة في بعض الفترات، وواجهت اتهامات بفرض قيود اجتماعية على المدنيين، خاصة النساء.

الانتقادات والمخاوف:

وُجهت إليها اتهامات من منظمات حقوقية محلية ودولية بانتهاك حقوق الإنسان، والاحتجاز خارج إطار القانون، والتعذيب داخل السجون.

اتُهمت بالتحول من جهاز أمني إلى "قوة موازية" خارج سيطرة الدولة، خاصة بعد رفضها مراراً أوامر حكومية بنقل السيطرة على السجن أو المطار.

رأت أطراف سياسية أن الردع تجاوزت دورها وتحولت إلى "دولة داخل الدولة" تفرض رؤيتها الدينية والأمنية على مؤسسات الدولة الليبية.

خلال فترات سابقة، كانت تعمل شكلياً تحت إشراف وزارة الداخلية أو المجلس الرئاسي، لكنها في الواقع تمتعت بهامش استقلال واسع.

في الآونة الأخيرة، تصاعد التوتر بينها وبين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خاصة بعد مطالبات بتسليمها لمطار معيتيقة وسجن الردع، واتهامها بإيواء مطلوبين.

في ضوء التصعيد الأخير، ومع مطالبات حكومية بحل الميليشيات ودمجها أو تفكيكها، بات مستقبل قوة الردع على المحك، إذ أصبحت جزءاً محورياً من الصراع على سيادة القرار الأمني في العاصمة طرابلس.