صحافة دولية

تقرير تاريخي يكشف ارتكاب بريطانيين إبادة جماعية بحق السكان الأصليين في أستراليا

تحقيق رسمي يكشف جرائم بريطانيا في أستراليا.. مئات الآلاف من السكان الأصليين قُتلوا أو نُزعوا من أراضيهم - جيتي
في كشف تاريخي غير مسبوق، خلصت لجنة "يورّوك للعدالة" في أستراليا إلى أن المستوطنين البريطانيين ارتكبوا إبادة جماعية بحق السكان الأصليين في ولاية فيكتوريا، بعد عقود من الإنكار الرسمي والإهمال التاريخي. 

التقرير الذي أصدرته اللجنة هذا الأسبوع يُعد الأول من نوعه في البلاد، حيث وُصف بأنه "محطة مفصلية" في مسار الاعتراف بالجرائم المرتكبة ضد الشعوب الأصلية، والمضي نحو عملية مصالحة وطنية شاملة.

تدمير ممنهج للسكان والثقافة
بحسب ما ورد في التقرير، فإن ما بين عامي 1834 و1851، انخفض عدد السكان الأصليين في فيكتوريا من نحو 60 ألفاً إلى 15 ألفاً فقط، نتيجة لموجة واسعة من العنف والقتل الجماعي، وانتشار الأمراض، والاعتداءات الجنسية، وعمليات الإقصاء، ومحو اللغة والثقافة، وتخريب البيئة، وسحب الأطفال من عائلاتهم، ومحاولات "الاستيعاب القسري". 

وخلص التقرير إلى نتيجة حاسمة جاء فيها: "لقد كانت هذه إبادة جماعية بكل المقاييس."

أكثر من 100 توصية للتعويض
استند التقرير إلى أكثر من شهرين من جلسات الاستماع العلنية، و1300 شهادة وطلب مكتوب، وشمل أكثر من 100 توصية وُصفت بأنها تهدف إلى "جبر الضرر" الناتج عن الغزو والاحتلال. 

وقد دعت اللجنة إلى الاعتراف الرسمي بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تعرّض لها السكان الأصليون، بما في ذلك النظر في تقديم تعويضات مادية ومعنوية.

ومن أبرز التوصيات:

- إصلاح شامل للنظام التعليمي ليتضمن رواية السكان الأصليين عن تاريخ البلاد وتقاليدهم.

- الأعتذار الرسمي من الحكومة لجنود السكان الأصليين الذين قاتلوا في الحربين العالميتين، وحُرموا بعد عودتهم من الامتيازات التي مُنحت للجنود الآخرين، مثل منح الأراضي.

- زيادة تمويل قطاع الصحة الخاص بالشعوب الأصلية، ومكافحة العنصرية "المتفشية" في النظام الصحي الرسمي.

- سياسات واضحة لتوظيف المزيد من الكوادر الطبية والإدارية من السكان الأصليين في المؤسسات الصحية.

رغم الطابع التوافقي العام للتقرير، أفادت اللجنة أن ثلاثة من أعضائها الخمسة وهم “سو-آن هانتر، وماجي والتر، وأنطوني نورث” لم يوافقوا على إدراج بعض "النتائج الرئيسية" في النسخة النهائية، دون أن يتم توضيح النقاط محل الخلاف بشكل علني. ويعكس هذا الخلاف تعقيد الملف وتعدد الروايات والقراءات المتعلقة بماضي أستراليا الاستعماري.

الحكومة تتعهد بدراسة النتائج
وفي أول تعليق رسمي، تعهدت حكومة ولاية فيكتوريا التي يقودها حزب العمال بدراسة التقرير "بعناية"، حيث قالت رئيسة الحكومة جاسينتا ألان إن "النتائج تُسلّط الضوء على حقائق مؤلمة يجب مواجهتها بشجاعة ومسؤولية".

من جانبها، وصفت جيل غالاغر، وهي مديرة أكبر هيئة تمثيلية لشؤون صحة ورفاه السكان الأصليين في فيكتوريا، ما توصل إليه التقرير بأنه "حقيقة لا يمكن إنكارها"، قائلة: "نحن لا نحمّل أحداً من الأحياء اليوم مسؤولية هذه الفظائع، لكن من واجبنا جميعاً أن نتحمل مسؤولية الاعتراف بهذه الحقيقة والعمل على التصالح معها".

وتُعد لجنة يوروك أول هيئة رسمية على مستوى الولايات الأسترالية تتبنى نهج "قول الحقيقة" حول ما ارتُكب من انتهاكات بحق الشعوب الأصلية، لكن النقاش بشأن إجراء تحقيقات مماثلة لا يزال متعثرًا في ولايات ومقاطعات أخرى.

ففي كوينزلاند، ألغت الحكومة الجديدة من حزب "التحالف الليبرالي الوطني" مشروع تحقيق مشابه بعد فوزها بالانتخابات، ما يعكس هشاشة الالتزام السياسي بقضية المصالحة الوطنية، وتباين المواقف الحزبية تجاه ماضي البلاد الاستعماري.

جدل متجدد بعد فشل الاستفتاء
كما يأتي التقرير بعد أشهر قليلة من فشل الاستفتاء الدستوري الذي جرى في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والذي كان يهدف إلى إنشاء هيئة وطنية تُعرف باسم "الصوت"، تتيح للسكان الأصليين تقديم المشورة للبرلمان بشأن التشريعات والسياسات التي تخصهم. 

وقد صوت غالبية الأستراليين ضد التعديل، في انتكاسة كبيرة لحراك الاعتراف السياسي بالشعوب الأصلية.

ويفتح تقرير لجنة يورّوك الباب أمام مرحلة جديدة في النقاش الوطني حول كيفية التعاطي مع إرث الاستعمار، وتعويض الضرر التاريخي الممنهج.