قضايا وآراء

حماية صريحة أم جزية ممنوحة؟

جيتي
"سنحمي منطقة الشرق الأوسط والعائلات المالكة، وهم أشخاص رائعون، ونؤمن بالسلام عبر القوة ونريد أن ننجح في المفاوضات مع إيران" (الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب- أيار/ مايو 2025).

"قلت للملك سلمان نحن نحميك، عليك أن تدفع" (الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب- تشرين الأول/ كتوبر 2018).

لم يغير الرئيس ترامب موقفه من الحكام العرب الذين تحدث عنهم، وبالمناسبة لم يكن يتحدث عن حكام دول الخليج فقط، وإن انصرف ذهن الجميع إلى ذلك إلا أن ترامب كان يعني الجميع من المحيط إلى الخليج، فالعالم العربي فعليا وواقعيا واقع تحت الحماية الأمريكية، فما الذي تغير في سبع سنوات بين التصريح الأول والأخير لدونالد ترامب؟

هل انتبه العرب إلى خطورة ما يقوله ترامب ويكرره علنا بأنه يحمي الملك سلمان وإخوانه في الخليج؟ أعتقد ومن واقع الخبرة الطويلة أن حكام الخليج خصوصا والعرب عموما لا مانع لديهم من أن يفرض عليهم ترامب جزيته مقابل الحماية والبقاء في السلطة؛ التي تغدق عليهم تريليونات الدولارات من خيرات الأرض التي يعيشون فوقها ولا مانع لأي منهم أن يتقاسم ثروته مع ترامب ورفاقه نظير جهود الحماية التي يتمتعون بها فوق أرضهم وخارجها، حتى بات أحدهم يعتقد أن الموت بعيد عنه وأنه سوف يحيا فوق العرش لخمسين سنة قادمة، كما قال محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في تصريح لمجلة أمريكية أثناء زيارته لأمريكا (كان وقتها وليا لولي العهد) عام 2016، وهي الزيارة التي مهدت الطريق لإزاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف وتولي محمد بن سلمان ولاية العهد في حزيران/ يونيو 2017 بعد أن أجبره على التخلي علانية عن الولاية في مشهد مصور ومتداول على المنصات الاجتماعية.

ثمن الحماية الأمريكية ليس فقط تريليونات الدولارات التي تعهد بدفعها حكام الخليج، ولكن أيضا كان جزء أساسي في هذا الاتفاق تحرير المنطقة من علاقتها التاريخية الممتدة بالإسلام ولو بصورة تدريجية، وبمعنى آخر تخفيف جرعة الإسلام وتحويله من دين يشمل كل نواحي الحياة إلى دين مظاهر يسمح فيه للدولة والسلطة بفعل كل شيء مخالف للدين مع الاحتفاظ بالمساجد مفتوحة وبالآذان مسموعا، وإن كان موضوع الأذان هذا أصبح موضع قلق ومناقشة.

في الحادي والعشرين من أيار/ مايو 2017 وأثناء زيارة ترامب للسعودية وبصحبة مجموعة من قادة ورؤساء المنطقة، تم افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)، وهو مركز يقوم على مكافحة ما يسمونه بالتطرف إعلاميا وسياسيا ورقميا عبر الوسائط الاجتماعية، من خلال تجنيد جيوش المتفاعلين المعروفين بالمليشيات الإلكترونية أو الذباب الإلكتروني. أما التطرف المتفق على محاربته فهو كل ما يتعلق بإصلاح السلطة ومقاومة الفساد والاستبداد والحد من طغيان الحاكم. وقد نجحت الدول العربية وعلى رأسها الخليجية في تأهيل جيل من الشيوخ والدعاة ممن يروجون لطاعة الحاكم المطلقة حتى وإن زنا وإن سرق، وأفرط بعضهم في الأمر حتى أنني سمعت أحد المشايخ السعوديين يقول "إن طاعة ولي الأمر واجبة وإن فعل وفعل وحتى وإن كفر فننظر في الأمر هل نستطيع إزاحته أو نسكت".

وعلى ذكر إنجازات مركز "اعتدال"، فقد تم توقيع اتفاق تعاون بينه وبين منصة تيلجرام، بموجبها تقوم المنصة بحظر الحسابات التي يراها اعتدال متطرفة. وبغض النظر عن صحة الادعاءات من عدمها قامت المنصة بحذف 1.8 مليون حساب، ونفس الأمر يسري على يوتيوب وتويتر سابقا (إكس حاليا)، إذ وبناء على طلب من المركز السعودي تقوم هذه المنصات بحظر أي حساب أو محتوى له وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر الحكام. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تقوم وزارات الداخلية بتعقب واعتقال الناشطين الكترونيا وتحويلهم للمحاكمة عبر محاكم مستعجلة أنشئت لهذا الغرض، وهكذا يتم حماية النظم من شعوبها.

بيت القصيد أنه ومنذ زيارة ترامب للسعودية في عام 2017 لم نشهد أي عدوان خارجي على المملكة ولا غيرها من الدول، وكانت الحرب السعودية والإمارات على اليمن مستمرة، فمن هو العدو الذي تخشاه هذه النظم ويتطلب الأمر طلب الحماية الامريكية في عام 2025؟

الحقيقة أنه ليس ثمة عدو من دول الجيران، وأعني إيران التي تتمتع بعلاقات جيدة مع معظم دول الخليج، وليس أدل على ذلك من تبادل الزيارات بين السعودية وإيران على مستوى الوزارات السيادية مثل الخارجية والدفاع، والتبادل التجاري الملياري بين الإمارات وإيران، وتبادل الزيارات بين قطر وإيران، وكذا الحال مع سلطنة عمان. إذن فإيران ليست العدو ولا هي تشكل تهديدا مباشرا، ولو أرادت لفعلت عبر جماعة أنصار الله في اليمن وهو أمر متاح، فالعواصم الخليجية أقرب للصواريخ الحوثية من تل أبيب أو مطار اللد (بن جوريون)، ولكن إيران في رأيي أعقل من هذا وكل ما يهمها هو خروج الأمريكان من المنطقة بينما جيرانها يسعون لتثبيت أقدامهم فيها، إذن فمن العدو؟

لا أعتقد أن دول الخليج ولا مصر ولا الأردن ولا سوريا قريبا ترى أن دولة الكيان الصهيوني هي العدو، فهذه الدول أو معظمها يتمتع بعلاقات رسمية أو شبه رسمية مع الصهاينة، ومعظم هذه الدول إن يكن كلها تدعم الحرب على غزة وتتمنى إبادة المقاومة عن بكرة أبيها لأنها عنوان الإسلام السياسي من وجهة نظرها، وهي تشكل تحديا لإرادة حكام هذه الدول الذين يودون العيش تحت الحماية بهدوء وسكينة، فمن العدو؟

الظاهر والواضح والجلي هو أن الشعوب المظلومة والمكلومة والمصدومة في موقف حكامها من القضية المركزية العربية باتت هي العدو لتلك الأنظمة، وقد كشف العدوان الصهيوني وحرب الإبادة الصهيونية والصمت العربي المطبق عن أن هؤلاء الحكام يودون لو ألقت دولة الاحتلال بقنابلها على الشعوب العربية الرافضة لوجود الكيان، ولوجود الحكام المشاركين في العدوان على فلسطين والمتآمرين علانية على مصالح الشعوب العربية والإسلامية.

في رأيي أن حكام الخليج ومصر والأردن يرون أن الخطر القادم إليهم ليس من دول الجوار ولا من الكيان ولا من الوجود الأمريكي، ولا من الفساد ولا من الاستبداد السياسي ولا الانهيار الاقتصادي في بعضها، بل يرون الخطر في صحوة الشعوب المتحصنة بالدين كملاذ أول وأخير للحياة والنجاة معا، هذه الشعوب في رأيي هي أكثر وعيا استراتيجيا من حكامها الذين لم يعتبروا من قصص التاريخ، وما انتهى إليه حكام الأندلس.