مع
إعلان رون
ديرمر عن استقالته بعد سنوات طويلة من عمله الحكومي والدبلوماسي، بدأت
التسريبات الإسرائيلية تتحدث عن مستقبله السياسي، مع العلم أن علاقته الوثيقة مع بنيامين
بدأت قبل تعيينه وزيرًا بوقت طويل، ومن غير المرجح أن تنتهي باستقالته، رغم أنه بالنسبة
للعديد من الإسرائيليين، يُعتبر اسمًا جديدًا نسبيًا، فالرجل ظهر، فجأةً، ليدعم
نتنياهو في أصعب فتراته، وربما أصعب فترة للدولة منذ تأسيسها.
وذكر نير
كيبنيس الكاتب في موقع ويللا، أن "علاقات ديرمر ونتنياهو تعود لولايته
الأولى عام ١٩٩٦، منذ ٣٠ عامًا، منها أكثر من ٢٠ عامًا في خدمته كوزير للمالية
ورئيس للوزراء، ويشير استعراض موجز لجزء كبير من نشاطه الماضي والحاضر، لشراكة أيديولوجية
مع من يُعتبر راعيه، ولتعزيز المصالح المشتركة، والعديد من الواجهات المثيرة
للاهتمام التي تتداخل فيها المصالح السياسية مع الشخصية، بل وحتى الاقتصادية".
وأضاف
في
مقال ترجمته "عربي21" أنه "رغم
وجود تشابه معين بين نتنياهو وديرمر، إلا أن سيرته الذاتية تفتقر للجانب
الإسرائيلي، وهو أمر بالغ الأهمية للمواجهة السياسية، بمعنى آخر، من المرجح جدًا
ألا نرى ديرمر يُناضل من أجل مكانه في قائمة الليكود لتحقيق مكانة واقعية، فهل
تعني استقالته من الحكومة نهاية مسيرته في الحياة العامة، هذا ليس مؤكدًا على
الإطلاق".
وأشار
أنه "يمكن للمرء أن يراهن على أنها لن تعني ذلك، لأن بعض النماذج التي يحاول
نتنياهو تطبيقها هي إعادة إنتاج لآليات "ترامبية"، وبالتالي سيكون من
المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان رون ديرمر سيتحول من وزير إلى نوع من المبعوث،
وهو أيضًا شريك لرئيس الوزراء، على غرار نموذج ستيف
ويتكوف".
وأكد كيبنيس أن "إعفاء ديرمر من منصبه كعضو في الحكومة يهدف لكتابة الفصل التالي ليس فقط
في سيرته الذاتية، ولكن أيضًا في سيرة نتنياهو، فقد كان لديه العديد من مفترقات
الطرق، حيث تقاطع نشاطه السياسي مع مسارات الأموال الكبيرة، بدأت عندما كان
نتنياهو وزيرًا للمالية في حكومة أريئيل شارون، وفي 2004، عُيّن مبعوثًا اقتصاديًا
لإسرائيل في واشنطن، وركز جزء من نشاطه الاقتصادي على إقناع الصناديق
الدولية بعدم الاستثمار في إيران، بينما اهتم جزء آخر بتعزيز مصالح الشركات
الإسرائيلية في واشنطن".
وأوضح
أن "الدور الرسمي التالي الذي شغله ديرمر نيابة عن الدولة، جاء بتعيينه سفيرا
لدى الولايات المتحدة في 2013، والعديد من التقاطعات الاقتصادية المثيرة للاهتمام،
ففي إحداها، تعاون مع رئيس الموساد آنذاك، يوسي كوهين، لرفع الولايات المتحدة
القيود المفروضة على رجل الأعمال دان غيرتلر، للاشتباه بدفعه رشاوى بمئات ملايين
الدولارات، للحصول على حقوق التعدين في الكونغو".
وأشار كيبنيس إلى أن "ديرمر أظهر نشاطا بالترويج لاتفاقيات التطبيع من خلال جوانب اقتصادية
بطبيعة الحال، لكن الفضل الأكثر إثارة للدهشة الذي حظي به كان من ألبرت بورلا،
الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، مطور أحد لقاحات فيروس كورونا، الذي أشاد به
لمساهمته بتوفير ملايين لقاحات فيروس كورونا لإسرائيل، وبعد انتهاء عمله في
واشنطن، أصبح شريكًا في شركة الاستشارات "إكسيجنت"، ولديه شركته الخاصة
للاستشارات الاستراتيجية، ومن أبرز استثماراته حصة 10 بالمئة في معهد "ميدغام"
لاستطلاعات الرأي- مانو جيفا".
وأكد الكاتب أن "القول بأن ديرمر مقرب من نتنياهو هو أقل من الحقيقة، فعلاقاته مع عائلته
تتجاوز ذلك بكثير، ومثل أي شخص عاش سنوات طويلة برفقته، يُعرف ديرمر بعلاقات
ممتازة مع سارة، لكن لا أحد يعرف طبيعة هذه العلاقة، فالأمر غير واضح، وطالما أن
هناك أوجه تشابه كثيرة بينهما، رغم أن ديرمر يصغر نتنياهو بجيل، فهل يُمكن أن يكون
وريثًا له".
وأضاف
أن "هناك شكوك كبيرة، لأن أوجه التشابه ليست بارزة هنا، بل الاختلافات، فقد
وُلِد نتنياهو ونشأ في إسرائيل، وخدم في وحدة النخبة في الجيش، وهو شقيق أحد
أشهر الجنود في تاريخ الدولة، وساعدته هذه التفاصيل في سيرته الذاتية على العودة
من سنوات طويلة قضاها في الولايات المتحدة مثل ابنٍ يعود إلى الدولة، ويندمج فورًا
في منصبٍ رفيعٍ في المعسكر الذي سيقوده لاحقًا".
واستدرك
بالقول إن "ديرمر، رغم هجرته إسرائيل بدافعٍ من الصهيونية، وتخليه عن
جنسيته الأمريكية، مع تعيينه مبعوثًا اقتصاديًا في واشنطن، لكنه يُعتبر مجرد لاعبٍ
احتياطي، يُذكرنا بمكانة اللاعب "المُجنّس" في كرة السلة، حتى من
يُقدّرون عمله يجدون صعوبةً في اعتباره من اللاعبين، ناهيك عن كونه قائدًا، مما
يدفع للتساؤل عما يدفعه لترك منصبه بعد أقل من ثلاث سنوات".
وختم
بالقول إن "الرواية الرسمية أن ديرمر وعد عائلته بأنه لن يخدم في المنصب
لأكثر من عامين، وهي فترةٌ مُدّدت بسبب الحرب على غزة، ففي غضون ذلك، وخلال الأشهر
القليلة الماضية، علم أن للحياة العامة في إسرائيل ثمنًا باهظًا أيضًا، ففي
حالته، وفي نوبات احتجاجيةٍ لمقرّ عائلات المختطفين أمام منزله، حتى من يقبلون هذه
الرواية كسبب رئيسي للتقاعد لا يسعهم إلا التساؤل عن مصيره".
تشير
هذه القراءة الإسرائيلية لمستقبل ديرمر، الذي شكل محورا في السياسة الإسرائيلية
طوال شهور الحرب على غزة، أنه ليس مستبعدا أن يصبح بمثابة "ستيف ويتكوف"
في خدمة نتنياهو، أي شخصًا لا يشغل منصبًا رسميًا، بل يعمل مستشارًا وممثلًا
وشريكًا ومبعوثًا، طالما أن العلاقة بين ترامب وويتكوف مربحة للغاية لهما: على
الصعيدين العام والاقتصادي.